رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«أكون.. أو لا أكون».. تفاصيل رحلة محمد جلال عبدالقوي مع الإبداع

محمد جلال عبدالقوي
محمد جلال عبدالقوي

سيرته تقول أنه أكبر من أي مقدمات وأعماله تصف بأنها تتجاوز أي كلمات، هو مبدع استثنائي، وحالة لا تتكرر، مسيرته ملأي بالشغف والإبداع، لكن من يتابعها بدقة يكتشف أن المؤلف الكبير محمد جلال عبدالقوى ظاهرة لم تحدث صدفة إنما اجتمعت لتشكيلها عوامل شتي.. فما هي؟

يكشف هو عن تلك العوامل خلال أحد حوارته الصحفية قائلا: «أعمالى الفنية وكتاباتى الدرامية هى خير من يُجيب عن تعريف الإنسان محمد جلال عبدالقوى، فمن خلالها تستطيع قراءة تفكيرى وفهم تكوينى، فالكاتب ليس إلا لوحة يرى الناظر إليها ملامح من السيرة وتفاصيل من رحلة الحياة بما تحمله من كواليس وما تزخر به من أسرار.

كل أعمالى التى قدمتها، سواء قلت أو كثرت، هى عبارة عن محاولات جادة للبحث عن عمل جيد، فخلال ٤٠ عملًا، قدمتها بين السينما والدراما عبر نصف قرن هى عمر رحلتى مع الإبداع، كنت مؤمنًا بأن كل كلمة أكتبها هدفها الوصول إلى ذلك النص الجيد الذى يرضينى ككاتب ويمتعنى كقارئ ويجذبنى كمشاهد.

ولذلك فى كل خطوة صعود على سلم الكتابة كنت دائمًا ما أعُطى نفسى لحظة للتأمل فيما أكتبه، وأمنح الكاتب بعضًا من الراحة، وأتعامل مع ما سطرته بنظرة مختلفة، نظرة تمثل ضمير المتلقى وعين القارئ، لكنى فى كل هذه النظرات ووسط هذه التأملات اكتشفت أن ما كتبته ليس هو ما تمنيته، لذلك، وحتى هذه اللحظة، سأبقى، حتى تحين لحظة الفراق، هائمًا وباحثًا عن الكلمة الجيدة.

كما أننى من المؤمنين بأن المبدع الحقيقى دائمًا يرحل دون أن يصل إلى العمل الذى يرغب فيه ويتمناه، ولو اعتقد كاتب فى نفسه وظن فى ذاته أنه بالفعل حقق ما أراد فعليه فورًا أن يوقف رحلته ويقفز من قطار الإبداع، لأنه لاحقًا سيكتشف أن كل ما يكتبه هدفه المال فقط، وليس هناك فى الحياة أسوأ من أن يكتب المبدع لأجل المال أو بحثًا عن لقمة العيش، فحينها سيجد نفسه فى لحظة ما مضطرًا لتقديم تنازلات لا ترضى ضميره ولا تناسب قلمه.

وعندما بدأت احتراف مهنة الكتابة تكونت لدىّ القناعة وتشكل فى عقلى اليقين بأن كتابتى وعملى هما عبارة عن أخلاق تتأرجح ما بين الجنة والنار، فالدنيا كما خلقها الله قائمة على الحلال والحرام، حيث الصراع ما بين الإنسان والشيطان، وهذا الصراع يبدو بارزًا فى أعمالى بصورة واضحة، ودائمًا ما كنت أنحاز بالانتصار إلى جانب الخير، بحكم أننى شخص متدين بطبعى.

البيئة التى خرجت منها كانت بيئة متدينة بالفطرة، وكنت واحدًا من الذين تلقوا تعليمهم داخل كُتّاب القرية، ورزقنى الله حفظ نصف القرآن الكريم وأنا فى السادسة من عمرى، وكان ذلك الأمر حينها، مثار إعجاب من أهل القرية، يتهامسون به ويحكون عنه فى جلساتهم وسهراتهم، وهى حالة جعلت أبى فرحًا فخورًا بما يفعله نجله.

وخلال هذه الفترة المبكرة جدًا من حياتى أصابنى مس الكتابة بحكم عشقى القراءة، والسبب فى ذلك مكتبة الوالد الضخمة التى كانت توجد فى بيتنا، التى تميزت باحتوائها على أمهات الكتب التراثية، أمثال «السيرة الهلالية» و«الزير سالم»، إلى جانب الملحمة الضخمة «ألف ليلة وليلة»، التى كنت أقرأ فصولها على آذان العجائز داخل قريتى فى ساعات العصارى.

لكن اللحظة الحقيقية التى بدأت فيها التفاعل مع الكتابة جاءت بعد قراءتى روايتى «القدر» للدكتور طه حسين، و«أبومسلم الخراسانى» لجورجى زيدان، حينها انكفأت على مجموعة من الأوراق وبدأت فى إخراج انفعالاتى، ومن لحظتها صرت لا أتخلى عن القلم ولا أفارق الورقة، وفى كل أوقاتى حين تراودنى فكرة دائمًا ما أترجمها إلى نص مكتوب.

لاحقًا، اكتشفت فى نفسى القدرة على كتابة الشعر ونسج القصة القصيرة، ومع دخولى المرحلة الثانوية تفجر الموضوع وبرزت موهبتى بصورة كبيرة ومُلفتة، لأقرر بعد إنهاء دراستى مغادرة قريتى والسفر إلى القاهرة لأجل الالتحاق بمعهد السينما، لتبدأ من لحظتها فصول جديدة فى باب حياتى.

فى تلك الآونة، كنت أمام تحديات وجودية تتمثل فى عبارة واحدة هى «أكون.. أو لا أكون»، لأن نبوغى المبكر دفعنى للتمرد على رغبات الأسرة، وفضلت الالتحاق بمعهد التمثيل رغم الممانعة الشديدة من والدى، الذى حاول إثنائى عن موقفى قبل أن يغلبه اليأس، فصمت ووقف يراقب من بعيد.

فى القاهرة، لم يكن هناك أدنى خيار أمامى غير النجاح ولا شىء دونه، فالفشل معناه عودتى إلى قريتى لأعيش حياة الظل وهو المنطق الذى أرفضه، أو السفر إلى الخارج للعمل والحياة، وهو الحلم الذى لا أرغب فى تحقيقه بحكم حبى الشديد لبلادى، لذلك صممت على خوض التحدى، والحمد لله كان النجاح قرينى ولم يخذلنى.

عندما بلغت السابعة عشرة من عمرى كتبت أولى قصصى، لكن شهادة ميلادى الحقيقية داخل دنيا الدراما وعالم التأليف جاءت مواكبة للحظة كتابتى مسلسل «أديب»، رغم أننى صغت بعض الأعمال الدرامية قبله، لكن نجاح هذا العمل فاق سابقيه، خاصة أنه جمع عددًا من رموز الفن فى مصر، من أمثال نور الشريف ونورا، ويكفى أن يضع يحيى العلمى بصمته عليه كمخرج.

لاحقًا، انطلقت مسيرتى بعدما نجحت فى إقناع الفنان العظيم محمود مرسى بأداء دور البطولة فى مسلسل «الرجل والحصان»، وأتبعته بالمسلسل التاريخى «موسى بن نصير»، الذى نال إشادات من كل المؤسسات الدينية فى العالم العربى، وعلى رأسها الأزهر الشريف.