رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى رحيل سفير الفن القبطى فى العالم


فى يوم الجمعة ١٩مارس ٢٠٢١ رحل عن عالمنا- بحزن شديد- فنان الأيقونة القبطية العالمى عادل نصيف بعد إصابته بفيروس كورونا المُستجد. ففى العديد من دول العالم ترك عادل نصيف، بصمة لا مثيل لها فى رسم فن الأيقونة، فأصبح بحق سفير الفن القبطى فى العالم الذى أثرى الفن القبطى بتاريخ حافل من الإبداع والتميز فى فن الأيقونة القبطية.

وُلد عادل فى ٢٠ أكتوبر ١٩٦٢ فى قرية «أبوحنا» بمحافظة البحيرة، وحصل على بكالوريوس كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية قسم التصوير بتقدير عام جيد جدًا مع مرتبة الشرف عام ١٩٨٥، كما حصل على دراسة حُرة للفن القبطى والأيقونة بمعهد الدراسات القبطية بالقاهرة، وأصبح عضوًا بجمعية فنانى الموزاييك الدولية «AIMC» رافنا- إيطاليا.

كان يعيش بالإسكندرية ومتفرغًا للفن ويعمل رسامًا حرًا منذ تخرجه، وحصل على العديد من الجوائز وشهادات التقدير. وفى عام ٢٠١٢ أدرجت وزارة الثقافة الفرنسية أعماله من الموزاييك والأيقونات القبطية والفريسك، كتراث ثقافى مميز يستحق الزيارة السياحية، بكنيسة الملاك ميخائيل بـ«فيلجويف»- باريس. كما حصل الفنان عادل نصيف على درع مركز الإبداع بالإسكندرية عام ٢٠٠٣، ودرع المهرجان الثقافى الأول بهولندا عام ٢٠١٤، وكُرّم بدرع جامعة الإسكندرية على مجمل أعماله فى معرض جيل الثمانينيات عام ٢٠١٤، ودرع التمييز والإبداع من موقع «المواطنة نيوز»، تقديرًا لدوره المتميز فى الحفاظ على الهوية القبطية فى مصر والعالم ٢٠١٨. ويُعد الفنان عادل نصيف أحد أبرز المتميزين فى تنفيذ الأعمال الجدارية الكبيرة بالموزاييك والفريسك وتصميم أغلفة الكتب والمطبوعات، وكُتب عن أعماله العديد من المقالات بالمجلات والجرائد بمصر وهولندا وأمريكا، وله مشاركات بالبرامج التليفزيونية. فى عام ٢٠١٧ اختير لتحكيم المسابقة العالمية لفن الأيقونة الأرثوذكسية بمشاركة ١٨ دولة و٧٠ فنانًا بأثينا فى اليونان، وقدم العديد من الجداريات لهروب العائلة المقدسة لمصر بالزقازيق وبمرسى مطروح وبالخارج «بباريس وبنيويورك وبكندا بمنطقة ميسيساجا وبأمستردام- هولندا»، وأيضًا بالأيقونات لتقديم واجهة مصر وحضارتها، من خلال هذا الموضوع المتميز لمصر، وله العديد من الأعمال داخل مصر وخارجها.

كان الفنان المبدع عادل نصيف، يؤكد أن الفن القبطى هو فن شعبى، أنتجه الشعب بعيدًا عن النواحى الإدارية، لذلك يتميز بالبساطة وقوة التعبير، يحاور المصلى بملامح جذابة وبسيطة ويُعّلمه الطقس والعقيدة والرمزية، وأهم شىء على الإطلاق أنه فن التعبير عن الروح. وقال فى تصريحات سابقة: «كل ما نرسمه يمثل الكنيسة المنتصرة القديسين، المتحررة من الجسد، ولذلك فهى تترك نورًا على الأرض وليس ظلًا»، وباختصار «هو فن البُعد عن الواقع، لأن الواقع مادى ولم يتحرر من مادته، وليس كما الفن الغربى يجسد الموضوع كمشهد مسرحى واقعى مادى لا يركز على الروحانية فى فنوننا المسيحية». وأكد الفنان عادل نصيف: ليست البساطة تشويهًا أو قبحًا، لأننا نرسم شخصيات ممجدة نتشفع بها، تعبر عن روح الفرح والغلبة والانتصار، التى أثبتت أن الأيقونة القبطية فيها ملامح ترتبط بالأرض والمكان والموروث الحضارى، وتكون مفرحة، حتى فى صور الاستشهاد لا تمثل مشاهد دموية، وتبعد تمامًا عن العنف لأنها تدعو المصلى إلى الأمل والرجاء. وتابع: «حتى فى تصوير السيد المسيح وهو على عود الصليب تكون عيناه مفتوحتين، فعلى الرغم من أن الكنيسة القبطية هى كنيسة شهداء، وعانت من آلام وعذابات كثيرة، فإن شخصية المسيحى شخصية روحية تميل إلى الفرح فى الله والتمسك به، لذا ينعكس هذا الفكر فى الفن المسيحى، وينفذ فيها الرسم بالمواجهة وليس بالجنب، ويتم الاهتمام بالهالة الروحانية التى دائمًا ما تكون دائرية، ولا تمثل فيها إلا شخصيات مقدسة بالنسبة لفكر الفن المسيحى، ويتميز التجسيد فيها بالبساطة والاختزال والاختصار فى الألوان».

