رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أن نثق بما نراه.. كيف غيرت الفوتوغرافيا صورتنا عن أنفسنا «كيف ترى المرأة نفسها»


العلاقة ما بين تصوير المرأة والتغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية واضحة للغاية،  شهدت مناطق الشرق الأوسط اضطرابات اجتماعية وسياسية على مدى العقود الماضية، مما فتح مجالًا للتساؤلات حول الثقافة والهوية والمعتقدات الدينية الصارمة التي تصطدم مع الفن عامة ومع الفن كأنثي خاصة.
تخضع النساء في الشرق الأوسط لمجموعة من الضغوط الاجتماعية والثقافية بشكل أساسي وتصطدم المرأة المصورة بالعديد من القيود الدينية والاجتماعية، وتنطلق العلاقة لمرحلة أكثر تعقيدًا حينما تكون المصورة تعيش في الغرب والشرق معًا.
اليوم ، نتجول في تجارب مصورات من الشرق الأوسط عبر القراءة المتأنية لمشروعاتهن الفوتوغرافية  أختيرت المصورات الأكثر شهرة في العالم الغربي والشرق الأوسط، كما أن معظمهن خاض تجربة الحياة الغربية وحصلن علي العديد من الجوائز في المسابقات الدولية وأقمن معارض دولية واسعة الانتشار.
هبة خليفة مصورة فوتوغرافية مصرية:
تعتبر السمة المميزة لهبة أنها تسعي لمحاولة فهم الذات دون تصورات مسبقة وتهتم بالتأثيرات التي يحدثها المجتمع علي الفرد بشكل عام وعلي المرأة خاصة، فترى أن ما يحدث في الشارع هو مرآة لسلوكنا داخل المنزل  والعلاقة متبادلة، تهتم كذلك برؤية المجتمع للمرأة في مراحل الحياة المختلفة، المرأة كأم وكطفلة ورؤيتها لذاتها كأم عاملة تكافح الزمن وضغوط الحياة والإحباطات الشخصية والأحلام المؤجلة، يحتل مكانة رئيسية. في مشروعها الفوتوغرافي «صنع في البيت» الذي يضم عشرين صورة دون أي تصور مسبق تستكشف قصص وتعبيرات فتيات وسيدات تمتعن بالجرأة للكشف عن أفكارهن المتعلقة بالجسد، كل صورة بمثابة فكرة مستقلة ومتنوعة، عن صورة المرأة عن نفسها وتوقعها وفكرتها الشخصية، عن رؤية المجتمع لها.
تتشارك القصص معظم النساء المصريات، ومن السهولة أن تجد أى فتاة مصرية نفسها مجسدة داخل صورة مذيلة بعبارة تصف المخاوف والأحاسيس الأنثوية.
يبدأ المشروع بأبيات للشاعرة غادة خليفة تجسد مخاوف المرأة من الزمن والتقدم بالعمر، وخفوت الحياة وتبدأ هبة بطرح سؤال «أنا بنت إذن؟» وفي محاولة البحث عن إجابة في رحلة داخل أجسادنا، نستكشف علاقتنا بأجسادنا والتربية الخاطئة، وغياب القدرة علي الاختيار وممارسة التجربة، والتفرقة بين المرأة والرجل والتعامل مع المرأة باعتبارها كائنًا من الدرجة الثانية، وعن معنى الجمال.

صنع في البيت هبة خليفة
تتجلي المخاوف والقلق ليس فقط من خلال الصور ولكن أيضًا من خلال الممارسة الفنية ، فقد استمر المشروع لعامين وخلالهما تحمس العديد من الفتيات وقامت هبة فعليًا بتصويرهن، إلا أنهن تراجعن خوفًا من نظرة المجتمع عند نشر صورهن، هنا الممارسة الفنية تكشف أول مواجهة تعانيها المصورة والمرأة المصرية مع المجتمع، الخوف، الحكم المسبق، القولبة والتنميط.عشرون صورة من وسط العديد من الصور هو دلالة واضحة علي محاولات متوالية لنساء قليلات يمتلكن شجاعة البوح ويحرضن الأخريات للتعبير عن ذواتهن ومواجهة مخاوفهن حول أجسادهن.
تقول هبة "من أبرز المشاكل التي واجهتني الخوف من السقوط في فخ "الكليشيهات" والصور النمطية عن المرأة، وتحول المشروع إلى صراخ نسوي هستيري بصورة ركيكة، وعلى الجانب الآخر كنت أخشى الوقوع في بئر تسليع جسد المرأة وترويج صورة براقة ولامعة مشابهة للصورة الإعلانية التي تتعامل مع المرأة كقطعة لحم"
ثمة العديد من الرموز والدلالات التي تتعمد هبة تضمينها في المشروع بداية من العنوان «صنع في البيت». هنا نعود لواحد من الأبعاد التي تركز عليها في مشروعاتها البيت «الداخل» مرآة المجتمع «الخارج» والعكس صحيح تنشأ معظم مخاوفنا من الداخل، داخل نفوسنا، داخل بيوتنا، نتاج التربية الخاطئة، نتاج الخوف من المستقبل، نتاج السلطة الأسرية، وفي المقابل كل هذه المخاوف والعقبات هي انعكاس للمجتمع الذي نعيش فيه، هو الذي يرسخ المعتقد الخاطئ فتنشأ عليه أجيال تربي أجيالًا  علي ذات الفكرة. 
تختار هبة العناصر المصورة بعناية لتخدم الفكرة الملابس الموحدة للمشاركات، هي ملابس مطاطية مشهورة في مصر ترتديها المحجبات في ظل عدم توافر ملابس صيفية غير مكشوفة ومتنوعة وعصرية، تلجأ المحجبات في مصر لارتداء «بدى كارينا» لتغطية الأجزاء المكشوفة من الملبس الأصلي، في ازدواجية واضحة تجسد رغبة المصريات في تحرير أجسادهن وخوفهن من نظرة المجتمع، لا يقتصر لبس الكارينا علي المحجبات، كثيرات ترتديه لأن ثقافة الكشف غير مباحة في المجتمع المصري في أماكن كثيرة. هنا تستخدم هبة الكارينا كدلالة مباشرة للعلاقة بالجسد، وبمثابة صرخة «أنا حبيسة»، تتجلي فكرة الدوران في نفس الدائرة، الحبس داخل نمط التعثر في فخ.

