رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رأس الإنسان امرأة أو رجلًا أهم ألف مرة من رأس المال




أكثر شىء يؤلمنى فى هذا الزمن، ليس وباء كورونا، فعاجلًا أو آجلًا سوف تظهر اللقاحات المضمونة، ونقضى على هذا الفيروس القاتل للبشر، ولكن الوباء الذى يؤلمنى بحق ويبدو أنه استلذ احتلال كوكب الأرض هو «عبادة الفلوس».. الفيروس الذى لا تصلح معه لقاحات أو أمصال، لا من الصين ولا من إنجلترا، هو فيروس «التعاسة»، الذى من كثرة التصاقه بأجسادنا وأرواحنا لم نعد نشعر به، وهذا هو الخطر الحقيقى.
فأن يمرض الإنسان ليس مشكلة، المأساة هى أنه يعتقد أنه سليم الصحة وأنه لا داء يعبث بسلامته.
معظم البيوت فى العالم غير سعيدة، أغلب البشر يستهلكون بانتظام أدوية الاكتئاب والأرق والوساوس القهرية.
ومن أين تأتى السعادة وكيف تأتى؟! والعالم كله مؤسس على مبدأ «إن الفلوس أهم من الإنسان»، الفقير لا يجد أحدًا يحترمه، ولا يعمل له أى حساب على الإطلاق، بينما اللى معاه فلوس متشال من على الأرض شيل، يتعمل له مليون حساب.. الغنى له كل شىء والفقير مالوش إلا دعاء الله.
هذا المبدأ «الفلوس أهم من الإنسان» هو سبب تعاسة البشرية ومصدر الاغتراب وعدم الانتماء والجرائم وحوادث الانتحار وسفك الدم على يد الإرهاب الدينى.
لقد جاءنى وقت كنت أخاف فيه أن ألمس جرائد الصباح حتى لا تتلوث يداى بالدماء.. أخاف أن أطوى الصفحات حتى لا تصطدم عيناى بالحكايات التى تعكس التعاسة أو تظهر جثث القتلى هنا وهناك، فى عمليات إرهابية أو حوادث السرعة على الطرق.
كلنا على اختلافنا نتساءل: أين ذهبت الأخبار المفرحة؟ أين اختفت مباهج الحياة؟.. لماذا تتراجع المحبة الإنسانية وتسود ميول العداء والاغتصاب والنهب والجشع والكراهية؟ كلنا على اختلافنا نحلم بالتضامن الإنسانى، لكننا مضطرون للعيش فى عالم مؤسس على التفرقة.. مجبرون على الاستمرار فى عالم الدم فيه آلية أساسية ضرورية من آليات وجوده ورسوخه.. نتطلع إلى مستقبل لا يؤرخه البطش والنهب وسلب ثروات الشعوب وقتل أرواح البشر من أجل رفاهية قِلّة لا تشبع، متمدينة الملامح، همجية السلوك.. قِلّة رأس المال لديها أهم من رأس الإنسان، وصوت دوران ماكينات الدم والأرباح أجمل من صوت ضحكات الطفولة ورنات الفرح وهمسات العشق.
أليس من حقنا- نحن مواطنى ومواطنات الأرض- أن نعلن احتجاجنا على قوانين هذا الكوكب؟ قوانين تصر على أن تجردنا من إنسانيتنا، تصر على أن تفقدنا الأمل فى عالم بديل، تصر على أن تضعف مناعتنا لكى نتحول إلى آلات أو صفقات استثمارية أو وجوه لا ملامح لها.. لا حلم لها.. لا رأى لها.. لا موقف لها.. لا سند لها.. فقط لها جيوب منتفخة وأرصدة بنكية متضخمة.
قوانين وضعها بشر مثلنا، وإذا كانت قوانين من صنع البشر لماذا لا تتغير؟ لماذا هى جاثمة على قلوبنا تصيبنا بالذبحة الإنسانية المزمنة لا شفاء ولا فكاك منها؟.. إذا كانت قوانين من صنع البشر الذين يموتون، لماذا هى خالدة وتبدو لا عمر لها مثل الشمس والجبال والبحار؟.
تساؤلات تحيرنى منذ زمن بعيد: لماذا دائمًا عبر العصور والأزمنة كانت الغلبة للعصابات والقوى الظالمة، الغاشمة، المظلمة؟ لماذا صوت العدل خافت وخائف وصوت الظلم صاخب وجرىء؟.
لماذا ينتصر صقيع القهر على نسيم الحرية؟ ولماذا أصحاب الحق والخير والمساواة والحب متفرقون، عاجزون، يائسون، مكتئبون؟ بينما أصحاب الباطل والشرور والتفرقة والكراهية متوحدون قادرون منظمون ومبتهجون؟ إلى متى أكثر الناس استحقاقًا للصحة النفسية والصحة العضوية هم الذين يمرضون؟ إلى متى يكون على الإنسان الأشد حساسية للقيم الجميلة أن يدفع ضريبة حساسيته من راحته وأعصابه وغربته الموحشة؟ إلى متى تأتى رياح الحياة بما لا تشتهى سفن أكثر البشر دفاعًا عن الحياة؟!
كم من الزمن باقٍ والجانى يُكافأ بينما تُعاقب الضحية؟ كم من الوقت الإضافى نستطيع تحمّله وأصحاب الإبداعات الحقيقية خارج التقدير؟ إلى متى لا يتعظ البشر من دروس الحياة؟
السؤال هو: كيف ننسى هذا العالم المقلوب؟ كيف نفهم الخيوط الأساسية التى تربطنا بجوهر بالحياة؟ وكيف نأتى بالقوة للاستمرار على كوكب أصبح مرهقًا، على الحالمين والحالمات بالعدل والجمال والحرية؟.
من بستان قصائدى
ما أتعسها تلك الكاتبة
تنتظر عقد قران
طال له الانتظار
بين القلم والصفحة البيضاء..
تجرب كل ما تعرفه من إغراءات
تبكى.. تصرخ.. تئن.. تتأوه
تروح وتجىء
تكسر الأشياء
هربت اللغة من أصابعها
سخرت الكلمات من مواجعها
خانها القلم
لمنْ تذهب
وهو أوفى الأوفياء؟
كيف تواجه العالم
القلم مرآتها
ترى ملامحها المتفردة
الآن هى شبه كل النساء.