رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المجلة: الجنزورى رجل لكل العصور!


يعتبر الدكتور كمال الجنزوري، 79 عاما، أحد أبرز الرموز السياسة المصرية المعاصرة، شهد ستة أنظمة، منذ العصر الملكي إلى عصر الجمهورية الأولى، بداية من الرؤساء: محمد نجيب، جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، وأخيرا الرئيس الحالي محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب في الجمهورية الثانية.

أدى الدكتور كمال الجنزوري أدوارا عدة على فترات متقاطعة في خدمة مصر، طوال مدة عمله الذي امتدت نحو نصف قرن، وحرص من خلاله على تقديم رؤيته الخاصة لأحوال بلاده في مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية. ونجح الجنزوري بأدائه الهادئ المتزن في كسب عطف الشعب المصري وثقة عدة زعماء وأنظمة، وعرف بانحيازه للفقراء ومحدودي الدخل في مصر، وسعت حكومته إلى تحسين أجور العاملين في الدولة.

ولد كمال الجنزوري في 12 يناير (كانون الثاني) 1933 في قرية جروان ـ مركز الباجور ـ محافظة المنوفية في عهد الملك فؤاد الأول، وعاش طفولته وطرفاً من شبابه الاول في عهد الملك فاروق الأول. والجنزوري متزوج وأب لثلاث بنات، اثنتان منهما خريجتا كلية الهندسة، والأخرى خريجة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وكان لاعبا لكرة القدم منذ كان طالبا في المرحلة الثانوية، ثم الجامعة، حاصل على دكتوراه في الاقتصاد من جامعة ميتشغان الأميركية.

الجنزوري بين عهدين

عاصر كمال الجنزوري أربعة رؤساء وعمل مع اثنين منهم في الجمهورية الأولى هما أنور السادات وحسني مبارك، قبل أن يكلّف برئاسة حكومة تصريف الأعمال في الجمهورية الثانية، بقيادة مرشح الاخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة محمد مرسي.

عينه الرئيس الراحل أنور السادات محافظا لمدينتي الوادي الجديد وبني سويف عامي 1976 و1977 على التوالي، وسرعان ما تبوأ مناصب مهمة طيلة 17 عاما من عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك، بدأت بمناصب وزارية حيث شغل وزارة التخطيط عام 1982، ثم عيّن نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للتخطيط والتعاون الدولي عام 1986، قبل ان يصبح رئيسا للوزراء من 4 يناير 1996.

لكنه أقيل في 5 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1999 لأسباب غير معلنة، وتولى الحكومة بعده عاطف عبيد المسجون حاليا على ذمة التحقيق في قضايا فساد، واعتزل الجنزوري العمل السياسي بعد خروجه من رئاسة الوزراء، وغاب عن الأنظار لأكثر من 12 عاما، واعتبر محللون أن الجنزوري خرج من المشهد السياسي في وقت رآه كثيرون مبكرا، ودون تقدير أو صخب، مما جعل الاعتقاد السائد أنه اختلف مع النظام. ومن خلال لقاء تلفزيوني في فبراير (شباط) 2011 عقب ثورة 25 يناير، أكد الجنزوري لأول مرة أنّ نظام مبارك اضطره للابتعاد عن الحياة السياسية، وضيّق عليه وحاصره إعلاميا بعد مغادرته الوزارة.

وكشف عضو سابق بالحزب “الوطني” المنحل ان كمال الجنزوري خضع لإقامة جبرية في عهد مبارك في منزله بشارع الحرية بمصر الجديدة، تحت مراقبة قوة حراسة تتألف من 12 فردا يرتدون ملابس مدنية، حول منزله طوال الـ 24 ساعة.

وأضاف أن الجنزوري كان ممنوعا من الظهور في وسائل الإعلام، أو الإدلاء بأي تصريحات للصحافيين، وكان لا يستطيع مقابلة أصدقائه أو الخروج من منزله إلا للتنزه، أو التوجه إلى الطبيب أو زيارة بناته، بعد طلب مسبق والإذن له بالخروج.

