رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أن نثق بما نراه.. كيف غيرت الفوتوغرافيا صورتنا عن أنفسنا (كيف تري المرأة نفسها 2)


عبر تمثيل النساء المصورات لأنفسهن يمكن اكتشاف كيف عبرن عن مخاوفهن والقضايا المهمة المتعلقة بالهوية الذاتية والثقافية، في هذا الجزء، نستكمل التجول في تجارب مصورات من الشرق الأوسط عبر القراءة المتأنية لمشروعاتهن الفوتوغرافية.
شادي غادريان مصورة فوتوغرافية إيرانية :
هي نموذج للفنانة المعاصرة لقضايا مجتمعها، خاصة أنها قد شهدت التحولات الثقافية داخل المُجتمع بعد الثورة الإسلاميّة سنة 1979، وعاشت وسط أحداث سياسية واجتماعيّة مختلفة، تصل أحيانًا إلى درجة التناقض. تستخدم شادي غاديريان التصوير الفوتوغرافي للتعبير عن وضع المرأة في المجتمع الإيراني. مستفيدة من تجربتها الشخصية وتستقي صورتها الفنية من الحياة وتعالجها وتعيد خلقها وفقًا لتصورها الذاتي. وثقت في مشروعها قاهجار "Ghajar” 1998 حياة المرأة الإيرانية المعاصرة التي تعيش تحت طائلة الحكم الإسلامي.

تصور شادي النساء في بيئة قديمة تعود للقرن الـ19 ، مؤكدة علي الازدواجية الناتجة عن تجاور القيم التقليدية مع المعاصرة والحداثة، استخدمت لتوثيق هذه الفكرة إعادة بناء صور فوتوغرافية تعود إلى القرن التاسع عشر. لم يكن اختيار أسلوب لوحات القرن 19 عشوائيًا، فهي أول بورتريهات سمح بعرضها القانون الإسلامي بعد الثورة ، الخلفيات عتيقة مزخرفة بنمط كلاسيكي، والمفروشات والأزياء قديمة تعبيرًا عن التقليدية ، لكنها تُضيف للصورة أداة عصرية وهو ما يشير بشكل صريح للصدام الثقافي القائم في المجتمع والتساؤلات حول تأثير التقدم علي التقاليد والعكس، فتبرز من خلال بناء اللّقطة إشكالية الماضي والحاضر. وربط الصورة الذهنيّة للمرأة الإيرانية بثقافة الجسد، يظل حجم اللقطة ثابتًا في كل الصور فهي تحافظ علي المسافة بين الكاميرا والموديل وتهتم بالتأطير بشكل خاص، اختارت شادي غادريان التركيز على المرأة من خلال وضعيتها، حيث تقف الموديل في مركز التكوين في نفس مكان التصوير والذي يحمل خلفيّة تاريخية.

مشروع قاهجار
في الصورة حيث المرأة ممسكة بالراديو تستخدم شادي الراديو كرمز وكوسيلة احتجاج هو صرخة تثير تساؤلًا حول التعامل مع المرأة الإيرانية وجسدها كشيء هنا المرأة سلعة كما الراديو، هي جهاز يضاف للمنزل حتي تكتمل الصورة الاجتماعية.


مشروع قاهجار
لا تحمل الصورة فقط فكرة التمزق ما بين التقليدي والمعاصر في ظل بلد يعيش تحت حكم صارم وتغزوه العولمة رغما، لكنها تستخدم الأداة المعاصرة كدلالة أن المرأة مجرد آلة مهمتها ترتيب المنزل، وهي هنا تشير للصورة الذهنية للمرأة الإيرانية ودور المرأة الثانوي في المجتمع ، كما لو أن وجودها ملغي كإنسانة في كثير من العادات اليوميّة، فتصبح مجرّد شىء يُستخدم ويُستهلك.

يري بعض النقاد أنه ربما نكتشف من خلال صورة الراديو في الصورة ذات الفنانة المغتربة، الذات التي تبحث في الماضي عن نفسها في أرض الوطن. لكن مفهوم الحاضر في حد ذاته ظل مرادفًا للمجتمع الاستهلاكي في أعمال شادي.


تختار شادي في صورة المكنسة وضعية المرأة بعناية شديدة محافظة علي نفس الحجم وبُعد الكاميرا عن الجسم تقف الموديل في المنتصف منتصبة القامة حادة النظرات تتقدم واحدة من قدميها عن الأخري ممسكة بالمكنسة بقوة. خلفية الصورة مجرد منظر طبيعي بسيط لغاية، في الصورة إشارة أكثر وضوحًا للفترة الزمنية الماضية في القرن الـ19 الخلفية تشبه لحد كبير القصور في ذاك العصر والملابس هي الأزياء الشائعة ، في تلك الفترة ورغم أن المكنسة الكهربائية التي ترمز للتطور التكنولوجي في عصرنا الراهن، قد وضعت كعنصر تشكيلي في الصورة، فإننا نجد أنفسنا أمام واقع معاش مملوء بالصراع بين القديم والحديث.



