رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قالوا علينا «دهابة».. «الدستور» تخترق عالم التنقيب عن الذهب في الصعيد (فيديو)

التنقيب عن الذهب
التنقيب عن الذهب

- الحفر بفأس بدائية ولوادر.. واستخدام آلات ثقيلة لـ«طحن» الأحجار المستخرجة.. و«المكسب ربع مليون جنيه في الرحلة»

- التكرير والتنقية باستخدام مواد كيماوية معينة.. والبيع لتجار متخصصين وبالاسم

- أكثر العاملين في المهنة من البحر الأحمر وقنا وأسوان لمعرفتهم بأسرار الجبال والوديان


ما أن تنظر لهذه «الجوالات» التي تحمل كُتلًا من الأحجار والصخور مختلفة الحجم، قد تعتقد للوهلة الأولى أنك أمام منجم لاستخراج مواد البناء المختلفة، ولن تتوقع بأي صورة أنها تحمل بداخلها خام الذهب الخالص.
فقبل تجميع هذه «الجولات» وترتيبها فوق وإلى جانب بعضها البعض، كان هناك منقبون يبحثون عن المعدن الأصفر النفيس، باستخدام أجهزة الكشف عن المعادن، وآخرون يستخرجونه من باطن الأرض بصورته الخام داخل كتل حجرية وصخرية يتم وضع كل كمية منها داخل «جوال»، استعدادًا لطحنها وتكريرها وتنقيتها لاستخراج خام الذهب منها بطريقة معينة تحتاج إلى متمرس ذي خبرة.
من البحث إلى الاستخلاص والبيع، تمر رحلة الذهب الخام لدى «الدهابة»، أولئك الرجال من أبناء محافظات البحر الأحمر وقنا وأسوان، الذين يعملون في مهنة «التنقيب عن الذهب»، ويدور حولهم تحقيق «الدستور» التالي.

جهاز الكشف يُباع علنًا بـ45 ألف جنيه.. وطن «الكوارتز» ينتج 200 جرام من الذهب

فقد عمله كسائق «لودر» في ظل حالة الركود التي يشهدها قطاع المحاجر خلال الفترة الأخيرة، فبدأ في البحث عن مصدر رزقٍ له ولأسرته، وسأل أصدقائه عن أي فرصة عمل، سواء في مجاله الذي يتقنه تمامًا، أو في أي مهنة أخرى.
سأل «محمد. ع»، الشاب في العقد الرابع من العمر، ويقطن قرية «حجازة» التابعة لمركز «قوص» بمحافظة قنا، وأتته الإجابة سريعة من أحد أصدقائه: «إيه رأيك تشتغل في الدهب؟!!». وقبل أن يبدِ «محمد» استغرابًا من أي نوع، أضاف صديقه موضحًا: «تشتغل مع (الدهابة)، اللي بيدوروا على الدهب، وأصبحت مهنتهم مصدر رزق وثراء لكثيرين من أبناء جنوب البحر الأحمر وقنا وأسوان».
لم يتردد «محمد» في الاتصال على رقم هاتف أحد مقاولي المهنة، الذي قال له: «نعم أحتاج إلى سائق لودر، يساعد في إزالة طبقة التربة أمام جهاز الكشف عن المعدن النفيس أثناء البحث والتنقيب».
وافق الشاب القنائي، وسأل عن طريقة محاسبته على ما سيؤديه من عمل، ليتفق معه المقاول على منحه نسبة من الذهب المستخرج، بحيث توزع الكمية على مجموعة العمل، سواء بالتساوي أو حسب اتفاق مسبق، على أن يعامل جهاز الكشف عن المعدن باعتباره «فرد» وتُمنح نسبته من الذهب إلى مالكه.
وفتح حديث «محمد» عن جهاز الكشف عن المعدن تساؤل عن الطريقة التي يحصل بها «الدهابة» عليه، خاصة مع وجود اشتراطات وضوابط لدخوله وتداوله في مصر.
«الدستور» توجهت بهذه التساؤل إلى مالك أحد هذه الأجهزة، ويدعى «رمضان. ي»، فأكد أن أجهزة الكشف والتنقيب عن المعادن وعلى رأسها الذهب تُباع في متاجر معروفة، بدون أي موانع قانونية أو أوراق ثبوتية للمشتري.
وأوضح «رمضان» أنه اشترى جهازين بسعر 45 ألف جنيه للجهاز، ثم سلمهما إلى «الدهابة»، ليحصل منهم على حصتين من الذهب للجهاز، وفقًا لقاعدة اعتبار الجهاز فردًا من أفراد مجموعة البحث عن المعدن النفيس، كما أوضح شاب قرية «حجازة» سابقًا.

