رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بأنامل ذهبية.. «عبد مريم» يروي قصة 60 عامًا من الغزل بـ«النول»

جريدة الدستور

منذ عمر 6 سنوات بدأ تعلم حرفة تصنيع الأقمشة المختلفة على ''النول'' والتي تعتبر إحدى الآلات اليدوية، حيث أنه باستخدام مجموعة من القطع الخشبية ينتج تصميمًا مميزًا من المفروشات والشالات، ولكنه لم يكتفي بذلك فقط، وبدأ يطور من نفسه حتى يتمكن منها بشكل أكبر ويتعلم أن يصمم الأشكال المختلفة بالألوان المتعددة، وتعددت الأماكن التي تنقل إليها ليعرف الناس بصنعته ويصبح أحد رموز المدينة للصناعة  اليدوية، وعلى الرغم من تطور السنوات وظهور المعدات الحديثة، إلا أنه احتفظ بتميزه والتمسك بالآلة التراثية حتى اشتهر بها نظرًا لتميزه عن الآخرين.

توجهت ''الدستور'' إلى قرية غرب سهيل النوبية، لتحاور أحد أقدم صانعى الشالات من صوف الأغنام، والخيوط، بآلة ''النول'' اليدوية دون استخدام أي معدات حديثة، على الرغم من التقدم التكنولوجي الهائل الذي نعيشه في الوقت الحالي.

يقول عبد مريم جندي إسكندر، البالغ من العمر 66 عامًا، إنه توارث مهنة تصنيع الشالات الصوف والقماش من شقيق والده، ويتم ذلك باستخدام ''النول'' وهو عبارة عن آلة قديمة مكونه من الخشب، وتعلم هذه الحرفة منذ صغره وهو في عمر 6 سنوات، موضحًا أنه ينتمي لقرية ''حلة اسنا'' بمحافظة الأقصر، وبدأت خطواته الأولى في هذه المهنة عندما كان يعيش هناك، بتصنيع الأشكال المختلفة للملابس من صوف الغنم بعد غزله، والتي من أبرزها '' الشال، وزي قديم يطلق عليه "الظعبوط" وهو شبيه لجلباب يتم تصميمه من صوف الأغنام، وهو نوع من الملابس التي يتم توريثها لأنها تعيش لمدة طويلة المدى، وآخر يطلق عليها '' الخلاله'' وكانت تستخدم في الماضي وتلتف بها العرائس في الزفاف''.

وأضاف لـ'' الدستور'' أنه بعد مرور سنوات من اتقانه لتصنيع الأقمشة المختلفة بواسطة ''النول''، ترك بلده وتوافد إلى أسوان برفقة أسرته المكونة من فردين وقتها وهم زوجته ونجلهما الأكبر، ليلتحق بوظيفة عامل في إحدى الجهات الحكومية بجانب حرفته الأساسية تصميم الشالات المختلفة بواسطة ''النول''، حيث أنه لم يفكر في تركها مطلقًا.

وأوضح أنه بعد توافد إلى أسوان حرص على تأسيس مكان لـ''النول'' حتى يتمكن من تصنيع الأقمشة بالأشكال المختلفة، وكان وقتها يببع تصميمات المختلفة لأهالى في المدينة، بالإضافة إلى أنه كان يبيع الشالات المختلفة في إسنا أيضًا لأهل بلدته، مشيرًا إلى أنه كانت له قصة كفاح طويلة في هذه المهنة، حيث أنه أسس العديد من الأماكن وأصبح له زبائن مخصصين، ولكن اختار في الوقت الحالي أن يؤسس مكانًا له في قرية غرب سهيل النوبية لينشر مشغولات النول بطريقته المميزه من خلال تداوله وبيعه للأهالي والأجانب.

واستكمل أنه مازال حتى الوقت الحالي يعتمد في تصنيع الشالات باستخدام صوف الأغنام، حيث يتم الحصول عليه من خلال غسل الخراف وهي على قيد الحياة، وتجفيف الصوف الخاص بها، ويتم وقوفها على رمال، ثم يبدأ في قص الصوف الخاص بها وبعدها يستخدم ما يسمى بـ ''المغزيل'' والتي تعمل على ربط الصوف ببعضه، وآخر الخطوات يتم لفها ثم يبدأ في تصميمها شال أو مفروشات ويطلق عليه ''كليم'' والذي يتم افتراشه في المنازل ويتم استخدامه كنوع مميز من المفروشات حتى الوقت الحالي، على الرغم من استحداث العديد من الأنواع ولكنه مميز.

وأشار إلى أنه في الماضي كانت الأشكال المختلفة التي  يتم تصنيعها من الصوف، تقتصر على ٣ ألوان فقط وهم الأبيض، والبنى، والأسود، إلا أنه في الوقت الحالي ودخول العديد من التطورات على المهنة،  بدأ في تلوين المفروشات والشالات المصنعة من الصوف بالألوان الطبيعه المتعدد، وابرزها الأحمر والأزرق والأصفر وغيرها، حيث أنه في الماضي كانت مفروشات الصوف تستخدم الأرضيات فقط، إلا أنها حاليًا تستخدم في لتزين الحوائط أيضًا.

وبخصوص مدة تصنيع الشالات المختلفة من الصوف، تابع أنه يتم غزل صوف الأغنام في مدة تصل لـ٣ أيام، نظرًا لأن عملية غزل صوف الخراف صعبة جدًا، ويتم تصميمه في يوم، واختلفت أسعاره كثيرًا مقارنه بالماضي، حيث أنه كان يأخذ مبلغ ١٥٠ قرشًا على تصنيعه فقط، ووصل سعره حاليًا ٤٠٠ جنيهًا، لافتًا إلى أن هذه الشالات لا يقبل على شراؤها السائحين نظرًا لأنهم لا يفضلون الأقمشة الثقيلة، ويفضلون الشالات الألوان الزاهية المزينة وخامتها خفيفة.

وبالنسبة لشالات النول الأخرى التي يتم تصميمها بالخيوط، لفت ''عبد مريم'' أن يتم تصنيعها كالتالي، يتم استخدام خيط يسمى ''الشاب''  بالألوان المختلفة، ويتم لفه على شكل كرة الخيط، من خلالها يتم تصنيع ١٠٠ شال، حيث تعتمد على لون واحد فقط ويتم إدخال نقوش الألوان الأخرى بواسطة المكوك، مؤكدًا على أنه يستطيع كل ٤ ساعات شال وهكذا طوال اليوم دون ملل، لأنها المهنة التي اعتاد على ممارستها طوال حياته.

وذكر أنه نظرًا لتفضيله لهذه المهنة حرص على تعليمها لـ٣ من أبناءه الأولاد، حيث أنهم تمكنوا منها بشكلًا كبير وأسسوا أماكن خاصة لتصنيع الشالات بـ'' النول اليدوي'' بعدة قرى سياحية بالغردقة، قائلًا: ''أنا شوفت شغلنتي حلوه.. وأي صنعة تسترك  متجوعكش يعني حتى لو مخزنتش فلوس منها هتعرف تلاقي ليك مصدر رزق''.