رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دينيس سميث.. الأجندة الخفية للعولمة


يحذر العالم الاقتصادى المرموق دينيس سميث فى كتابه «الأجندة الخفية للعولمة» من أنه «إذا لم تغير العولمة اتجاهها وتطوى شراعها، فإن الثمن المدفوع من الحرية وحقوق الإنسان سيكون فادحًا».
ترى ما الذى وجده سميث فى العولمة بحيث تمثل خطرًا على الحرية؟ يبدأ «سميث» بتعريف العولمة بأنها: «انصهار تدريجى للعلاقات بين المجموعات والمجتمعات حتى تلتقى العلاقات فى النهاية من أدنى العالم إلى أقصاه»، أى حتى تصبح للعالم صورة واحدة تقريبًا، ومع أن العولمة اتجاه بدأته الإمبراطوريات القديمة، إلا أنها تلقت دفعة قوية على حد قول الكاتب بعد انهيار حائط برلين فى ١٩٩٠ وتفسخ الاتحاد السوفيتى، بحيث وجد «البطل الأمريكى» نفسه القوة الوحيدة بين أنقاض الإمبراطوريات الزائلة، وهكذا قاد البطل الأمريكى ويقود عملية العولمة بصفتها الرئيسية كحركة اقتصادية تحلق بأجنحة العلم والتكنولوجيا والنظريات دفاعًا عن مصالح الدول الكبرى والشركات متعددة الجنسية، وتحقق أهدافها بقفزات الأموال عبر الحدود وتقليص أو حتى تحطيم دور الدول وإزاحة الهويات الوطنية والثقافات القومية لصالح مفاهيم ومصالح رأس المال.
ويتم ما يسميه دينيس سميث «الانصهار التدريجى» للمجتمعات على أساس حركة السوق الحرة، وجدير بالذكر هنا ما لاحظه وزير خارجية اليابان «ناكومورا» ذات يوم من أن: «ما تسميه أمريكا اقتصاد السوق الحرة هو نوع خاص من الحرية يتحرك بالقنابل والصواريخ كلما ظهر أن هناك بلدًا آخر يحقق تفوقًا اقتصاديًا»، ذلك أنه ما إن تتعارض السوق الحرة مع المصالح الرأسمالية العالمية حتى تتحرك الصواريخ لترسيخ حرية السوق لصالح البلدان الأقوى، وفى هذا الإطار يذكرنا دينيس سميث بأن تلك السوق الحرة مرتبطة بالتلويح بالعقوبات عن طريق صندوق النقد الدولى ومنظمة التجارة العالمية على الدول التى تتخذ طريقًا خاصًا لتنمية مواردها، أو تضع العوائق أمام تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى بلدانها.
ولأن العولمة تتناقض اقتصاديًا مع مصالح الشعوب النامية، فإن الكاتب يحدثنا عما يسميه «الإذلال» لمن يغنى خارج السرب، ويحدد ثلاثة أنواع من الإذلال الدولى، فى مقدمتها ذل الاحتلال المباشر، كما جرى فى العراق وإرغام الشعب على التبعية، ويستشهد فى ذلك السياق بجرائم الأمريكيين فى معسكر «أبوغريب»، وهناك نوع آخر من الإذلال الدولى بحرمان الدول المارقة من الانتماء إلى المنظمات الدولية، ثم استخدام النبذ والتنحية كوسيلة إذلال أخرى، لهذا يرى دينيس سميث أن إحدى النتائج المباشرة للعولمة هى: «تشريد البشر وإقصاؤهم على نحو يولد الإحساس بالسخط».
وإذا كانت العولمة تمثل هجومًا شرسًا لرءوس الأموال العالمية، فلا ينبغى لذلك الهجوم أن يحرمنا من الاستفادة بالإنجازات العلمية المرافقة له، وهذا بالضبط ما تم من قبل حينما غزا نابليون بونابرت مصر ووقف الشعب المصرى كله ضد الغزو، لكنه أخذ من الغزو أسلحة التطور: تنظيم الجيش وإقامة أعمدة النور فى الشوارع والمسرح وغير ذلك. علينا ونحن نواجه العولمة بالوطنية أن نأخذ من غزوة السوق الحرة أفضل ما لديها من علوم وتكنولوجيا وقدرات، علينا أن نستفيد إلى أقصى درجة من أن بوسعنا ونحن فى شبرا أن ندخل مكتبة نيويورك، وأن بإمكاننا من باب اللوق أن نتجول فى متاحف فرنسا، يقترب العالم من أن يكون قرية كونية واحدة لكنها قرية مقسمة إلى قمم وسفوح، يحصل فيها ثلاثمائة وخمسون مليونيرًا على دخل يساوى ما يحصل عليه ملياران ونصف المليار إنسان! ويبقى على شعوب العالم الثالث أو النامى أن تستفيد من العولمة إلى أقصى درجة وهى تحاربها بفكر آخر ونظريات اقتصادية أخرى.
هذا وإلا فإن «الثمن المدفوع من الحرية سيكون فادحًا» على حد قول دينيس سميث، فاتنى أن أنبه إلى أن كتاب «الأجندة الخفية للعولمة» صادر عن المركز القومى للترجمة وقد ترجمه على أمين على.