رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كنز الأجداد.. اكتشاف مدينة «صعود آتون» الذهبية المفقودة بالأقصر

كنز الأجداد
كنز الأجداد


كشفت بعثة أثرية مصرية، برئاسة عالم المصريات الدكتور زاهى حواس، وبالتعاون مع وزارة السياحة والآثار، عن مدينة مفقودة تحت الرمال بالأقصر، تعود إلى عهد الملك أمنحتب الثالث، من عصر الدولة الحديثة.
وقال الدكتور زاهى حواس، فى بيان، أمس، إن العمل فى هذه المنطقة بدأ للبحث عن المعبد الجنائزى الخاص بالملك توت عنخ آمون، لأنه تم العثور فيها على معبدى «حورمحب» و«آى» من قبل، ما أدى لاكتشاف المدينة التى استمر استخدامها من قبل الملك توت عنخ آمون، أى منذ نحو ٣ آلاف عام، وكانت تسمى «صعود آتون»، وذلك فى المنطقة الواقعة بين معبد رمسيس الثالث فى مدينة هابو ومعبد أمنحتب الثالث فى ممنون.
وأوضح أن البعثة عثرت، خلال التنقيب عن المعبد، على أكبر مدينة على الإطلاق فى مصر، والتى أسسها أحد أعظم حكام مصر، وهو الملك «أمنحتب الثالث»، الملك التاسع من الأسرة الـ١٨، الذى حكم مصر من عام ١٣٩١ وحتى ١٣٥٣ قبل الميلاد، وشاركه ابنه ووريث عرشه المستقبلى الملك أمنحتب الرابع «أخناتون» فى آخر ٨ سنوات من عهده.
وأشار «حواس» إلى أن المدينة المكتشفة تعد أكبر مستوطنة إدارية وصناعية فى عصر الإمبراطورية المصرية على الضفة الغربية للأقصر، حيث عثر بها على منازل يصل ارتفاع بعض جدرانها إلى نحو ٣ أمتار، ومقسمة إلى شوارع.
وقال: «لقد كشفنا عن جزء من المدينة يمتد غربًا، وأعمال التنقيب تتيح الوصول لطبقة النشاط الأصلية للمدينة، حيث تم كشف النقاب عن معلومات ستغير التاريخ وتعطينا نظرة ثاقبة فريدة عن عائلة توت عنخ آمون، وفهمًا أعمق للحياة اليومية للمصريين القدماء من حيث أسلوب بناء وديكورات المنازل والأدوات التى استخدموها وكيفية تنظيم العمل».
ولفت «حواس» إلى أنه تم الكشف عن ثلث المنطقة فقط حتى الآن، مؤكدًا أن البعثة الأثرية ستواصل أعمال التنقيب، خاصة فى المنطقة التى تم تحديدها على أنها الموقع المحتمل لمعبد توت عنخ آمون الجنائزى.
وتابع: «أعمال التنقيب بدأت فى سبتمبر ٢٠٢٠، وفى غضون أسابيع، بدأت تشكيلات من الطوب اللبن بالظهور فى جميع الاتجاهات، وكانت دهشة البعثة الكبيرة حينما اكتشفت أن الموقع هو مدينة كبيرة فى حالة جيدة من الحفظ، بجدران شبه مكتملة، وغرف مليئة بأدوات الحياة اليومية، وقد بقيت الطبقات الأثرية على حالها منذ آلاف السنين، وتركها السكان القدماء، كما لو كانت بالأمس».
وعما تم العثور عليه بالمدينة المفقودة، قال «حواس»: «الهدف الأول للبعثة كان تحديد تاريخ هذه المدينة، وتم العثور على نقوش هيروغليفية على أغطية خزفية لأوانى النبيذ، وتخبرنا المراجع التاريخية أن المدينة كانت تتألف من ثلاثة قصور ملكية للملك أمنحتب الثالث، بالإضافة إلى المركز الإدارى والصناعى للإمبراطورية».
ولفت إلى أن عددًا كبيرًا من الاكتشافات الأثرية أكد تاريخ المدينة، مثل الخواتم والجعارين والأوانى الفخارية الملونة والطوب اللبن الذى يحمل أختام خرطوش الملك أمنحتب الثالث، وبعد سبعة أشهر فقط من التنقيب، تم الكشف عن عدة مناطق أو أحياء بتلك المدينة.
