رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زيارة جديدة لـ شادى عبدالسلام.. طومان باى وأحمد زكى!

شادى عبد السلام
شادى عبد السلام

منذ فترة طويلة وأنا أقرأ كل ما يتعلق بأرشيف المخرج السينمائى شادى عبدالسلام وإذا بمفاجأة من العيار الثقيل، وجدتها فى شهادة لواحد من المقربين له؛ هو أنسى أبوسيف بعنوان "جلسة النبيل" فى مجلة "القاهرة" عدد (145) ديسمبر 1994، يتحدث "أنسى" عن أداء شادى لدور قائد مملوكى فى فيلم نادر عن "طومان باى".

اتصلت هاتفيًا بالأستاذ "أنسى أبوسيف" لكى أتأكد من صحة ما قرأت، فأكد لى أنه هو بنفسه من قام بإعداد ملابس الدور لشادى عبدالسلام، لكنه لا يدرى هل مثل "شادى" الدور لإنقاذ موقف ما؛ خصوصا أن المخرج عاطف البكرى أحد تلامذته، أم كان الدور باتفاق مسبق.. لكن بالتأكيد هناك فيلم عن "طومان باى" ومثل فيه شادى عبد السلام!
من هنا بدأت البحث عن هذا الفيلم النادر أو قل الضائع فى غياهب السينما المصرية، وظللت أذهب إلى قصر السينما- مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع ولمدة شهر كامل- بحثًا عن أى مادة تتحدث عن الفيلم المذكور، وبالفعل وجدت غايتى فى كتاب نبيل فرج تحت عنوان "كتابات مختارة" من إعداد الناقد السينمائى سمير فريد، وفى الكتاب مقال بعنوان "اليوم الأخير للسلطان طومان باى أو غياب الوعى".

الفيلم من إخراج عاطف البكرى وهو أول أفلامه الذى اعتمد فيه على منهج البناء الفيلمى الذى يستمد نموه وتصاعده من التقاط التفاصيل الصغيرة متأثرًا بشادى عبدالسلام نفسه، والفيلم من بطولة الفنان أحمد زكى، وهو فيلم روائى قصير تقرب مدة عرضه من عشرين دقيقة طبقًا لما أخبرنى به مجدى عبد الرحمن، وما أكده لى أنسى أبوسيف.

أما عن قصة هذا الفيلم النادر فيتحدث عن اليوم الأخير للسلطان طومان باى وربط ذلك بفكرة الهوية المصرية؛ حيث استعادة الوعى لدي الشخصية المصرية، وذلك من خلال رحلة "طومان باى" الذى تعاطف معه المصريون وأحبوه؛ لأنهم يكرهون كل خائن مر على تاريخهم، وبقدر كراهيتهم لمن خان أحبوا "طومان باى" وتعاطفوا معه، خصوصا فى مشهد النهاية الذى جاء مفجعًا ومؤلمًا لهم، لكنه أسهم بالتأكيد فى ازدياد حب المصريين لـ"طومان باى".

وكما يشير نبيل فرج فى مقاله المعنون بـ"اليوم الأخير للسلطان طومان باى" فإن الفيلم يبدأ بجثث قتلى، وبقايا عسكر مفرقين على أرض صحراوية تستعرض الكاميرا الأفق حيث يقف مجموعة من العساكر هناك، تفاصيل لبقايا الحرب التى شنها العثمانيون على المماليك فى نجع أولاد مرعى، الابن الأكبر لشيخ قبيلة النجع.

وينزل فارس من على جواده ويتفق مع واحد من أهل النجع على إنهاء موقفهم وأن يتخذوا موقفًا واضحًا فى الحرب الدائرة، يصل بعض الفرسان إلى الشيخ ليتخذ قراره إما مع طومان باى أو العثمانيين، يحاولون إقناع الشيخ بأن المماليك قد حل قدرهم، الشيخ يرى "أحمد زكى" فيطلب إليه أن يذهب إلى أبيه يقف على قرار له، المجموعة ترحل، تسمع طلقات نارية، يقول أحد أتباع الدولة الجديدة العثمانية إن المماليك ليسوا سوى جلاب لا يعرفون لأنفسهم اسمًا ولا من أى بلد أتوا، وصوت آخر يقول سيدى السلطان سليم شاه... دولتنا قد زالت؛ هذه دولتكم أتت وهذا قدرنا.

مجموعة من الناس والفرسان، شعلات يحملونها تضىء، يذهبون بعيدًا، لقد مات السلطان طومان باى. ونرى أحمد زكى يقول: "غريبًا جئت ثم غريبًا رحلت، إلى أين يقودنا موتك".

