رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يونانى يكتب عن ديروط



منذ أكثر من عشر سنوات، عثرت بالصدفة فى أثناء تجولى بمعرض القاهرة الدولى للكتاب، على كتاب صغير الحجم، بعنوان «نورالدين بومبة».. تأليف ستراتيس تسير كأس. وكانت على الغلاف أيضًا صورة تخطيطية رائعة لمركب شراعى وأشجار النخيل. شدتنى العلاقة بين الاسم الأجنبى والاسم العربى نورالدين بومبة، كما لاحظت أن الكتاب دون ناشر، فقررت اقتناءه.
وبعد فترة تصفحت الكتب ومنها هذا الكتاب، فوجدت بالغلاف الداخلى إهداءً من مترجم الكتاب ينى ميلا خرينودى باللغة العربية إلى صديقى الكاتب والشاعر المعروف وحيد الطويلة، الإهداء بخط المترجم باللغة العربية، وبقلم حبر أسود، وخط ردىء ينم على أن المترجم لم يتقن الكتابة بالخط العربى، بالإضافة إلى توقيع المترجم بلغته الأجنبية.
من القراءة الأولى يتحدث الكتاب عن الفترة من 1919 والسنوات التى قبلها. المحور الرئيسى فيه هو كفاح أهالى ديروط ضد الإنجليز أثناء مرحلة المد الثورى التى صاحبت ثورة 1919.
 يرصد المؤلف فى جملة الأحداث ما حدث فى القاهرة مع زعماء الثورة ونفيهم، وما يحدث فى ديروط، كما يتناول المؤلف أحداثًا حقيقية وقعت بالفعل، ومنها حادث قتل عدد من الضباط الإنجليز كانوا فى قطار متجهين ناحية القاهرة، وقد اقتحم الأهالى القطار عند ديروط وقتلوا الضباط ونزلوا فى محطة دير مواس، وإثر ذلك أقيمت محاكمة عسكرية فى مركز الشرطة، وتم إعدام عدد من الأهالى.
وكما جاء فى المقدمة فإن قصة الثورة كُتبت فى عشرة أيام فقط خلال عام 1956، وفى فترة القلق التى أعقبت قرار الرئيس جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس لتصبح ملكية مصرية خالصة، هذا القرار الذى أغضب الدول العظمى. وفى تلك الفترة كان القلق يسيطر على المصريين بسبب التصريحات التى أطلقتها تلك الدول والتى هددت فيها بشن هجومى عسكرى مصر لاسترداد القناة، وهو ما حدث بالفعل.
ويسجل الكاتب موقفًا فى غاية الحب للمصريين، وهو اشتراكه مع عدد من المثقفين اليونانيين ومنهم الدكتور إيراكليس ماسخا، والرسام ارسومينى أنجلوبولوس فى توجيه نداء للمثقفين الإنجليز والفرنسيين بمنع العدوان والاعتراف بالحقوق السيادية للشعب المصرى على قناته البحرية.
مقدمات الثورة وأحداثها يرويها لنا الكاتب من خلال البطل نورالدين بومبة، وهو مواطن مصرى يعمل نوتى على مركب شراعى يملكه، وينقل به البضائع من خلال النيل وترعة الإبراهيمية، وفى تلك الفترة كانت المراكب الشراعية هى وسيلة النقل الوحيدة بين مختلف محافظات الصعيد.
يعجب نورالدين بومبة بفتاة يراها مصادفة فى إحدى القرى المجاورة للترعة التى يمر بها مركبة فى ديروط التى تقع ساحل ترعة النوبارية، واسم الترعة مستعار أيضًا، يتكلم مع الفتاة، تعجب به، ويعجب بها، يرفض والد الفتاة أن يزوج ابنته لنورالدين لأنه بحار لا يستقر فى مكان.
 وفى المرة القادمة يتوقف نورالدين بمركبه، تأتى الفتاة عند الترعة يأخذها نورالدين ويهرب بها، فيما ترسل الفتاة لوالدها أنها تزوجت نور، يرفض والد الفتاة أن يعترف بزواجها.
 تقترب الثورة، يتعرف نورالدين على أحد العمال اليونانيين ممن يعملون فى محلج للأقطان، وبقوم بتشغيل الماكينة الرئيسية، العامل يعتنق بعض الأفكار التقدمية، ومعه عامل قبطى آخر، وعندما تندلع الثورة، ينضم اليونانى والقبطى إلى الثورة ومعهما الباشا وشقيقه، وعدد من الأهالى، ويقوم مفتش الرى الإنجليزى بمنع المياه عن الترع، فتصاب الأراضى الزراعية بالجفاف وتجف الترعة، فلا يتمكن نور الدين من الإبحار بمركبه.
يُسجل الكتاب أحداثًا وقعت فى مدينتى ديروط، بوسط الصعيد، التابعة لمحافظة أسيوط. وعندما بدأت أقرأ وجدت أن الأماكن التى يتحدث عنها معروفة لدى، كما أن أسماء العائلات تم تحريفها لمنع الحرج. كما يذكر شخصيات كانت معروفة.. ومازال الكتاب بذاكرتى.