رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب عن «الأكذوبة الكبرى»: نوال السعداوى لم تكن عضوة فى جماعة الإخوان الإرهابية

محمد الباز
محمد الباز

◄ أحد أدعياء الدين يدَّعى انتماء نوال السعداوى إلى الجماعة الإرهابية مستندًا إلى كلام «محمود جامع» فى كتابه «وعرفت الإخوان»

◄ جامع يدّعى: نوال انضمت إلينا ونجحت فى إنشاء قسم للأخوات فى كلية الطب وكانت تخطب فى الإخوان

◄ ونوال: لا أعرفه.. ولم أنضم إلى الإخوان يومًا.. والجماعة كانت ترى أننى شيوعية ولم يفاتحنى أحد فى الانضمام للجماعة


كما أزعَجَت نوال السعداوى أدعياء الدين وهى تعيش بيننا متجددة بأفكارها وآرائها التى كانت تصيغها بشجاعة وتتحدث عنها بجرأة، لا تزال تزعج أدعياء الدين أنفسهم بعد موتها، فالهجمة الشرسة التى شنها بعضهم عليها، وتحديدًا من بين المنتمين إلى جماعة الإخوان الإرهابية، ومن يشايعونهم بعد وفاتها، تؤكد لنا ما الذى فعلته هذه الكاتبة الرائدة فى مواجهة طيور الظلام وجعلهم عرايا لا يسترهم شىء.
لم يترك أدعياء الدين نقيصة إلا وألحقوها بالسيدة نوال، حاولوا أن يشوهوا صورتها بالحد الأقصى من التشويه، معتقدين أنهم بذلك يمكن أن ينتصروا عليها، ويخفوا سيرتها إلى الأبد، ووصلت بهم الجلافة إلى حد تدخلهم فى شئون الله، فوصلوا بها إلى النار التى يتمنون أن تكون مصيرها، دون أن يدركوا أن الكلمة العليا فى مصائر البشر لله وحده دون سواه.
ولأن الكذب هو لغة أدعياء الدين، يدمنونها ولا يعرفون غيرها، فقد ادعوا أنها انضمت إلى جماعة الإخوان المسلمين عندما كانت طالبة فى كلية الطب، نوال تخرجت فى كلية طب قصر العينى فى العام 1955، لكن غلبت عليها شقاوتها، من وجهة نظرهم طبعًا، فانقلبت على الجماعة.
ولأن لكل كذبة أصلًا- فحتى الأكاذيب لها جذور- فإن لفرية انتماء نوال السعداوى إلى جماعة الإخوان الإرهابية أصلًا.
هل تعرفون الدكتور محمود جامع؟
إذا كنتم لا تعرفونه، فهو أحد قيادات جماعة الإخوان، أصدر كتابًا أعتقد أنه يستحق المحاكمة عليه بسبب كثرة الأكاذيب التى دفع بها إلينا فيه، الكتاب هو «وعرفت الإخوان»، وقبل أن تسأل عن «واو» العطف التى فى العنوان، سأقول لك إن محمود جامع قبل أن يصدر هذا الكتاب أصدر كتابًا آخر هو «عرفت السادات»، وهو الكتاب الذى حاول أن يوثق فيه الصلة بين الجماعة والرئيس السادات، فجاء عطفه بمعرفة الإخوان على سابق معرفته بالرئيس السادات.
سأفتح الآن أمامكم كتاب «وعرفت الإخوان»، وأرجو فقط أن تتحمل أعصابكم كم الأكاذيب فيما قاله محمود جامع.
يقول: قد لا يعرف البعض أن الدكتورة الشهيرة نوال السعداوى، صاحبة الانحرافات الخطيرة والأقوال الكفرية التى تسخر فيها من نصوص الكتاب والسنة، كانت فى يوم من الأيام من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، بل ومن المتحمسين لها.
