الثقافة والتدهور

الثقافة بشكل عام لا تعنى ولا تقتصر على المثقفين الذين يتابعون الحركة الثقافية داخليًا وخارجيًا، أو هؤلاء المبدعين فى كل المجالات الثقافية من أدب وفن تشكيلى وغناء وموسيقى ومسرح وسينما.. إلخ فقط، ولكن الثقافة بمفهومها العام هى ذلك التراكم الثقافى الذى يتكون ويتراكم فى مجتمع ما نتيجة للظروف الجغرافية والتاريخية والأنظمة الاقتصادية والسياسية والقيم الاجتماعية من عادات وتقاليد وتراث دينى وفنى وأفكار حاكمة، وأيضًا من المفاهيم والفكر الدينى السائد فى مرحلة تاريخية حسب تفسير البشر للنص الكتابى.
كل هذه المدخلات تشكل ثقافة وحالة ثقافية يتم توارثها أجيال بعد أجيال عن طريق الأسرة والمدرسة والمؤسسات الدينية والعلاقات الاجتماعية وعلى ذلك نرى أنه نتيجة لتغيرات مجتمعية جذرية تمر بالأوطان يكون نتيجتها إحداث تغيرات نوعية فى الثقافة العامة للمجتمع بشكل عام، وهذه التغيرات فى الثقافة العامة غير الاستمرارية فى الثقافات الخاصة المرتبطة بالعادات والتقاليد والتراث والدين والقبيلة والجهة والجنس والنوع.
هنا لابد أن ينتج عن كل هذه العوامل منظومة القيم والأخلاق التى تحكم العلاقات بين الأفراد بعضهم ببعض كذلك بينهم وبين المجتمع والدولة بشكل عام ولذا يصبح من الطبيعى أن يكون القانون هو أهم الأدوات والأساليب لضبط وتنظيم هذه القيم وتلك الأخلاق. هنا وبنظرة سريعة هل ما زالت القيم الأخلاقية المرتبطة بكل هذه المدخلات السابقة هى ذات القيم المتجذرة والمشكلة للهوية المصرية تلك الهوية المميزة لمصر وللمصريين على مدى التاريخ؟ لا شك وللأسف ستكون الإجابة أن السلوكيات والقيم المنتشرة فى المجتمع الآن لاعلاقة لها البتة بتلك المنظومة القيمية التى شكلت الشخصية والهوية الحضارية المصرية.
إذن هل هناك أسباب مباشرة أدت إلى هذا التغيير السلبى؟ نعم بلاشك هناك أسباب وعوامل كانت السبب المباشر لهذا التغير. فنكسة ١٩٦٧ كانت هى البداية لتلك التغيرات التى بدأت بفكرة أن سبب الهزيمة هو ابتعادنا عن الدين. وكان لا بد أن نعود إلى الدين وكأن المصريين لم يكونوا متديين فلا بد لنا من الالتجاء إلى من يعيدنا إلى الدين.
 جاء السادات تحت هذا الشعار فأصبح هو المؤمن والمسلم من خلال ممارسات طقوسية لاعلاقة لها بالإيمان الحقيقى الواقى فى القلب. هنا كانت العلاقة بين السادات وفيصل ملك السعودية الذى توسط للإخوان وتابعيهم حتى أفرج عنهم السادات وترك لهم الحبل على الغارب.
هنا انتعشت حالة السفر إلى الخليج بشكل عام فكانت ثقافة أخرى، ثقافة بدوية لاعلاقة لها بالثقافة المصرية. أما ارتباط هذه الثقافة المستوردة بالسلام فهو ارتباط بالفكر الدينى السائد فى هذه البلاد الذى يعبر عن تفسيرهم واجتهاده الذى يلبى مصالحهم.
كما أن هذه الهجرة جاءت بأموال الخليج البترولية التى ارتبطت بجمعيات أهلية اتخذت من الدين فرصة للثراء المالى عن طريق نشر تلك الثقافة. هذا كان له التأثير الذى طال المزاج الفنى والعاطفة الدينية. ولما كان الفن هو تعبير عن الواقع، هنا أصبح الفن فى الغالب قد تأثر بهذه الثقافة التى تمجد المصلحة الذاتية على المصلحة العامة. فتوارت القيم وسقطت الأخلاقيات وهبط الفن وغابت الكلمة وتدنت النغمة وأصبح كل واحد له ثقافته الخاصة التى تبرر مصلحته.
 ولذا لانستغرب نتيجة لهذا الفكر الدينى الخاطئ أن يتحول بلطجى إلى مصلح دينى ويقتحم المنازل مسقطًا حرمتها الدينية والقانونية لكى يطبق قانونه الخاص تحت ادعاء القيم وتطبيق الفضيلة. هنا وعندما تنهار القيم بهذا الشكل نرى زنى الحرمات وقتل الآباء للأبناء والعكس.... إلخ.
هنا لابد أن ندق ناقوس الخطر ونطلق الضوء الأحمر. فهل من خطط عاجلة وعملية بعيدًا عن الشعارات والكلام النظرى إلى خطة تقوم من خلالها المؤسسات الدينية بتصحيح الفكر الدينى وأن يعود الفن إلى دوره الناعم الذى جعل مصر منارة ثقافية بدورها وليس بمالها. كما أن المدرسة لا بد أن تعود لدورها المهم مع ما يسمى بالتعليم عن بعد فى تكوين وصهر الشخصية الوطنية المصرية. حتى تعود هوية مصر الثقافية وقيمها الدينية والأخلاقية ؟ نتمنى ذلك.. حفظ الله مصر وشعبها العظيم.