رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحقوقيون والسد الإثيوبى


الماء حياة، والحق فى الحياة يأتى فى مقدمة حقوق الإنسان. كما أن الحق فى الحصول على المياه منصوص عليه فى كل الإعلانات والمواثيق الدولية، ومع ذلك لم تلتفت المنظمات الحقوقية، المحلية والدولية، طوال السنوات العشر الماضية، إلى قضية السد الإثيوبى، الذى يهدد حياة أكثر من مائة مليون مصرى ونحو ٥٠ مليون سودانى.
خلال ربع القرن الماضى، تزايد بشكل ملحوظ عدد المنظمات والجمعيات والمؤسسات، التى تزعم أنها معنية بحقوق الإنسان، بينما قال الواقع إنها تلعب دورًا سياسيًا لحساب الدول أو الجهات المانحة، وهناك شواهد كثيرة على أن كثيرًا من تلك المنظمات وضعت نفسها فى خدمة تنظيمات إرهابية، ولعبت دورًا فى الاضطرابات التى شهدتها دول المنطقة.
على سبيل الاستثناء، الذى يثبت القاعدة ولا ينفيها، وفى محاولة للوصول إلى حل عادل لقضية السد الإثيوبى، أصدرت منظمات حقوقية، من تسع دول إفريقية، وثيقة تطالب إثيوبيا بتأجيل الملء الثانى لخزان السد، وتطرح عددًا من التوصيات، التى لا تهدف إلى حل مشكلة ذلك السد فحسب، بل تسعى لمنع أى صراع محتمل حول الأنهار فى قارة إفريقيا مستقبلًا.
الوثيقة صدرت، أمس الأحد، فى ختام مؤتمر «النيل من أجل السلام»، الذى دعت إليه منظمة «المنبر الإفريقى» الكينية، واستضافته العاصمة الأوغندية كمبالا، واستمرت فعالياته لستة أيام، بمشاركة ٢٥ خبيرًا فى الشأن المائى وحقوق الإنسان والبيئة والتنمية المستدامة، من السودان، إثيوبيا، أوغندا، كينيا، تنزانيا، الكونغو الديمقراطية، بوروندى، والمغرب، ولم يمثل مصر غير مؤسسة «ماعت» للسلام والتنمية وحقوق الإنسان.
لا يمكن اتهام الوثيقة بأنها منحازة لطرف على حساب آخر، ولو جاز اتهامها بذلك، فإنها ستكون منحازة لإثيوبيا، لأنها طالبت المجتمع الدولى، فى توصياتها، بأن يتحمل مسئولية تعويضها عن أى ضرر قد ينتج عن تأجيل ملء السد، كما طالبت الحكومة المصرية بـ«ضرورة المشاركة فى أعمال التنمية المستدامة فى إثيوبيا»، قبل أن تطالب بوضع اتفاقية قانونية تضمن تحقيق التنمية المستدامة فى إثيوبيا دون الإضرار بالشعبين السودانى والمصرى وحقهما فى الحياة والمياه.
خلال المؤتمر، تباحث خبراء المياه وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة، حول أهمية نهر النيل، والاتفاقيات المنظمة لإدارة وتوزيع المياه، مع التركيز على أزمة «سد النهضة» الإثيوبى، من أجل الخروج بحلول بديلة تضمن التوزيع العادل للمياه، وعدم الإضرار بأى شعب من شعوب دول حوض نهر النيل، وناقشوا عددًا من المقترحات لوضع استراتيجية عمل سريعة قصيرة المدى للتواصل مع الدول الثلاث، والدول صاحبة المصلحة، مع الآليات الإفريقية والأممية المختلفة، لإطلاعها على بنود الوثيقة، باعتبارها تُعبر عن موقف المجتمع المدنى الإفريقى.
المشاركون فى المؤتمر اتفقوا، أيضًا، على عقد ندوات محلية داخل دولهم، لحشد باقى المنظمات للتوقيع على الوثيقة، وتكوين رأى عام إفريقى داعم لتوصياتها، مع وضع خطة استراتيجية طويلة الأجل، لمنع أى نزاع محتمل فى قارة إفريقيا حول الأنهار، وأن يكون المشاركون فى المؤتمر «نواة لتأسيس كيان يسعى لإقرار السلام ومنع النزاع». وأشاروا إلى أن الوثيقة الصادرة عن المؤتمر تعد «أساسًا قويًا يمكن للمجتمع المدنى الإفريقى البناء عليه، لدعوة الحكومات للتفاوض السلمى القائم على حسن النوايا وليس على الصراع».
فى السياق نفسه، طالبت لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، فى بيان، المجتمع الدولى بأن يضطلع بمسئولياته تجاه حق المصريين فى الحصول على حصتهم العادلة من مياه النيل. وأوضحت اللجنة أن مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية، الذى انعقد سنة ١٩٩٢، أكد أن مياه الشرب حق أساسى من حقوق الإنسان، كما أشارت اللجنة، فى بيانها، إلى ما تضمنته اتفاقيات جنيـف، الموقعة سنة ١٩٤٩، وبروتوكولاتها الإضافية، الصادرة سنة ١٩٧٧، وقرارات اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و... و... وغيرها من القرارات والاتفاقيات التى أقرت بحق الشعوب فى الحصول على مياه الشرب.
ما لم يذكره بيان لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، أن الأمم المتحدة لديها «مقرر خاص» تابع للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، دوره الأساسى هو التصدى لانتهاكات الحق فى الحياة، لكنه كغيره من موظفى المنظمة الدولية والمنظمات، التى توصف بأنها حقوقية، لا يتحركون إلا بـالـ«ريموت كنترول» ولا ينطقون إلا بما يمليه عليهم أولياء نعمتهم.
.. وأخيرًا، كنا ننتظر من كل المنظمات الحقوقية المحلية، التى اتخذت من حقوق الإنسان ستارًا لممارسة أنشطة سياسية، أن تقدّم دفاعها عن حقوق المصريين على مصالحها أو مصالح الدول أو الجهات المانحة. أما المنظمات الدولية، فلم يعد هناك أدنى شك فى أنها مجرد أدوات، تستخدمها بعض الدول لابتزاز دول أخرى، ولم يعد سرًا أن عددًا من تلك المنظمات لعب دورًا كبيرًا فى تبرير احتلال العراق، وفى تخريب ليبيا وسوريا واليمن و... و... وفى محاولات تدمير المنطقة كلها.