شيخ يقول لأحمد زكى أين شيخ القبيلة ردًا على تساؤلاته حول طومان باى، ويقول: إنه عصر الجنود، فليرحمنا الله، ستغرق الأرض فى طوفان من الدماء، سوف يصبغ الدم كل شىء، ثم يقول انج بجسدك ولا تسلنى كيف تنجو بروحك".

رمال ونخيل والشيخ قتيلا، قبور وبعض أهل مصر يدفنون واحدًا منهم، بينما أحمد زكى يشاهد ذلك من مكان يختفى فيه، ثم يظهر "زكى" مع أحد الفرسان أو المرتزقة من الحرب، المرتزق يقول من أين أنت؟
فيرد أحمد زكى: غريب
المرتزق: اشتر هذا- وهو يشير إلى سيف فى يده- وانضم لجيش العثمانيين حتى لا تموت جوعًا إنهم يدفعون كثيرًا.
أحمد زكى: أتتعامل معهم
المرتزق: إنها صناعتى، هم الذين علمونا كيف نتعامل مع المقاتلين والقتلة.

ثم يحكى له حكاية هذا السلطان طومان باى عندما جاءه رجل من المغرب وعرض عليه أن يشترى صفقة من البنادق فرفض قائًلا: "نحن لا نترك سنة نبينا ونتبع سنة الفرنجة" ثم يضيف المرتزق لأحمد زكى: هل تعرف ماذا قال هذا الرجل عندما رفض السلطان شراء السلاح.
أحمد زكى: ماذا قال؟
المرتزق: من عاش سوف يرى هذا الملك وهو يهزم بهذه البندقية ثم ينتهى كلامه معه بنصيحة كل ما يجب أن تعرف هو مكان مخازنهم لتعيش ونحن لسنا أكثر من جرذان، اتبع القوى.

ويكون الاستفزاز قد وصل مداه بأحمد زكى من منطق المرتزق فيقول له: عبد قذر.
فيرد عليه المرتزق: إذا كان الكبرياء يجرحك إلى هذا الحد فلماذا لا تتعامل معه رجال "طومان باى"، أنهم يكمنون عند تلال المقطم.

فى مكان آخر بالقاهرة.. أحمد زكى ابن شيخ إحدى القبائل يقابل فرسان العثمانلية فينزعون عنه رداءه وملابسه ويلحقون به الأذى، ثم يتركون بأمر من رئيسهم الذى يقول: دعك من هذا الغلام لنفرغ هذا المساء لمن تبقى من المماليك.

يقف أحمد زكى مرة أخرى مع المرتزق الذى يسأله عن الذى أذاه إلى هذا الحد: المماليك أم العثمانلية.

لكن أحمد زكى يرى معه أسلحة يتعرف بها على سلاح أبيه (السيف) ويقول المرتزق إنه جمعها من نجع أولاد مرعى بدراهم قليلة ثم يوبخ أحمد زكى الذى ثار من أجل سيف أبيه ويقول: يا غبى، قضى العثمانلية على كبيرهم.

ويدعوه إلى التسليم بالأمر الواقع على أن يحملوا أنفسهم ويصرخ أحمد زكى: أجل فليذهب جميعهم إلى الجحيم، ثم يجرى هائمًا ورداؤه مفرود وراءه إلى أن يتوقف عند ضخرة، فيرى قائد بقايا المماليك مقيدًا والناس خلفه تدق على الأغطية النحاسية للحلل.

يندفع فى مواجهة الفارس المقيد والذى يدفعونه أمامهم أسيرًا ليقول وهو يريه السيف: "هذا ما تركوه من أبى، كانوا حماتنا..".

ثم يتخذ قراره بأن طريقه هو طريق العثمانلية وثأره ثأرهم، شرذمة من بقايا المماليك معهم أحمد زكى يسألهم لماذا أنتم مختبئون فى هذا الجبل، ثم يقول: "أكنتم حماتنا حقًا"، ثم يحاول الجرى بعيدًا فيقتلوه، وهنا ينتهى الفيلم.

ومن هذه التفاصيل الصغيرة التى لم تتجاوز مدة عرضها العشرين دقيقة نكتشف طبيعة العلاقة بين السلطة المحتلة والإنسان المصرى، وعلى الرغم من أن الفيلم قد يفسر سبب هزيمة السلطان طومان باى بقليل من الرجعية الفكرية عندما رفض أن يشترى البنادق وهى سلاح العصر، فإنه يبين مدى حب المصريين له ومدى كراهيتهم للخائن.