رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سامي السلاموني: في فيلم «ملل» كانت خبرتي ناقصة كمخرج

جريدة الدستور

أجرى المخرج محمد عبدالله حوارًا مع الناقد الفني الكبير الراحل سامي السلاموني، وأورده في كتابه "تجارب في السينما التسجيلية"، وأعاد سعيد شيمي نشره كاملًا في كتابه الصادر حديثًا عن دار الهالة للنشر والتوزيع، وفيما يلي جزء من هذا الحوار.

كيف كانت بدايتك كناقد؟

بدأت أولًا كناقد سينمائى، كتبت النقد قبل دخولى معهد السينما.. وبعد ذلك اكتشفت أنه مهما كانت معلوماتى عن السينما، كناقد، فإنها ستظل مجرد معلومات نظرية ناقصة، إذ لم أكن أعرف كل أسرار الفن الذى أتعرض لنقده، أسراره التكنيكية، لأن المعرفة بتكنيك أى فن هى الأساس الضرورى للتعرض لنقد هذا الفن حتى لو لم يمارس الناقد هذا الفن نفسه كحرفة، بعد ذلك.

هل هناك ضرورة لأن يتحول نقاد السينما إلى مخرجين؟

- لا.. ليس ضروريًّا بالطبع أن يتحول كل ناقد سينمائى إلى مخرج، ولكن من الضرورى جدًّا أن يعرف كل ناقد سينمائى، السينما كتكنيك.. ولعل هذا دفعنى – بعد أن بدأت عملى كناقد بالفعل – أن أصبح تلميذًا من جديد فى معهد السينما، وهى تجربة من أهم التجارب التى مررت بها، والتى يمكن أن يمر بها أى ناقد يريد أن يعي تمامًا ماذا يقول.

للحقيقة أنه حتى بعد تخرجى من المعهد لم تكن فكرة الإخراج هى التى دفعتنى إلى هذه الدراسة، ولكن المعهد يطالبك كما تعلم، فأنت من خريجيه، يطالبك بإخراج فيلم قصير كمشروع للتخرج.. ومن خلال العمل فى فيلم «مدينة» وهو مشروع تخرجى، كانت قد وُلدت فى داخلى عملية «الخلق» وهى عملية من الصعب أن يقاومها أى ناقد، لأنها تتيح له الفرصة لصياغة أفكاره النظرية صياغة سينمائية، فالإخراج يصبح بهذا الشكل، نوعًا من التحدى، يطرح نفسه كل يوم أمام الناقد، بحيث يقول: «إذا كنت تعترض كل يوم على أعمال الآخرين، فما الذى تستطيع أن تفعله أنت؟»، وكانت هذه فى تصورى بداية تحول إلى التفكير فى الإخراج.. وهى تجربة مر بها كثير من نقاد السينما فى العالم، وأصبح بعضهم مخرجين جيدين بالفعل، وإن كان هذا لا يعنى بالضرورة أن كل ناقد جيد يصبح مخرجًا جيدًا، فقد يكون تفكيرك السينمائى جيدًا، على المستوى النظرى أو الكتابى، ولكن صياغة هذا التفكير سينمائيًّا مسألة أخرى، قد تفشل فيها.

أيهما تراه أفضل بالنسبة للمخرجين الجدد.. أن يبدأوا بالسينما التسجيلية أم الروائية؟.. مع ملاحظة أن أسئلتي التى أوجهها إليك، بوصفك ناقدًا سينمائيًّا أولًا، وكمخرج بدأ بالسينما التسجيلية والقصيرة ثانيًا؟

- البداية بالأفلام التسجيلية بالذات، هى بداية أساسية وضرورية فى تصوري بالنسبة إلى أى مخرج جديد فى العالم وبالذات فى مصر، من ناحية لأن ظروف العمل السينمائي لدينا لا تسمح لك بأن تبدأ بفيلم طويل، ومن ناحية أخرى لأن ظروف المجتمع المصري تفرض علينا معالجة آلاف المشاكل والظواهر التي لابد من معالجتها بشكل تسجيلي، وهناك سبب ثالث أهم وهو أن خبرتك كخريج معهد سينما تكون محدودة بالطبع، بحيث لابد أن تبدأ تعلم السينما من خلال العمل السينمائى نفسه فى الأفلام التسجيلية أو القصيرة عمومًا، حيث تكون احتمالات الخسارة محدودة وإمكانيات التجربة والمغامرة والتعلم كثيرة.. فمن المهم جدًا أن يبدأ أى مخرج فى العالم بإخراج الأفلام القصيرة، فإذا وجدنا لديه ما يقوله فى الأفلام الروائية وبشكل أفضل كان بها أو يظل متخصصًا فى الأفلام التسجيلية، لأنها ليست بالضرورة جسرًا للأفلام الروائية.

وبالنسبة ليّ شخصيًّا، فلم أكن أنوى إطلاقًا الاقتراب من السينما الروائية، قبل عدد ما من الأفلام التسجيلية والقصيرة، أجرب فيها قدرتى، وأتعلم السينما التى لا يمكن تعلمها من الكتب، بل من خلال الكاميرا.

فيلم «ملل» الذى بدأت به تجربتك العملية كان في رأيى سيئًا على العكس تمامًا من فيلميك «مدينة» و«كاوبوى» فهما لا يحملان تكنيكًا متقدمًا ولا يتضمنان فكرًا مؤثرًا على عكسهما أيضًا.. فما هو رأيك أنت بوصفك ناقدًا.. وكيف مررت بتجربتك العملية؟

- إننى أوافقك على رأيك تمامًا من ناحية رداءة فيلمى الأول «ملل»، ولقد بدأت تجربتي العملية من خلال عضويتي فى جمعية الفيلم أولًا.. فأنت تعرف أنها الجمعية الوحيدة فى مصر التى تمنح السينمائيين الهواة فرصة عمل أفلام.. فهى التى قدمت الأفلام الأولى لزملائنا الشبان.. وكان طبيعيًّا بعد التحاقي بمعهد السينما وتدريبي عمليًّا على الإخراج فى المعهد، فى أفلام تستغرق دقيقتين، أن أجرب الإخراج لها، فجمعية الفيلم أتاحت لي الفرصة لإخراج أول فيلم لي «ملل» والذى كان تجربة فاشلة على كل المستويات، ولكنى تعلمت منها أن أصنع شيئًا أفضل بعد ذلك، ولعلي عندما أخرجت اكتسبت بعض الخبرة، وفيلمي الثاني دفعني لأبدأ أول أفلامي كمحترف وهو «كاوبوي» الذى أكسبني خبرة لهذا النوع من الأفلام السياسية القائمة على استخدام كاميرا التروكاج وبإمكانيات الصور الثابتة فقط.

وإذا كان السبب الوحيد فى فشل تجربة «ملل» هو نقص خبرتي العملية كمخرج، إلا أن هناك شيئًا مهمًّا خرجت به من تجربة «ملل» هو أن هناك فرقًا كبيرًا بين التفكير النظرى فى السينما وبين تحقيق هذا التفكير فى فيلم، قد تكون لديك أفكار تعتقد أنت أنها جيدة جدًّا، ولكنك لا تستطيع تحقيق ذلك بالكتابة كناقد، والحل الوحيد فى هذه الحالة، هو أنك تملك القدرة أيضًا على الخلق السينمائى، وهى مسألة صعبة جدًّا ومختلفة تمامًا، لأن الكتابة أو حتى التفكير المطلق، لا يمكن أن يصنع سينما جيدة، بل هناك لغة خاصة للسينما، وقدرة خاصة على إخراج تصوراتك العقلية كصوت وصورة