عهد مبارك

بدأ الجنزوري في عهد مبارك جملة من المشروعات العملاقة بهدف تسيير عجلة الإنتاج والزراعة، والتوسع بعيداً عن مناطق وادي النيل المزدحمة، من ضمنها مشروع مفيض توشكي الذي يقع في أقصي جنوب مصر، وشرق العوينات، وتوصيل المياه إلى سيناء عبر ترعة السلام، ومشروع غرب خليج السويس، بالإضافة إلى الخط الثاني لمترو الأنفاق بين شبرا الخيمة (بالقليوبية) والمنيب (بالجيزة) مرورا بمحافظة القاهرة للحد من الازدحام المروري بمحافظات القاهرة الكبرى.

كما أقر مجموعة من القوانين والخطوات الجريئة من بينها قانون الاستئجار الجديد محدود المدة، كما ساهم في تحسين علاقة مصر بصندوق النقد الدولي وكذلك بالبنك الدولي. كما شهد عصره تعثر بنك الاعتماد والتجارة، وتدخلت الحكومة لحل الأزمة وضم البنك إلى بنك مصر. وأشرف الجنزوري على عملية خصخصة واسعة بإشراف مؤسسات مالية دولية بينها صندوق النقد الدولي، واستُدعي في أكتوبر 2011 للإدلاء بشهادته في قضية الخصخصة التي أشرف عليها.

وينسب الى كمال الجنزوري فكرة الخطة العشرينية التي بدأت في 1983 وانتهت عام 2003، تجاوزت بها مصر خلال ثلاث خطط خمسية مرحلة الانهيار، ودخلت في منتصف الثالثة مرحلة الانطلاق. لُقب بوزير الفقراء والوزير المعارض لما ظهر منه في وقت رئاسته الوزراء، وعمله الذي اختص برعاية محدودي الدخل.

المجلس العسكري

رشح المجلس العسكري الحاكم آنذاك برئاسة المشير طنطاوي الجنزوري لرئاسة الوزراء، وكلّفه تشكيل حكومة انقاذ وطني، بكافة الصلاحيات، منذ يوم 25 نوفمير (تشرين الثاني) من العام الماضي، جراء مليونية “جمعة الفرصة الأخيرة” التي استقالت بعدها حكومة عصام شرف.

وكان من أهم أولويات حكومة الجنزوري الإشراف على الانتخابات البرلمانية، التي نظمت على عدة مراحل لانتخاب أعضاء مجلسي الشعب والشورى. كما رأى مراقبون أن خبرته الاقتصادية كانت من أهم اسباب استعانة المجلس العسكري به، والتي ساهمت بالفعل في إيجاد حلول عاجلة لمشكلات الاقتصاد المصري. ويعتقد خبراء أنه حقق نجاحا كبيرا في توثيق التعاون بين مصر وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في فترة كانت عصيبة بالنسبة للاقتصاد المصري الذي عانى مشكلات من أهمها تراجع عائدت السياحة بسبب موجة العنف المسلح.

لكن بالنسبة لنشطاء ميدان التحرير وساحات الاحتجاج، فإن الجنزوري يعد رمزا من رموز نظام مبارك على مدى 17عاما، لذا أثار اختيار الجنزوري من التباين في الآراء حوله، أكثر مما أثار من التوافق، وكان السؤال الرئيس عن مدى مناسبته للمرحلة وقدرته على إرضاء القوى الشابة، التي جعلت من نفسها من خلال العمل المباشر في ميدان التحرير، الأكثر تأثيرا في الأحداث.

وقالت قوى شبابية من ميدان التحرير إن “الجنزوري ليس ضحية لنظام مبارك، كما يقدم نفسه، لأنه مسؤول عن المشروعات الكبرى الفاشلة خلال السنوات الأربع، التي تولى فيها رئاسة الحكومة من 1996 وحتى 1999، فضلا عن إهداره أراضي الدولة بتوزيعها على رجال الأعمال، الأمر الذي جسد انتهاكا صارخا للدستور”.

وشدد نشطاء على أن الجنزوري يواجه استحقاقات أهمها تحديد موقفه من الفساد، وتقديم رجال الأعمال الفاسدين للمحاكمة، واسترداد أموال الشعب المنهوبة، علاوة على تحقيق عدالة اجتماعية بإقرار الحدين الأدنى والأقصى للأجور، وإلا فستستمر القلاقل الشعبية في عهده.

وكانت تقارير صادرة عن المركز المصري للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، اتهمت الجنزوري بالمسؤولية عن قضايا فساد شهدتها عمليات خصخصة وبيع لعدد من الشركات والأصول الإنتاجية وأراضي الدولة، خلال رئاسته السابقة لمجلس الوزراء.

