رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صعيد بدون سلاح




تقوم الحكومة بمجهود رائع لتطوير القرى والاهتمام بها، وهو مشروع يحقق فائدة كبرى للقرى المصرية التى عانت الكثير من الإهمال فى عهد النظم والحكومات السابقة، وكنا نتمنى أن تواكب تلك المحاولة محاولة أخرى لنزع السلاح من القرى.
المعروف أن كل قرية من القرى المصرية فى محافظات الصعيد بها عدد من العائلات، وفى وقت سابق كانت كل عائلة من تلك العائلات تمتلك أكثر من مائتى قطعة سلاح، وتقوم تلك العائلات باستعراض تلك الأسلحة أمام بعضها البعض فى أى مناسبة، وفى حالة عدم وجود مناسبات لاستعراض السلاح، تقوم تلك العائلات بخلق مناسبة خاصة بها كنجاح أحد أبنائها فى الدراسة، ليتجمع أقاربه فى أمسية أمام منزله، ويتم استعراض السلاح علنًا، ثم ينطلق وابل من النيران أمام منزل المحتفى به.
الأغرب من هذا أن شيوخ تلك العائلات ورؤساءها وكبارها قاموا بإنشاء سلاحليك خشبى كبير فى صدر ديوان العائلة، ليراه كل من يدخل الديوان فى أى مناسبة من المناسبات.
هذا السلاحليك يشبه سلاحليك مديريات الأمن أو مراكز الشرطة الكبرى، ويتم رص الأسلحة فيه وربطها بجنزير، ولا ينقص إلا دفتر الأحوال ليصبح بيت العائلة مركزًا للشرطة.
وعند وقوع مناوشات بين عائلتين لأسباب تافهة، عندها تصبح القرية ميدان قتال بالمعنى الحرفى للكلمة، فيتخذ المسلحون السواتر من منازل الآخرين، ويطلقون النار بطريقة عشوائية، فيُصاب من يُصاب ويُقتل من يُقتل بلا ذنب ولا جريرة، ويفرض الطرفان حظر التجول على أهالى القرية كلها، ويلزم باقى الأهالى منازلهم ولا يخرجون منها، ويبحث من كان خارجها عن مكان يؤويه طوال الليل، حيث لا يسمح لأحد مهما كان بالمرور أمام منازل العائلات المتحاربة، ابتداءً من غروب الشمس حتى شروقها.
ويهمل المتحاربون زراعتهم ووظائفهم وشئونهم، وتكلف العائلة الأقوى بعض رجال العائلات الأضعف بالعناية بشئونهم وزراعتهم الخارجية، ويحتشد كل أبناء العائلة بالأسلحة، وفى اليوم الثانى من النزاع، وفى جنح الظلام تأتى السيارات المحملة بالأسلحة من العائلات الأخرى فى القرى المجاورة، يقودها سماسرة الأسلحة وتجارها، لتأييد إحدى العائلتين وتدعيمها بالأسلحة والذخائر.
الغريب أن العائلات الفقيرة بدأت هى الأخرى فى السير على نفس نهج العائلات الكبرى، فباعت كل ممتلكاتها وأطيانها، وبعضها باع حجرة من منزله لجاره، من أجل الحصول على النقود لشراء بندقية وذخيرة، فى محاولة منها لفرض حالة من التوازن بين العائلات، لتتجنب اعتداء العائلات الأخرى الأكثر عددًا ومالًا. والحل أن تتقدم وزارة الداخلية بخطوة جريئة وتعلن عن أنها ستشترى الأسلحة الآلية وغيرها وذخيرتها من حائزيها، مقابل مبلغ مالى كبير، وليكن ألفين أو ثلاثة آلاف جنيه للبندقية الآلية الجديدة، وما معها من الطلقات، كما يُمنح من يقوم بتسليم بندقية آلية حافزاً آخر هو رخصة حمل سلاح للأنواع المرخص بها من الأسلحة.
وفى ذات الوقت ليس هناك ما يمنع الدولة من اللجوء إلى قرار استثنائى بتغليظ العقوبة على مَنْ يُضبط بسلاح آلى لتصل إلى الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة، وإنشاء دوائر خاصة لمحاكمته لسرعة الفصل فى القضايا لتحقيق الردع العام.
وبهذا يتم سحب الأسلحة من القرى والقرى المجاورة، صحيح أنه فى الفترات الأولى سيزداد الإقبال على الشراء، وحسب قواعد علم الاقتصاد فإن المعروض سيقل ويرتفع السعر، ويمتنع على الفقراء الحصول على السلاح، وبهذا يتم تجفيف السلاح من القرى، ويواكب هذا إحكام الرقابة على منافذ تهريب السلاح وهى معروفة للجميع.
الأسلحة التى ستقوم الشرطة بشرائها من الأهالى يتم تسليح رجال الشرطة بها، عوضًا عن صفقات شراء أسلحة جديدة، خصوصًا أن الأسلحة الموجودة لدى الأهالى بعضها حديث ومتطور، وتفى بغرض تسليح رجال الشرطة لحفظ الأمن والنظام.
الأمر جد خطير ولا يمكن السكوت عنه، فى ظل قيام الدولة بتحسين ظروف المعيشة للقرى والمدن الفقيرة، فوجود الأسلحة يعوق التنمية ويعوق قيام الدولة بمشروعاتها فى سبيل تحسين ظروف تلك القرى المعيشية.