رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ضربها فى البرلمان!



الإخوان فعلوا كل شىء مؤسف تحت قبة البرلمان التونسى: اتهامات، شتائم، تعطيل جلسات، ثم قام ناجى الجمل، القيادى فى «حركة النهضة» الإخوانية، بضرب النائبة زينب السفارى، مع أن المذكور يرأس لجنة النظام الداخلى والحصانة والقوانين البرلمانية!.
اعتقدنا أن هناك قدرًا من المبالغة، لكن مقطع فيديو أظهر بوضوح قيام النائب الإخوانى بضرب زميلته على وجهها، بعد أن انتزع التليفون من يديها. والقصة باختصار هى أن راشد الغنوشى، زعيم حركة النهضة الإخوانية، رئيس البرلمان التونسى، قرر منع النائبة عبير موسى، رئيس الحزب الدستورى الحر، من حضور اجتماع مكتب المجلس، وأثناء محاولة زميلتها فى الحزب توثيق لحظة قيام نواب الإخوان بتنفيذ القرار أو الأمر، حدث ما حدث.
الإخوان، الذين لا يحترمون المرأة ولا يحترمون أنفسهم، لم يخجلوا من انحطاط واحد منهم، ورأى نوّابهم فى البرلمان، نساءً ورجالًا، أن ذلك المنحط مارس حقه فى الدفاع عن النفس، فزعمت جميلة الكسيكسى، مثلًا، أن «من حق النائب ناجى الجمل افتكاك هاتف زميلته التى كانت تقوم بتصويره لمنعها من ذلك». وفى حسابه على «فيسبوك»، كتب عبداللطيف المكى، القيادى فى الحركة، وزير الصحة السابق، أنه يقدم «كل الدعم والمساندة» لمن وصفه بـ«الرجل العاقل الرصين»، ضد «الاعتداء عليه بتصويره من دون رغبته»!.
كذبهم ليس جديدًا، وتدليسهم صار عاديًا ومعتادًا. لكن ما يطمئن هو أن التونسيين لم يشتروا تلك البضاعة الفاسدة، ونزلوا فى شارع الحبيب بورقيبة، أمس الأول السبت، للاحتجاج على ممارسات الإخوان داخل البرلمان وخارجه. كما أطلقوا حملة على شبكات التواصل الاجتماعى طالبوا فيها رئيس الجمهورية بحلّ ذلك البرلمان، الذى أصبح «يمثل خطرًا على السلم الأهلى ويقدّم صورة مسيئة أمام الشعوب الأخرى».
الصورة مسيئة للأشقاء بالفعل، ولا يوجد تفسير أو تبرير لصمت المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحقوق المرأة، أو التى تدعى ذلك، غير حرصها على عدم كسر الوعاء الذى تأكل فيه، ولن نقول إنها تقاضت ثمن صمتها، لأن ثمن الصمت أو الكلام مدفوع مقدمًا، سواء من أجهزة مخابرات دول بعينها، أو من «حركة النهضة» المتعاقدة مع شركات دولية بمليارات الدولارات، لتحسين صورتها، بحسب منذر قفراش، رئيس جبهة إنقاذ تونس، الذى أكد، منتصف فبراير الماضى، أن لديه وثيقة تكشف عن حجم الأموال التى دفعتها الحركة لهذه الشركات.
مر فى هدوء، أيضًا، بيان النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، الذى صدر منذ شهر تقريبًا، واتهمت فيه أنصار الحركة وبعض نوابها فى البرلمان بمحاولة «تركيع الإعلام من خلال الترهيب والعنف». ولا نعرف مصير البلاغات التى تقدمت بها النقابة ضد الحركة الإخوانية، لكننا لن يدهشنا عدم التعامل الجدّى، المتكرر، مع قضايا الاعتداء على الصحفيين أو على غيرهم، بعد أن تمكن «إخوان تونس» من إفساد غالبية مؤسسات الدولة، واستطاعوا تسميم المناخ السياسى، وتمكنوا من تحصين قادتهم وجعلوهم فوق المساءلة والمحاسبة.
يمكنك أن تضيف إلى ما سبق، اعتداء نائبين إخوانيين، منذ أيام، على رجال أمن مطار تونس قرطاج الدولى، فى محاولة لإجبارهم على السماح بسفر مواطنة مشتبه فى كونها إرهابية، ومدرجة على قوائم الممنوعين من السفر. وستجد تفاصيل أكثر فى مقال سابق، أشرنا فيه إلى أن «حركة النهضة» الإخوانية تسيطر على حكومة هشام المشيشى، إضافة إلى أنها كانت وراء التعديل الوزارى الذى تسبب فى الصدام، الذى لا يزال مستمرًا، بين رأسى السلطة التنفيذية: رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، والذى قد لا ينتهى دون الإطاحة بأحدهما أو بكليهما.
هذه الاضطرابات السياسية، صاحبها أو نتج عنها، فشل ذريع فى علاج المشكلات الاقتصادية المتفاقمة، وباتت فئات كبيرة من الشعب الشقيق، تعيش أوضاعًا صعبة للغاية، وستزداد صعوبة بسبب فساد وإفساد «إخوان تونس»، الذين تمكنوا من وضع أيديهم على مفاصل الدولة بتواطؤ من تسع أو عشر حكومات، بدت فى ظاهرها معادية لهم، لكنها كانت متحالفة معهم. وعليه، لم يكن غريبًا أن يضم التعديل الوزارى، الذى أقره البرلمان، فى يناير الماضى، وزراء تحوم حولهم شبهات فساد وتضارب مصالح، طبقًا لما أعلنه رئيس الجمهورية فى كلمة وجهها للشعب.
وأخيرًا، نرى أو نتوقع وقائع مؤسفة أكثر وأكثر سوف تجىء، ما لم يتم كنس الإخوان من تونس، وحل ألغاز الاغتيالات، والعمليات الإرهابية، التى تشهدها البلاد منذ عشر سنوات، وتتبعها حالة تعتيم تؤدى إلى إفلات مرتكبيها من العقاب. والأهم، هو إغلاق حنفية المال السياسى الفاسد، بتفعيل المرسوم التشريعى رقم ٨٧، الصادر فى ٢٤ سبتمبر سنة ٢٠١١، والذى يحظر «أى شكل من أشكال التمويل الأجنبى»، وينظم آليات تقديم التبرعات والهبات، ويلزم كل حزب بأن «ينشر تقاريره المالية». وهو المرسوم الذى لم تلتزم به «حركة النهضة» وتفريعاتها وذيولها.