رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أن نثق بما نراه.. كيف غيرت الفوتوغرافيا صورتنا عن أنفسنا (الأمومة)


معظمنا يملك في طفولته صورة له مع والدته لا تظهر فيها بوجهها ربما تسنده بيديها أو يظهر جزء من جسدها لكنها أبدا لا تظهر كاملة ، تسألت لما يكون هذا الشكل هو نمط التصوير الشائع ؟ في الواقع هو مأخوذ من نمط تصوير كان شائعا في العصر الفيكتوري يطلق عليه الأم الخفية حيث يًصورالأطفال الصغار في وجود والدتهم ولكن دون ظهورها في الصورة وكان ذلك بسبب الحاجة لإبقاء الأطفال ساكنين أثناء التقاط الصورة بسبب فترات التعريض الطويلة للكاميرات المبكرة.



Hidden mother photography

طوال عقود لم ينظر للأمومة كموضوع فني ، اعتبر الكثيرين الأم مرادف للنعومة والخصوبة والميلاد ، قد يكون إنجاب الأطفال من أكثر الظواهر انتشارا ، ومع ذلك نادرًا ما يتم تمثيلها بعمق ، اليوم نتحدث عن الأمومة وتعقيداتها ، وكيف أن كونك أماً هو جزئيًا محو للشخص الذي كنت عليه قبل الولادة، كونك أما هو مشروع ممتد لا ينتهي.
سعي المصورون لدراسةالتفسيرات المعاصرة لواحد من أكثر الموضوعات أهمية في تاريخ التصوير(شخصية الأم) ،وتحدى الآراء النمطية و العاطفية عن الأمومة، وعرض لقطات مختلفة تناقش الأمومة من حيث مشاعر الأم، علاقتها بجسدها والروابط التي تنشأ بينها وبين أبنائها ونظرة الأبناء لها.
نظمت المنسقة المستقلة سوزان برايت، عرض جماعي بعنوان (حقائق منزلية: التصوير الفوتوغرافي والأمومة) يضم فنانين ومصورين يبحثون في مفهوم شخصية الأم، بعيدا عن الصور النمطية عن الأمومة وأساطير الأم المثالية التي تنتشر بسهولة في وسائل الإعلام. إن الأمومة لا تختزل في تعريف واحد، لا يمكن لأم من لحم ودم أن تبقى مثالية طوال الوقت.توقعات ومتطلبات الأمومة في تدفق مستمر.. كفاح للحصول على معنى جديد في عالم متغير، دوما تنمو تساؤلات ومخاوف تختلط بالفرحة والروابط الناشئة.
عبرتجانين أنطوني (Janine Antoni). عن هذه التحولات في هوية الأم، في صورتها سكن (Inhabit)، الفنانة معلقة في وسط غرفة نوم ابنتها الصغيرة فيما يشبه الحلم، وساقيها لا تلامس الأرض "ترتدي" بيت الدمية مثل التنورة، داخل هذا المبنى المصغر، يلفها العنكبوت حول شبكته، الفنانة نفسها عالقة وسط شبكة واسعة النطاق، هنا أم محاصرة للمفارقة في غرفة ألعاب طفلتها، على الرغم من أن محيطها دافئ ومشرق، إلا أن نظرتها الحزينة ووضعيتها المعلقة كمسيح، تجسد الإحساس المتضارب بالوفرة والخسارة .

Inhabit, 2009” Janine Antoni

تروي ElinaBortherus بالصور، حكايتها مع نصف عقد أمضته في محاولة الحمل من خلال الإخصاب في المختبر، سلسلة من الصور الذاتية الملتقطة على مدار خمس سنوات حيث خضعت لعلاج غير ناجح لأطفال الأنابيب، وهو ما يدعو لطرح تساؤل ما هي الأمومة؟ في حالة Brotherus ، فإن الرغبة والنية في أن تصبح أماً، والتزامها بالعلاج الطبي غير الناجح في السعي لتحقيق ذلك وساعات الاضطراب والاختبارات الفاشلة، جميعها تشكل تغييرًا عميقًا في الهوية والجسد، تماما كما حدث للنساء اللائي أصبحن أمهات بنجاح. وهوما يدعو للنظر لإعادة تعريف الأمومة والاهتمام بمواضيع مثل التبني، بما تتناسب مع مفهوم الأمومة الأوسع.

From the series “Annonciation, 2009” by ElinaBrotherus



تري ، المصورة جيدري جوميز، أن الأمومة هي رحلة سحرية ومرضية في نفس الوقت. إنها تحب أن تكون أماً، لكنها تعلم أيضًا أن الأمومة ليست كلها أقواس قزح وفراشات. أرادت أن تجسد الحياة الحقيقية كأم وربة منزل بسلسلة من الصور الصادقة والصادمة، بمساعدة صديقاتها من الأمهات، صورت مشروعها لتذكير الجميع بما تبدو عليه الأمومة حقًا.