يمكن هنا أن نتوقف عند الجريمة الكبرى التى ارتكبتها جماعة الإخوان الإرهابية فى حق نوال السعداوى، فما قاله محمود جامع فى حقها هنا تكفير كامل، وقد يحتج كما يحتج أدعياء الدين بأنه يصف أقوالها بالكفرية ولا يصفها هى، وهو قول متهافت، فالإنسان فى النهاية ما يقوله، وما دام يصف ما تقوله بالكفر فهو يكفرها ويستحل دمها.
لكن، ما الذى جرى وجعل محمود جامع يُجزم بأن نوال السعداوى كانت إخوانية، بل كانت متحمسة للجماعة؟ لنعد معًا إلى كتاب «وعرفت الإخوان» مرة أخرى.
يقول جامع: كان معنا فى نفس الدفعة فى كلية الطب الدكتورة نوال السعداوى التى نجحنا فى ضمها للإخوان، وتحجبت فى ملبسها، وغطت شعرها، وكانت ملابسها على الطريقة الشرعية، ونجحت فى أن تنشئ قسمًا للأخوات المسلمات من طالبات الكلية، كما أنشأت مسجدًا لهن بالكلية، وكانت تؤمهن فى الصلاة، وكنت أنا ضابط اتصال بينها وبين الإخوان.
لم يكتف محمود جامع بذلك، بل ذهب فى حكايته الملفقة إلى أن قال: وأقنعت نوال كثيرًا من زميلاتها بالانضمام للأخوات المسلمات، تحضهن على الصلاة والتمسك بالزى الإسلامى، فى وقت كان الحجاب بين النساء نادرًا، وكانت تخطب فى المناسبات الإسلامية، وفى حفلات الكلية باستمرار، وكان والدها، يرحمه الله، من علماء كلية دار العلوم، وهو الشيخ سيد السعداوى، ولكن للأسف انقلب حالها وتغيرت أمورها إلى ما وصلت إليه الآن، واتهمت بالإلحاد والإباحية.
يحاول هنا محمود جامع الطعن فى نوال السعداوى من أكثر من زاوية، ويركز على أنها كانت تسير على الطريق المستقيم عندما كانت عضوة فى جماعة الإخوان، ما قاله يشير إلى أنها كانت قيادية مهمة، تجند الطالبات وتخطب فيهن، وتحضهن على الصلاة ولبس الحجاب، لكنها بعد أن خرجت من الجماعة أصبحت على ما هى عليه، فى غمز ولمز فيها وفى سلوكها وأفكارها، وكأن من ينتمون إلى الجماعة هم الذين يسيرون على الطريق المستقيم، ومن لا ينتمون إلى الجماعة يظللهم الضلال.
من حقك أن تسألنى: وما الذى يجعلنى أقول إن رواية محمود جامع كاذبة تمامًا وملفقة تمامًا؟
وهل لدىّ دليل على ذلك؟
أم أننى سأقول لك إن هذا ليس معقولًا ولا منطقيًا، فلا يمكن أن تكون كاتبة ومبدعة مثل نوال السعداوى فعلت ما قاله محمود جامع.
لن أفعل ذلك بالطبع، فلدى هنا رد من الدكتورة نوال السعداوى على هذه الواقعة، هى لم تسارع إلى الرد على محمود جامع، بل فعلت ذلك فى سياق آخر تمامًا.
بطل السياق الذى أتحدث عنه هو الإعلامى اللبنانى سامى كليب.
وسامى كليب لمن لا يعرفه هو إعلامى لبنانى يحمل الجنسية الفرنسية، كان يقدم برنامج «لعبة الأمم» فى قناة الميادين، وكان قد قدم برنامجى «زيارة خاصة» و«الملف» على قناة الجزيرة، وكان يشغل منصب رئيس تحرير فى إذاعة مونت كارلو، إذاعة فرنسا الدولية، ثم أصبح المستشار الرئاسى للهولدينج الإعلامى الفرنسى الموجه للعالم العربى، الذى يضم إذاعة مونت كارلو الدولية وراديو فرنسا الدولى وتليفزيون فرنسا 24، وكان أيضًا مديرًا لمكتب صحيفة السفير اللبنانى فى باريس، وله كتابات فى عدد من الصحف العربية والأجنبية، والآن هو مؤسس موقع نجوم.
