رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القضاء ينصف فتاة متفوقة على ابن مسئول تعين في وظيفة بتقدير مقبول

جريدة الدستور

إن التوجيه التاريخى الذى أصدره الرئيس عبدالفتاح السيسى لوزير العدل عن تعيين المرأة فى مجلس الدولة والنيابة العامة من أكثر القرارات التى لاقت تأثيرًا كبيرًا فى المجتمع على مدار حياة المرأة المصرية خلال قرن من الزمان، ذلك أن مبدأ المساواة بين المرأة والرجل وحقها فى تولى جميع الوظائف العامة الإدارية والسياسية والقضائية بات من الحقوق الدستورية.

إلا أنه يبقى دومًا حماية القضاء المصرى لكل هذه الحقوق دون نقصان هو الحكم العدل وعلى قمتها حقها فى التعيين فى الوظائف العامة.

ومن درر الأحكام الصادرة عن القضاء المصرى لصالح المرأة الحكم النهائى البات أصدره المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة إبان رئاسته محكمة القضاء الإدارى بكفرالشيخ عقب صدور دستور 2014 حيث قضت المحكمة بإلغاء حكم المحكمة الإدارية بطنطا برفض دعوى إحدى الفتيات والقضاء مجددًا بإلغاء قرار محافظ كفرالشيخ فيما تضمنه من تخطي الفتاة ابنة الفلاح فى شغل وظيفة بإحدى الوحدات التابعة للمحافظة لتفوقها فى التقدير العام "جيد جدًا" فى شهادة بكالوريوس التجارة على من تم تعيينه بدلًا منها شاب ابن مسئول حاصل على تقدير "مقبول"، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها إلزام المحافظ بتعيينها فى تلك الوظيفة.

والقصة تبدأ بإحدى الفتيات المتفوقات بمحافظة كفرالشيخ لجأت إلى المحكمة الإدارية بطنطا- التى كانت تختص بقضايا طنطا وكفرالشيخ فى ذلك الوقت- طالبة إلغاء قرار محافظ كفرالشيخ بعد صدور دستور 2014 بتعيين شاب ابن مسئول فى إحدى الوظائف بالوحدات التابعة للمحافظة حاصل على تقدير "مقبول" بينما هى تتفوق عليه فى التقدير العام "جيد جدًا"، إلا أن المحكمة الإدارية بطنطا رفضت دعواها على سند من أن الإدارة تتمتع بسلطة تقديرية فى التعيين بالوظائف ما أصابها بالحزن لكن الأمل لديها كان كبيرًا فى الطعن على هذا الحكم.

ولم تيأس الفتاة وأقامت طعنًا على هذا الحكم أمام محكمة القضاء الإدارى بكفرالشيخ بصفتها محكمة طعن، وطلبت من القاضى الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة فى ذلك الوقت، أن يسمعها فانهمرت فى البكاء، وهدأ القاضى روعها حتى تتحدث، فقالت: إنها كانت تواصل الليل بالنهار لتتفوق فى دراستها وتثبت شخصيتها جنبًا إلى جنب مع الرجل وتساعد نفسها وأسرتها فى دخلها المحدود، خاصة وأن والدها فلاح رباها على العلم والأخلاق لتخدم وطنها.

فقال لها القاضى بصوت هادئ الحكم آخر الجلسة ثم نطق القاضى بالحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه الصادر من المحكمة الإدارية بطنطا والقضاء مجددًا بأحقية الطاعنة فى الوظيفة لتفوقها على ابن المسئول.

فاستقبلت الفتاة الحكم بسعادة بالغة واحتضنت والدتها ووالدها الفلاح وقبلت يدهما فى موقف مؤثر واستبدلت فى لحظات دموع الحزن بدموع الفرحة بقرار القاضى العادل.

قالت المحكمة: إن المشرع الدستورى جعل الوظائف العامة وفقًا للمادة (14) من الدستور حق للمواطنين على أساس الكفاءة ودون محاباة أو وساطة، وتكليف للقائمين بها لخدمة الشعب، وكفل كذلك حقوقهم وحمايتهم وقيامهم بآداء واجباتهم في رعاية مصالح الشعب، وألزم الدولة طبقًا للمادة (11) منه أن تكفل المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وضمان تمثيلها تمثيلًا مناسبًا فى المجالس النيابية وكفالة حقها فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا فى الدولة والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية دون تمييز ضدها، ومبدأ المساواة الدستورى هو نص قائم بالتطبيق بذاته دون تدخل من المشرع.

وأضافت المحكمة أنه إذا كان المشرع الدستورى قد ألزم الدولة باتخاذ التدابير الكفيلة لضمان تمثيل المرأة تمثيلًا مناسبًا في المجالس النيابية، فإن الأولى واﻷجدر أن تقوم مؤسسات الدولة بكفالة حقها فى تولى الوظائف العامة دون تمييز ضدها يعود بها إلى عصور التخلف والجهل، ومن ثم فإن رجل الإدارة الذى يسلب المرأة حقها فى المساواة هو سجين للكراهية وضيق الأفق.

وبهذه المثابة فإن التمييز الايجابي للرجال على حساب المرأة في مجال الوظيفة العامة مخالفة صريحة لأحكام الدستور، فضلًا عن أن المساواة مبدأ إنسانى تشاركى عالمى "فإذا جُردت الأمم من النساء العاملات والمربيات الفضليات فسوف تنهزم هذه الأمم وتؤول إلى عصور الانكسار".

واختتمت المحكمة أن محافظة كفرالشيخ أعلنت في الصحف القومية عن شغل عدة وظائف، وتقدمت ابنة الفلاح بأوراقها، إلا أنها فوجئت بقرار المحافظ بتعيين من هو أقل منها في التقدير العام وأن معايير التعيين الموضوعية تكون طبقًا للمؤهل الأعلى، وعند التساوى فى المؤهل تكون الأولوية للأعلى فى مرتبة الحصول على الشهادة الدراسية، فالأقدم تخرجًا، فالأكبر سنًا، وهي المتفوقة على من تم تعيينه في التقدير العام للدرجة الجامعية الحاصلة عليها بتقدير "جيد جدًا"، بينما من تم تعيينه حاصل على "مقبول".

وقد اعتبرت دوائر مهتمة بشئون قضايا المرأة أن الحكم الذى أصدره المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى لصالح المرأة- ضمن سلسلة من الأحكام التى أصدرها لصالح المرأة- يعتبر من أول وأهم الأحكام القضائية التى صدرت عقب صدور دستور 2014 بعدة أسابيع فى أول تطبيق للدستور حينها يضع اللبنات الأولى بفهم عميق لقواعد المساواة بين الرجل والمرأة ويؤمن برسالتها وتضحيتها ودورها الحقيقى فى التغيير الإيجابي الذي تسعى له المجتمعات في سبيل رفعتها وانتصارها أمام كل التحديات، وأن المعانى التى احتواها هذا الحكم جاءت متسقة مع مبدأ إنسانى تتشارك فيه الأمم على قمتها مصر الحضارة.