ماذا بعد توفير جهاز الكشف والتنقيب عن الذهب؟ ومن أين يتم استخراجه؟

الإجابة كانت لدى «محمد.ع»، أحد العاملين في مهنة «الدهابة» وتوفير معدات التنقيب، والذي شدد على أنه: «ليس من السهل أبدًا البحث عن الذهب بمفردك أو بشكل عشئوائي»، موضحًا أنه يكون في أماكن صخرية ذات تُربة حمراء اللون إلى حد ما، في مناطق جنوب البحر الأحمر والظهير الصحراوي لمحافظة قنا.
وأضاف: «عملية البحث تبدأ بتمرير جهاز التنقيب - المحمول على كتف أحد الأشخاص- في المنطقة المستهدفة التي تُحدد بشكل مسبق، وحين تصدر صافرة إنذار، نبدأ التنقيب باستخدام أدوات بدائية على رأسها الفأس، إلى جانب المعداث الثقيلة مثل اللودر والحفار، إذا كانت هناك طبقة أكبر من التربة والصخور».
وعن المرحلة التالية لاكتشاف الذهب، قال «حساني. أ»، البالغ 53 سنة، من مدينة «إدفو» في محافظة أسوان، إنه يتم العثور على أحجار من «الكوارتز» تحوي خام الذهب على شكل صخور صغيرة أو كبيرة الحجم يطلق عليها «العِرق»، مشيرًا إلى أنه يمكن استخراج ما بين 150 لـ200 جرام ذهب من طن «كوارتز»، وفقًا لعدة عوامل من بينها نوع وموقع الحجر.
وأضاف «حساني»: «بعد ذلك، تُطحَن وتُنقَى الأحجار من الشوائب العالقة بها، وهي عملية معقدة لا يمكن لأي شخص أدائها، لكونها تحتاج إلى خبرة وكفاءة وصبر»، مبينًا أنها تتم بطريقة بدائية، عن طريق تكسيرها وطحنها بآلات ثقيلة، ثم تكريرها على مراحل، باستخدام مواد كيماوية معينة لعزل المعدن عن التربة، وصولًا إلى تجميع حبيبات الذهب وجمعها في «كتلة»، تمهيدًا لجلبها إلى مشتري وبيعها له.
وكشف عن أن خام الذهب لا يُباع أمام العامة أو مع أي تاجر، بل مع تجار ذهب متخصصين في شراء «الخام»، لكونه جُمع بطريقة «غير قانونية»، مع تسعيره بأقل من سعر السوق بـ100 جنيهًا تقريبًا، مختتمًا: «هناك تجار ذهب متخصصون يتم التعامل معهم في عدد من المحافظات، وكل مقاول تنقيب له تاجر متخصص يتعامل معه».

الأمن و«الطمع» والجبال أكثر المخاطر.. ومشتغل بالمهنة: «مستحيل أورثها لولادي»