التعبير الفنى فى الأيقونة القبطية مرتبط بتجسيد البيئة النابع منها، فكان الفنان المسيحى يمثل موضوعًا روحيًا من وجهة نظر مصرية، وموضوعات لم يتناولها فنانون فى كنائس أخرى.

الكنيسة القبطية رغم الصعوبات التى مرت بها، فإنها كانت سباقة فى تفسير الموضوعات اللاهوتية وتقديمها فى إطار فنى للمصلى. وتؤكد فرشاة عادل نصيف، أن الفن القبطى يتميز بأنه فن شعبى، يمارسه الشعب بعيدًا عن الإدارة وبأموال بسيطة، دون دعم منها، ولذلك تميز بالبساطة والزهد فى التكاليف، والمسيحيون لم يمارسوا سلطة سياسية طوال تاريخهم، والفن المسيحى لا يبالى بقواعد الواقعية والمنظور، بل إنه يرسم روح الشخصية ويبتعد تمامًا عن الواقعية، وتحتفظ الأيقونة القبطية بالحجم الأكبر فى النسب للشخصية الأساسية، مثل السيد المسيح والقديسين وباقى الشخصيات أصغر حجمًا، وهذا امتداد للفن المصرى. ويجسد عادل نصيف كل ملامح الأيقونة فى رسومه لها، حيث ترسم الأيقونة على بعدين هما الطول والعرض، ولا يهتم بالمنظور مثل الفنان المصرى القديم. كان عادل أحد أشهر الفنانين المتخصصين فى أيقونة الفن القبطى ويعد أول مصرى على مستوى دول الشرق الأوسط الذى يحصد بسابقة أعماله الفنية، فرصة ترجمة كتاب له عن فن الأيقونة باللغتين الإنجليزية والفرنسية.

بدأت مسيرته الفنية مبكرًا بعد تخرجه فى كلية الفنون الجميلة، وانطلق بعدها إلى أوروبا وتحديدًا هولندا بمدينة أمستردام، حيث قام باستكمال وتركيب أعمال وأيقونات فنية بمساحات كبيرة احتلت ٧ كنائس أرثوذكسية، ولاقت أعماله الفنية إعجاب الشعب القبطى والمهجر، خاصة أن الأعمال بها تميز واضح، وحافظ فيها الفنان على الروح المصرية بعيدًا عن التغريب الذى رفضه بشدة وأكد هوية الفن القبطى، ولذلك أطلق عليها لقب «الفنان حارس الهوية»، ومن هنا- ولأنه فنان قبطى أصيل- رفض التغريب الذى حدث فى أيقونات الكاتدرائية المرقسية بالعباسية وبكنيسة العاصمة الإدارية الجديدة، حيث إن الأيقونات التى تم رسمها بهما قد خرجت تمامًا عن الفن القبطى الأصيل، وكم عبر لى عن حزنه الشديد لما حدث بهما.

ورشح المركز الثقافى المصرى اليونانى بأثينا الفنان عادل نصيف كممثل لمصر فى المعرض الدولى بأثينا، الذى أقيم بجاليرى «ميلينيا مركورى»، وضم فنانين من خمس دول هى: روسيا وأرمينيا وبلغاريا وقبرص ومصر تحت رعاية منظمة اليونسكو، وكان يشارك الفنان بأيقونة مساحتها ١٢٠ فى ٦٥ تمثل العائلة المقدسة.

عادل نصيف هو حارس هوية الفن القبطى. من أقواله: «كى تكون مبدعًا.. لا بد أن تكون قادرًا على الاختيار ورفض ما يتعارض مع رؤيتك».

رحل عنا الفنان عادل نصيف الأمين فى فنه، والمُعطى بسخاء فى خدمته الكنيسة، وكم كان يحمل بداخله حزنًا على ما يحدث فى فن الأيقونة القبطية الذى بدأ ينهار ولم يبرز خصائص الفن الأصيل. عانى الفنان عادل نصيف من محاربات الكثيرين له، لكنه ترك لنا تراثًا رائعًا بالفن القبطى الأصيل.