نلاحظ بالنظرة المتأنية في أعمال شادي غادريان استخدامها للمرأة كرمز للمجتمع الإيراني ككل وتركيزها علي الواقع الإيراني المعاش بالفعل والإهتمام بنقد إزدواجيته مستخدمة في ذلك تمثيل المرأة والصورة الذهنية والمعرفة المسبقة لكثير من العادات والمفاهيم التي تخضعها لعملية نقد وتشريح دقيقة وتحولها لموضوع للذات.

مريم بودربالة مصورة فوتوغرافية تونسية :
تعيش بين تونس وفرنسا ، وتتميز أعمالها بالجمع بين التقنيات الحديثة والرؤية التشكيلية المعاصرة وتستلهم أعمالها الفنية من الحياة اليومية الاجتماعية وبعض الفنانين مثل مان راي ولينرت ولاندروك . في مشروعها الفوتوغرافي (بدويات ) تصور نفسها صورًا ذاتية عارية وهي تلف جسدها بالزي التقليدي التونسي، مؤدية حركات تعبيرية مستوحاة من الرقص الياباني .

مشروع مريم بودربالة الفوتوغرافي (بدويات)
تختار هنا الزي البدوي ترسيخًا لفكرة الكلاسيكية والقدم. تعالج مريم في صورها أبعادًا متعددة، يتجسد البعد الأول في مفهوم الجسد والعري، هنا تتعمد إخفاء أجزاء من جسمها وإبراز أخري، وهي بذلك تجسد المفاهيم المعاصرة للعري باعتبار الجسد كموضوع ما بين ثنائية الستر والكشف تُطرح التساؤلات وتُعاد المفاهيم ، تقول مريم بودربالة "أغطّي لأكشف،أستر لأظهر، أخفي لأبرز". تعمّدت الفنّانة من خلال الفعل ونقيضه إضافة عناصر من الموروث الثقافي للجسد في وضعيات مختلفة وفق حركات تقوم بدراستها من أجل إبراز مفهومي الكشف والتغطية لجسدها. 

مشروع مريم بودربالة الفوتوغرافي

تجسد سلسلة بدويات اهتمام مريم بقضية الهوية الذاتية وتكاملها مع الهوية الثقافية، الملابس البدوية هي معادل للموروث الثقافي التونسي، تغطية الجسد هو معادل لإخفاء الهوية الذاتية، الحركات التعبيرية محاولة للبحث عن هويتها الخاصة كونها مزدوجة الجنسية، تظل فكرة الازدواج مسيطرة بشدة علي المشروع الفوتوغرافي حتي علي مستوي التقنيات والألوان المستخدمة واستخدام برامج معالجة الصور بشكل واضح، وانقسام الجسد لنصفين متداخلين وممتزجين. 
 
يتضح في أعمال مريم بودربالة بعدا آخر وهو انتقادها للنظرة الاستشراقية الأوروبية للمرأة العربية، فهي تري أن كثيرًا من المستشرقين يطالبون المرأة بالتحرر من التقاليد الموروثة والتحرر من قيود الجسد، ويحفز كثيرًا من الأوروبين المرأة للتعري فقط لمجرد التعري، إن الغرب يستعير مفاهيمه وقضاياه ويحاول إسقاطها علي المرأة في الشرق دون الوعي الحقيقي بقضاياها وهو ما يظهر بوضوح في سلسلة بدويات، حيث يتجلي وجه آخر لازدواجية الفنانة ذاتها كشرقية تمنح الجسد حقه في التعبير والتحرر وغربية تستعمل الجسد كشيء يمكن أن يستخدم لغرض فني ويمكن أن يُعرض فهي تسعي لتجاوز الصورة النمطية للمرأة وتبديل بعض التصورات المسبقة في العالم العربي من خلال دمج أصلها وثقافتها المزدوجة في مشروعها.


مشروع مريم بودربالة الفوتوغرافي
إن مساهمة المرأة في المجتمع عامة جعلها تقرر أن تمتلك قرارها كمبدعة وتحقق مكانتها وتعالج صورتها وخيالها وانفعالاتها وأحلامها ورغباتها وتصورها عن ذاتها وفق رؤيتها الخاصة
لذا من المهم جدًا أن ندرس المزيد من الصور التي التقطتها النساء لأن ذلك يساهم في تكوين فكرة أكثر دقة عن المرأة وتوفر عدسة قوية يمكن من خلالها مشاهدة العالم وفهمه بشكل أفضل.