التنقيب عن الذهب مهنة قديمة وليست مستحدثة، لكن الوسائل والأدوات المستخدمة فيها تطورت بشكل كبير، في ظل التقدم التكنولوجي الكبير، وظهور أجهزة متطورة للكشف عن المعادن، وفق «عبدون. م»، أحد أبناء قبيلة «العبابدة» في مدينة «شلاتين» جنوب البحر الأحمر.
وقال «عبدون»، وهو في العقد الثالث من عمره، ولم يلتحق بالتعليم: «التنقيب عن الذهب ليس أمرًا جديد علينا، وأجدادنا الذين سكنوا الجبال والوديان منذ قديم الزمان امتهنوا وتعلموا التنقيب وتوارثه أبناؤهم جيلًا بعد جيل».
وأضاف: «التنقيب عن الذهب هو مهنة كثيرين من أبناء جنوب البحر الأحمر، في ظل عدم وجود فرص عمل أو مشروعات تتطلب عمالة، بسبب نُدرة الاستثمارات في المنطقة، الأمر الذي جعلنا نبحث عن رزقنا في باطن الأرض ومن خيراتها، سواء من خلال البحث عنه الذهب أو المحاجر، بعيدًا عن مهنة رعي الأغنام وتجارة الحيوانات، خاصة الجمال القادمة من السودان لقربها من المنطقة».
وشدد على أن أبناء جنوب البحر الأحمر هم أكثر الناس معرفةً بالجبال وأوديتها، والطرق المؤدية إلى مناطق وجود «عروق الذهب»، لذا يتعاون معهم القادمون من محافظات الصعيد المختلفة للعمل في التنقيب، سواء قنا أو أسوان وغيرهما.
وتابع: «هناك عدد كبير من أبناء قنا وأسوان يعملون في التنقيب، خاصة قري أدفو وكوم أمبو، بعد أن ضيّقت أجهزة الأمن الخناق على تنقيبهم في مناطق العلاقي بمحافظة أسوان، ويأتي على رأس هذه القرى في قنا: حجازة والعليقات والكلاحين»، مختتمًا بقولهه: «أعداد المنقبين في وديان البحرالأحمر كبيرة، وتزيد على 2000 شخص، بجانب مُعدّاتهم وأجهزتهم المختلفة.
عدنا لـ«محمد.ع»، سائق «اللودر» الذي بدأنا به هذا التحقيق، للحديث معه عن المكاسب التي يجنيها من هذه التجارة، إلى جانب المخاطر التي يتعرض لها، فقال: «هذه المهنة مربحة بالنسبة لي، وحققت لي طموحاتي، من خلال شراء سيارة أجرة (ميكروباص)».
واستدرك «لكن في كل مرة أخرج للبحث والتنقيب في رحلات تستغرق أسابيع وشهورًا، أكون مُحاطًا بالعديد من المخاطر، ما بين حملات أمنية تلقي القبض على المنقبين، ومشادات تصل إلى حد الاشتباك بين مجموعة العمل، لأسباب عديدة من بينها الطمع في الحصول علي نسبةٍ أكبر من المعدن المستخرج، فضلًا عن خطورة المبيت في الجبال»، متابعًا: «لن أدفع بأبنائي للعمل في هذه المهنة مهما كلفني ذلك، خوفًا عليهم مما تعرضت له طوال سنوات».
وأشار إلى أن من أكبر الخسائر التي يتعرض لها المنقبون عن الذهب هي مصادرة معدّات وأجهزة التنقيب التي تساوي ملايين الجنيهات»، مشيرًا إلى أنه في خلال فبراير الماضي، تمت مصادرة 3 «لوادر» وحفار، بقيمة مالية تتجاوز 5 ملايين جنيهًا، ولا يمكن استردادهم بعد المصادرة بأي صورة.
واختتم «رغم كل هذه المخاطر، هناك رحلات تعود على المشاركين بها بآلاف الجنيهات، حتى أنني في إحدى هذه الرحلات ربحت نصف مليون جنيه خلال 25 يومًا فقط».

محامي: الحبس سنة وغرامة 5 ملايين جنيه عقوبة البحث عن المعدن

تشن الأجهزة الأمنية في محافظات «التنقيب عن الذهب» -إن صح التعبير- حملات مكثفة ومتواصلة، لإلقاء القبض على المنقبين، وتقديمهم إلى جهات التحقيق، لمحاسبتهم طبقًا لمواد القانون، التي تمنع تلك الأعمال إلا بغطاء حكومي وتصاريح من جهات رسمية، فضلًا عن مصادرة المعدات التي يستخدمونها في تنقيب وطحن الذهب المستخرج.
وفي فبراير الماضي، تمكنت قوة أمنية تابعة لقسم شرطة مرسى علم بمديرية أمن البحر الأحمر، معينة لملاحظة الحالة الأمنية، من ضبط سيارتين نقل مُحمل عليهما كمية من الأحجار التى يشتبه فى إحتوائها على خام الذهب تزن حوالى 12 طن تقريبًا، واعترف مالكهما بالتنقيب غير المشروع عن خام الذهب، مقرًا بأن الأحجار من متحصلات التنقيب.
من جهته، قال محمد عرفات، محامي في محافظة البحر الأحمر، أن المادة رقم 42 من القانون رقم 145 لسنة 2019، بشأن تعديل بعض أحكام قانون الثروة المعدنية رقم 198 لسنة 2014، نصت على «عقوبة» للتنقيب العشوائى واستخراج أى خامات من المناجم أو المحاجر دون ترخيص.
وتتضمن العقوبة التي نصت عليها هذه المادة: الحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد على 5 ملايين جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل من استخرج خامًا من خامات المناجم أو المحاجر أو المواد المصاحبة أو الأملاح دون ترخيص.
وتنص المادة على «الحبس لمدة لا تقل عن سنتين، والغرامة التى لا تقل عن 250 ألف جنيه ولا تزيد على 5 ملايين جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، حال تكرار الجريمة ذاتها».
وشدد «عرفات» على أنه «بالرغم من تشديد العقوبة علي المنقبين، ما زالوا يمارسون تنقيبهم عن الذهب».