رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«حوار وراء الأسوار»... أسباب صدام مهندس الصحافة مع الناصريين

الراحل الكبير جلال
الراحل الكبير جلال الدين الحمامصي

لعبت كتابات الراحل الكبير جلال الدين الحمامصي دورًا بارزًا فى التمهيد لثورة يوليو 1952، وقصة «الكتاب الأسود» كانت أبرز مثال وخير دليل عندما اشترك في إصداره مع السياسي الراحل مكرم عبيد، لكن فى أعقاب نجاح الحركة المباركة جاءت رياح قادة الثورة بما لا تشتهى نفس جلال، فصارت سفينته وسط أنواء عاتية لم تترك لها فرصة الإبحار بسهولة، ولا حتى حرية الرسو على شاطئ الأمان.

الابن كامل جلال الدين الحمامصي تحدث في أحد حواراته الصحفية كيف كانت علاقة والده مع شطري الثورة ورمزيها البارزين جمال عبدالناصر وأنور السادات: «علاقة والدي بتنظيم الضباط الأحرار بدأت مبكرًا، فقد تعرف إلى الرئيس السادات فى معتقل الزيتون، عقب حبسه فى قضية (الكتاب الأسود)، واقترب كل منهما من الآخر بصورة كبيرة، وفى أعقاب خروجهما من السجن ظل السادات يتردد على بيتنا بالزيارة بشكل شبه أسبوعي»، ولم تكن علاقة الصداقة قد جمعت بينه وبين «السادات» وحده دون غيره، لكنها كذلك امتدت لتشمل أيضًا خالد محيى الدين.

فى أعقاب الثورة أنزل «عبدالناصر» جلال الحمامصى فى مكانة خاصة، فاختاره بصحبة أحمد حسين للسفر إلى الولايات المتحدة، لبحث تحسين مستوى العلاقات المصرية الأمريكية، وبعدها بفترة طلب منه الإشراف على مؤسسة «دار التحرير»، قائلًا: «جريدة الجمهورية بتغرق.. والرخصة باسمي.. عايزك تروح تقومها».

أضاف «كامل»: «للعلم يوجد كثيرون رفضوا قبول تلك المهمة، وعلى رأسهم الكاتب محمد حسنين هيكل، وأذكر أنه فى منزلنا كان يوجد تليفون خاص غير مسموح لأحد منا، أنا أو إخوتي، بالرد عليه، فقد كان يتواصل من خلاله عبدالناصر مع أبى.

لأنه إذا الأشياء اكتملت لا بدّ من نقصانها، لم تدم تلك الحالة من الود بينهما، فقد بدأت ملامح الصدام بين الطرفين مبكرًا، وتحديدًا منذ مؤتمر «باندونج» فى إندونيسيا، فوقتها حدث بينهما خلاف مبكر حول فكرة تأميم القناة، وتحديدًا حول التوقيت والكيفية، خاصة أن «جلال» كان متأكدًا أن الموضوع سيتسبب فى حدوث آثار جانبية لمصر.

لكن الخلاف الجوهرى الذى كان سببًا فى أن يقول له «جلال» هذا فراق بينى وبينك، كان قضية تأميم الصحافة وفرض الحراسات، بجانب الانقضاض على الديمقراطية، فقد «كان أبى ضد تلك الخطوات من الألف إلى الياء»، وتابع «للعلم قرار تأميم الصحافة كان قد اتخذه عبدالناصر مبكرًا، لكن وسط معافرة من والدى وآخرين تأخر التنفيذ قليلًا.

وأوضح: «فى نفس التوقيت بدأ والدى فى كتابة سلسلة من المقالات الملتهبة، أشعلت فتيل الغضب فى نفس جمال، إلى أن وصل لمحطة مقاله (قضية رغيف العيش)، وفيه قدم بقلمه نقدًا حاسمًا لبعض المزاعم التى حاولت إقناع عبدالناصر بأن الزيادة السكانية تصب فى صالح قضية التنمية بالإيجاب.

وقتها وسوس البعض فى أذن الرئيس باتخاذ موقف من جلال وكتاباته، فتم فصله من عمله دون علمه، وحدث أنه أثناء ذهابه إلى مقر «أخبار اليوم» وجد ورقة معلقة مكتوبًا عليها قرار الفصل، فعاد من حيث أتى دون سؤال ولا استفسار.

يقول الابن: «من بعدها قضينا سنوات صعبة، لم يطرق باب بيتنا حينها صديق أو قريب، لدرجة جعلتنا نشعر بأننا نعيش فى جزيرة منعزلة، لكن قمة الإثارة فى العلاقة بينهما وصلت لسدرة المنتهى من الإثارة فى أعقاب رحيل عبدالناصر بسنوات، وذلك عندما أصدر والدى كتابه حوار وراء الأسوار.

يضيف: «الكتاب كان سببًا فى توجيه الناصريين نيران مدفعيتهم تجاهه، من يومها إلى الآن، بدءًا بتنظيم عدد من المظاهرات إلى مقر دار (أخبار اليوم)، ووصلت لمنعه من دخول الجامعة.

وقصة هذا الكتاب بدأت من عند مقال كتبه الدكتور جمال العطيفى، الذى كان يعمل حينها مستشارًا قانونيًا فى جريدة «الأهرام»، وترأس وزارة الإعلام فيما بعد، متسائلًا عن قرار جمهورى لم ينشر فى الجريدة الرسمية، مستنكرًا وقوع ذلك الأمر.

هذا المقال تسبب فى سجنه وقتها، فقام «جلال» بتتبع القصة واكتشف أن الحكاية تدور حول مجموعة من الشيكات والأموال تبرع بها ملك السعودية لمصر، لكنها لم تصرف فى مسارها الصحيح، وباختصار سطور الكتاب كانت تتساءل دون أن تطعن فى ذمة «عبدالناصر» المالية.

ويضيف: «بمجرد نشر الكتاب قامت الدنيا فى مصر ولم تقعد، لكن قبل صدوره بيوم واحد كتب مصطفى أمين مقالة تعريفية عنه، فى ليلتها وجدنا مجموعة من رجال البوليس تطرق بيتنا، وتطلب نسخة للرئيس السادات لأجل الاطلاع عليها، وكان أبى قد جهز نسخة مجلدة لإهدائه إياها، لكنهم لم يصبروا لحين تجهيزها، وأخذوا نسخة أخرى».

كتب جلال الحمامصى إهداء الكتاب قائلًا: «إلى الضابط الأسمر زميل المعتقل»، قاصدًا السادات، وقتها كان الرئيس الراحل فى استراحة القناطر، فقضى ليلته ولم ينم إلا بعد أن انتهى من قراءته كاملًا، وصدر الكتاب فى اليوم الثانى دون أى ممانعة من جانبه.