ومجرد أن ترددت أنباء عن تشكيل الدكتور كمال الجنزوري للحكومة، تعامل معها المتظاهرون ـ الموجودون بميدان التحرير حينها استعدادا لمليونية الفرصة الأخيرة بعد أحداث محمد محمود ـ بسخرية نظرا لتقدم سن الجنزوري. وشهدت حكومة الجنزوري منذ الساعات الأولى من توليها المسؤولية عدة أحداث مؤسفة. ففي صباح اليوم التالي من تكليف الحكومة، تم دهس المواطن أحمد سرور، 19 عاما، بإحدى سيارات الشرطة الثقيلة، في محاولة لفض الاعتصام الموجود أمام مبنى مجلس الوزراء، وبعدها بأقل من ثلاثة أسابيع، وقعت أحداث مجلس الوزراء التي راح ضحيتها 16 شخصا، وأنكر الجنزوري استخدام الأمن للعنف. ووقعت في الأول من فبراير من العام الجاري مذبحة استاد بورسعيد، التي راح ضحيتها ما يزيد عن 74 شخصا وعشرات المصابين، بعد اعتداء مسلحين بالأسلحة البيضاء على مشجعى النادي الأهلي في مباراته امام النادي المصري البورسعيدي في غياب الأمن وفق تحقيقات لاحقة للنائب العام.

مرسي والجنزوري

بعد تسلّمه السلطة من المجلس العسكري كلف الرئيس المنتخب محمد مرسي، كمال الجنزوري رئيس الوزراء وحكومته الاستمرار في مهامهما لتسيير الأعمال لحين الانتهاء من تشكيل حكومة جديدة، من دون أن يحدد المدة الباقية في عمل الحكومة.

وأفادت تقارير صحافية، تأكيد رئاسة الجمهورية أن “حكومة الدكتور كمال الجنزوري ستستمر في عملها خلال شهر رمضان الجاري، وأنه حتى بعد الإعلان عن اسم رئيس الوزراء الجديد، ستستمر حكومة الجنزوري في تسيير الأعمال لحين الانتهاء من تشكيل الحكومة بالكامل، وحلفها لليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية”.

وكان مرسي عقد اجتماعا مع حكومة تسيير الأعمال، حيث عرض الجنزوري على الرئيس تقريرا مفصلا حول المشكلات والقضايا التي قامت الحكومة بحلها منذ توليها المسؤولية وحتى الآن، فضلا عن المشكلات التي لم يتم حلها بعد، وتم وضع برامج زمنية وتمويلية محددة بشأنها، وناقش مرسي والجنزوري التقارير التي قدمتها الحكومة حول تنفيذ برنامج المائة يوم الأولى من الفترة الرئاسية، والذي يتضمن قضايا الخبز والمرور والأمن والنظافة والوقود.

وقال مراقبون “لوحظ ارتسام البسمة على وجوه الوزراء الذين غادروا الاجتماع، وأخذ بعضهم يتبادل الضحكات على أبواب قصر “الاتحادية”، مما أعطى انطباعا لدى الحاضرين بأن الحكومة مستمرة في أداء عملها، رغم حديث مؤسسة الرئاسة اليومي عن عقد مشاورات لتشكيل حكومة جديدة”.

واستنكر ناشطون ليبراليون تكليف الدكتور محمد مرسي حكومة الجنزوري باستكمال عملها لتنفيذ مشروع الـ100 يوم، مؤكدا أنه من الغريب أن تظل حكومة الجنزوري على مقاعدها في عهد الرئيس محمد مرسي الرئيس السابق لحزب الحرية والعدالة، في حين أن محاولات إقالتها المستمرة عطلت مسيرة البرلمان المصري بقيادة أغلبية حزبه.

وقال قيادي في حزب “المصريون الأحرار” عبر حسابه الشخصي على “تويتر” إن مناقشة برنامج الـ100 يوم مع رئيس حكومة اقترب من الـ100 سنة، وهي وأد للبرنامج قبل بدايته، مشيرا إلى أن انعزال الإخوان عن الوسط السياسي وتقوقعهم على أنفسهم، واستحواذهم على المكاسب السياسية، وقفت عائقا أمامهم في تشكيل حكومة تمثل المجتمع المصري، حتى وإن كانت من التكنوقراط وغير سياسية.

• المصدر:

• http://www.majalla.com/arb/2012/07/article55237331