صورة من مشروع صنع في البيت
في الصورة التالية تواجه هبة ذاتها كأم مع ذاتها كأنثى،  حيث الانحصار في عالم رمادي حالة غرق تامة في منتصف كل شيء، في صورة شخصية لها تجلس في المنتصف في وضع متوتر والجسد مشدود تحتضن طفلتها في وضع أقرب للالتصاق، الطفلة كما لو أنها ما زالت في رحم الأم ملتصقة بجسدها، جلوس هبة في منتصف الكادر وفي منتصف دائرة تمسكها بيدها، حيث لا إمكانية للفرار رغم وجود القدرة عليه، هي محصورة في عالم طفولي يبدو للوهلة الأولي مبهجًا. لم تستخدم هبة التصوير الفوتوغرافي فقط، بل تعمدت استخدام الكولاج والرسومات، ووضع تصميم للغرفة يناسب حكاية كل فتاة.

أنا أم عزباء، ابنتي دائمًا ملتصقة بي لا تنفصل عني، لا بد أن يحب الرجل الذي أحبه ابنتي أكثر مني، ولذا ليس من السهولة إيجاد حبيب.

صورة ضمن المشروع الفوتوغرافي «صنع في البيت» لهبة خليفة
تختار هبة في الصورة التالية أن تلغي هوية الموديل تماما، لا نري سوي ساقي الفتاة والأرضية الخشبية الدافئة، في وضعية انحناء يقترب جسم الموديل من الأرض وتُعرض الصورة مصحوبة بعبارة على لسان الموديل تصف علاقتها بمنزلها "أنا في صحراء منزلي" وتصف إحساسها بجسدها "جسمي ثقيل، تؤكد هبة علي المستوي البصري علي هاتين العبارتين عبر تغيير تونات الصورة تماما، فتميل الألوان للدفء، يميل توازن اللون للأصفر، رغم الواقعية الشديدة في العناصر تشعر أنك بالفعل في صحراء، يمنحك وضع انحناء الموديل واقترابها من الأرض من وضع الثبات «الجلوس» بالثقل الذي تعانيه روحها، يؤكد علي الإحساس بالثقل التصاق الدبابيس المعدنية في ساقيها، كما لو أن جسدها كتلة من المغناطيس تجذب الألم، الموديل حبيسة داخل فراغ منزلها الخالي من الحميمية، ولذا لا تحتاج أن ترتدي كباقي المشاركات نفس الزي الموحد، فالحبس هنا يتجاوز الجسد للفراغ المحيط

ظللت طوال حياتي أحاول أن أحب جسدي، جسمي ثقيل، أنا منفصلة عن روحي، أنا في صحراء منزلي


صورة من مشروع صنع في البيت للمصورة هبة خليفة
تستطرد هبة في نفس الحوار « الهدف من المشروع فتح الأبواب المغلقة والغرف المظلمة بداخلنا، ومواجهة هواجسنا، بالحكي والرسم والتصوير، ومحاولة البحث عن بداية جديدة لحياتنا نعيد فيها ترميم كل الأشياء التي تم تشويهها في داخلنا دون حكاية القصص ومواجهة مخاوفنا، الألم يصعب تجاوزه، المشروع أقرب لتجربة الاستشفاء والعلاج بالحكي والتصوير والفنون بشكل عام».
بشري المتوكل مصورة فوتوغرافية يمنية :
هي أول مصورة معروفة في اليمن، ذاع صيتها من خلال صورها التي تركز علي الخلافات الثقافية المطروحة في اليمن، وتعالج قضايا النوع والقوالب النمطية من خلال التصوير الفوتوغرافي، متأثرة بنشأتها الدينية الصارمة، إهتمت بشري بمعالجة موضوع الحجاب من منظور امرأة شرقية مسلمة، فتصور النساء المحجبات في العديد من مشاريعها.
يعرض مشروعها الفوتوغرافي «سلسلة الحجاب» الطرق العديدة التي يُرتدي بها الحجاب، لكنها تستكشف أيضًا الطرق التي يمكن أن تؤثر بها الملابس على الهوية وتطرح العديد من التساؤلات أمام الجمهور، وتدلي بتصريحات مثيرة للجدل حول المساواة بين الجنسين .


صورة من سلسلة الحجاب للمصورة بشرى المتوكل
تشير في مشروعها "ماذا لو" إلى أوجه التشابه في اللباس بين الذكور والإناث من العرب، وتعكس الأدوار عن طريق تصوير صور الرجال الذين يرتدون الحجاب. وبرغم أن المشروع تلقى انتقادات من العديد من الأشخاص، لكن عددًا من النساء اللواتي يرتدين الحجاب شعرن أنه من المهم تحدي الأفكار المتعلقة بالعرف.


صورة من سلسلة ماذا لو للمصورة بشرى المتوكل