Trying To Keep Your Kids AliveNever Showering In Peace

Giedre Gomes

تصفGiedre الأمومة "أن لا تتذكر كيف يكون الشعور بالنوم طوال الليل، ومسح البراز أكثر مما كنت تعتقد أنك ستراه في حياتك، أن تفقد الخصوصية، ولا تتبول أو تستحم بسلام... تتعلم الأم كيفية القيام بكل شيء بيد واحدة أثناء حمل طفل في أخرى. الأمومة هي الاستيقاظ وثمة مؤخرة ما أو قدم في وجهك، الأم غير قادرة على الشعور بالمرض لأنها تعمل على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع بدون راتب، لكن في النهاية، أن تكون أماً يعني أن تُغمر بالحب والفرح والمسؤولية ونكران الذات تمامًا وبالكامل."
تعالج المصورة صوفي إبرارد الأمومة من جانب أخر، تعترف أنها لم تحب يوما أن تكون أما ولم تتقبل التغيرات في جسدها، تلك الفكرة في أن جسدها يتغير دون إرادتها كانت تقلقها، وصعوبة الإنتقال بين كونها بمفردها إلي أم مسئولة تبدو مرعبة، لذا تتجنب في صورها إضفاء الطابع الرومانسي على الطفولة، بل تتعمد إبراز الجانب الوحشي كما تراه، ممثلة طفلها بقبضته الخانقة عليها.

I didn’t want to be a mum, 2019 (Sophie Ebrard)
تستخدم المصورة النمساوية هانا بوتز صورًا حميمة وتتعمد إخفاء هوية عارضات الأزياء وأطفالهن، تعد صورها الرواية المقابلة للصورة المصدرة إعلاميا للمشاهير وأبنائهن، تلك الصور المعدة مسبقا الخالية من الروح ،تقدم هانا الصورة الحقيقية للأمومة، التي تفقدك ما تعرفه عن نفسك في مقابل إعادة اكتشافك من جديد.

“Untitled (Nave 2), 2012” Hanna Putz (courtesy of the artist)

نشأت سلسلة صور ليزا سورجيني "خلف الزجاج" في ظل الحظر الذب فرضه وباء الكورونا في العالم، تجربة العزل والبقاء في المنزل والإلتصاق برضيع يحتاج إلى تغذية جسمها وتهدئته وتنظيفه، تجارب ليست جديدة علي الأمهات، قديما أطلق عل الفترة التي تلي الولادة (الحجز confinement) من نفس المنطلق تري ليزا الأمومة أن تظل بكليتك مرهونا، معزولا، ملتصقا بطفل، لا تنتهي رابطة الم بالولادة فالطفل يظل ينمو ملتصقا بأمه حتي تعتقد أنه جزء منها لا ينفصل مهما مر العمر
التقطت سورجيني صورًا للأمهات من خلال نوافذ منازلهم على الساحل الأسترالي، للحفاظ على سلامة الجميع وتطبيقا للتباعد في ظل العزل، لم تقابل في الواقع العديد من الأمهات اللاتي كانت تصوّرهن.
لقد عثرت عليهن من خلال الأصدقاء وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، ولم تتواصل معهن إلا عبر الرسائل النصية أو البريد الإلكتروني لتحديد موعد، ثم بعد وصولها إلى منازلهمن، عبر الهاتف. تجولت حول ممتلكاتهن حتى وجدت نافذة يمكن من خلالها التقاط صورها .
تعمل النوافذ كحدود لتأطير الكادر، ولكن لا تخفي دلالتها كحاجز، وكما تحمي الحواجز الأمهات تحتجزهن أيضًا ، كأسماك في حوض سمك لا يمكنها الخروج فتفقد حياتها، في تناقض فوضوي ما بين مشاعر التحرر والمسئولية والإنتماء لرعاية الأطفال، مشاعر مختلطة ما بين قمة الحب وفقدان الهوية، حيث الشعور بالحصار والإرتباك والوحدة الكاملة .
تعترف ليزا أنها لم تشعر أبدًا بحب كحبها تجاه ابنيها، لكنها في نفس الوقت تتمنى قضاء بعض الوقت بمفردها؛ تحن إلى أطفالها، لكنها تشعر بالاختناق منهم.


Behind GlassLisa Sorgini

ربما ليس أجمل من تعبير المنسقة الفنية (سوزان برايت) عن الأمومة "كونك أما يعني حمل طفل عارٍ أثناء محاولته الذهاب إلى المرحاض... ندبة على شكل ابتسامة عريضة بطول البطن... سنوات من الاختبارات والحقن والجدولة المنظمة. الأمومة أن تلعب، أن تمثل أنك ميت، وتحنط نفسك كمومياء ملفوفة بورق التواليت... الأمومة جسمان عاريان، أحدهما صغير والآخر ضخم يتشابكان معا كما لو كان من المفترض أن يظلا ملتصقان للأبد".
(يتبع)