بعد ساعات من وفاة نوال السعداوى كتب سامى كليب مقالًا مطولًا عن لقاءاته مع نوال السعداوى، يمكنكم أن تعودوا إليه على موقعه «نجوم».
لكن ما يهمنى هنا هو ما قالته نوال السعداوى عن افتراءات محمود جامع عليها، وقد يكون مناسبًا أن أوثق لحضراتكم نص الحوار، وفيه ما يكفى.
سامى: ما قصة انتمائك إلى حركة الإخوان المسلمين فى صباك، قرأت عن الأمر فى أماكن مختلفة؟
نوال: غير صحيح.. أكذوبة كبيرة.
سامى: سأقرأ لك ما وجدت عند الدكتور محمود جامع.
نوال: أيوه.. ده حاول أن يشتهر على حسابى.
سامى: اسمحى لى أن أكمل السؤال، فالدكتور محمود جامع، هو صاحب كتابين «عرفت السادات» و«وعرفت الإخوان»، يقول: كانت الدكتورة نوال السعداوى معنا فى كلية الطب، ونجحنا فى ضمها للإخوان، وتحجبت، ونجحت فى أن تنشئ قسمًا للأخوات المسلمات، كما أنشأت مسجدًا لهن فى الكلية.
نوال: هذه أحلامه.. أنا شخصيًا لا أعرفه ولا أذكره.
سامى: لكن هو يقول إنه كان صديقًا لك؟
نوال: بتاتًا أنا لا أذكره، أنا أذكر زملاء كثيرين كانوا معى، لكن هو لا أذكره، يعنى أذكر من الإخوان المسلمين أنه كان معى الدكتور عمر شاهين زعيم الإخوان، كان يدعونى لأنى أنا طالبة الطب الوحيدة المتمردة التى أنزل المظاهرات، ووالدى كان يشجعنى على النزول فى المظاهرات، وكنا نهتف بسقوط الحكومة وسقوط الإنجليز، ودسنا على صورة الملك، وما إلى ذلك، وكان حبى للغة العربية سببًا فى أن يدعونى الشيوعيون لألقى كلمة فى عيد العمال، وكان الإخوان يأتون لى ويقول عمر شاهين: يا أخت نوال نريدك أن تلقى كلمة فى الهجرة، وعندما مات زميلنا أحمد المنيسى فى القنال، وكان فدائيًا، طلبوا منى أن ألقى كلمة، فصعدت إلى المنصة وألقيت كلمة، فتوهم هذا الطبيب الذى كتب هذا الكلام أنى أنا كنت مع الإخوان.
سامى: فقط لنوضح الصورة، فى بعض المؤتمرات أو اللقاءات أو ندوات الإخوان لم تترددى فى قبول دعوتهم لإلقاء كلمة فى حضور الإخوان المسلمين؟
نوال: كلا كانت كل الكلية تحضر فى تأبين أحمد المنيسى، وكانت الكلية كلها موجودة فى حفل الهجرة.
سامى: هل حاول الإخوان ضمك إليهم؟
نوال: بتاتًا لم يفاتحنى أحد، لم يأت أحد ويقول لى انضمى، أبدًا لم يحصل هذا، بل هم كانوا طيلة الوقت يروننى شيوعية وأكلم الشيوعيين.
سامى: هل كنتِ معجبة بأفكار الإخوان؟
نوال: كلا، كلا، بتاتًا.. وحجاب المرأة لم يدخل عقلى، ووالدى لم يطلب منى أن أتحجب، والحجاب لا علاقة له بالإسلام، يعنى لو درسنا التاريخ سنجد أن حجاب المرأة سابق على الإسلام وعلى المسيحية، المسيحيات يتحجبن فى الكنيسة، واليهوديات محجبات.
انتهى كلام نوال السعداوى، وأعتقد أننا يمكن أن نكتفى به، لا ليكون ردًا على محمود جامع فقط، ولكن على كل متنطع يردد الآن كلامه، ثم إن لدى دليلًا واضحًا على أن نوال لم تكن فى يوم من الأيام من الإخوان، وهو أن كل صاحب عقل، وصاحب كل رأى حر، لا يمكن أن يكون فى يوم من الأيام من أعضاء الجماعة، ونوال كانت طوال عمرها صاحبة عقل ورأى حر.