وأوضح أن البعثة عثرت فى الجزء الجنوبى على المخبز ومنطقة الطهى وأماكن إعداد الطعام كاملة مع الأفران وأوانى التخزين الفخارية، والذى كان يخدم عددًا كبيرًا من العمال والموظفين.
كما أوضح «حواس» أن المنطقة الثانية، التى تم الكشف عنها جزئيًا، تمثل الحى الإدارى والسكنى وتضم وحدات أكبر ذات تنظيم جيد، مضيفًا: «هذه المنطقة مسيجة بجدار متعرج، مع نقطة دخول واحدة فقط تؤدى إلى ممرات داخلية ومناطق سكنية، وهذا المدخل الوحيد يجعلنا نعتقد أنه كان نوعًا من الأمن، حيث القدرة على التحكم فى الدخول والخروج إلى المناطق المغلقة».
ولفت إلى أن الجدران المتعرجة تعتبر من العناصر المعمارية النادرة فى العمارة المصرية القديمة، وقد استخدمت بشكل أساسى فى نهاية الأسرة الثامنة عشرة.
وأضاف: «أما المنطقة الثالثة التى تم اكتشافها فهى ورشة العمل، وتضم بإحدى جهاتها منطقة إنتاج الطوب اللبن المستخدم لبناء المعابد والملحقات، ويحتوى الطوب على أختام تحمل خرطوش الملك أمنحتب الثالث (نب ماعت رع)».
وأشار «حواس» إلى أنه تم اكتشاف عدد كبير من قوالب الصب الخاصة بإنتاج التمائم والعناصر الزخرفية الدقيقة، منوهًا إلى أن هذا يعد دليلًا آخر على النشاط الواسع فى المدينة لإنتاج زخارف كل من المعابد والمقابر.
وتابع: «البعثة فى جميع أنحاء مناطق الحفائر عثرت على العديد من الأدوات المستخدمة فى النشاط الصناعى، مثل أعمال الغزل والنسيج، كما تم اكتشاف ركام المعادن والزجاج، لكن المنطقة الرئيسية لمثل هذا النشاط لم يتم اكتشافها بعد».
واستطرد: «تم العثور على دفنتين غير مألوفتين لبقرة أو ثور داخل إحدى الغرف، وما زال البحث جاريًا لتحديد طبيعة والغرض من هذه الدفنات، كما تم العثور على دفنة رائعة لشخص ما بذراعيه ممدودتين إلى جانبه، وبقايا حبل ملفوف حول ركبتيه، ويعد موقع ووضع هذا الهيكل العظمى غريبًا نوعًا ما، وهناك المزيد من البحث حول هذا الأمر».
وأكمل: «تم العثور على إناء يحتوى على جالونين من اللحم المجفف أو المسلوق، حوالى ١٠ كيلوجرامات، ويحمل نقوشًا قيمة يمكن قراءتها: «السنة ٣٧، لحوم مسلوقة لعيد حب سد الثالث من جزارة حظيرة (خع) التى صنعها الجزار إيوى».
وأكد «حواس» أن هذه المعلومات القيمة لا تعطينا فقط اسمى شخصين كانا يعيشان ويعملان فى المدينة، بل تؤكد أن المدينة كانت نشطة، وتحدد زمن مشاركة الملك أمنحتب الثالث مع ابنه أخناتون.
وذكر أن البعثة عثرت أيضًا على نص منقوش على طبعة ختم يقرأ «جم با آتون»، أى مقاطعة آتون الساطع، وهذا اسم معبد بناه الملك أخناتون بالكرنك، كما تم الكشف عن مقبرة كبيرة لم يتم تحديد مداها بعد، وكذلك مجموعة من المقابر المنحوتة فى الصخور بأحجام مختلفة، والتى يمكن الوصول إليها من خلال سلالم منحوتة فى الصخر.
وختم بقوله: «العمل ما زال جاريًا، وتتوقع البعثة الكشف عن مقابر لم تمسسها يد مليئة بالكنوز».