رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نصيحة مواطن أمريكى لرئيس الولايات المتحدة




علينا أن نعترف بأن نهج الإعلام الأمريكى تجاه الشرق الأوسط ليس واحدًا.. هناك من هو معنا، وهناك من هو علينا.. ومن بين النوع الأول، الكاتب العقلانى ديفيد إجناشيوس، ٧٠ عامًا، الحاصل على العديد من الدراسات فى جامعات هارفارد وكامبريدج وكينجز كوليدج.. وهو كاتب مقالات وروايات، من بينها قصة فيلم Body Of Lyis.. هذا الرجل زار مصر، منذ فترة قريبة، للاطلاع على أحوالها، وما يجرى على أرضها، ثم عاد إلى الولايات المتحدة، وكتب مقالًا فى صحيفة الواشنطن بوست، تحت عنوان «كيف يتعامل بايدن مع معضلة مصر».. وفيها ينصح الرئيس الأمريكى، جو بايدن، بالطريقة المُثلى للتعامل مع القاهرة.. فماذا قال؟
يقول الكاتب، إن بايدن يريد أن يعيد نفس سياسات باراك أوباما مع مصر، التى قامت على ملف حقوق الإنسان، والتى كانت طابع تعامل أوباما مع دول العالم.. لكن ما يجب أن يفهمه بايدن، أن مصر حاليًا، مختلفة عن مصر التى كانت خلال فترة أوباما، اختلافًا جذريًا.. إن مصر يحكمها الآن، قائد «قوى، وودود».. وهما خصلتان متضادتان فى نظره، إذ كيف يكون الرئيس عبدالفتاح السيسى رجلًا قويًا، وفى نفس الوقت ودودًا؟.. والمفروض أن القوى عادة ما يكون عنيفًا.. هذا التناقض يجعل تعامل بايدن مع مصر شيئًا محفوفًا بالمخاطر.. فشخصية مثل السيسى بتوصيف الكاتب لا يمكن أن تعاملها بسطحية، أو كأى دولة.. شخصية السيسى تفرض ضرورة التعامل معها بأسلوب محدد، أو بعبارة أدق، بأسلوب مختلف.. لماذ؟
أمريكا الآن تتعامل مع «قائد» وليس رئيسًا، لأن ما اتخذه السيسى من قرارات عديدة، لا يمكن أن يتخذها رئيس عادى، بل لا بد أن تكون صادرة عن «قائد» يحبه شعبه، فيتحمل تبعاتها، من أجل مستقبله.. فى ٢٠١٦ رفع الدعم عن البنزين، وهى خطوة لم يجرؤ عليها رئيس مصرى من قبل.. حاول السادات اللجوء إلى مثل هذه الخطوة، فانقلبت الدنيا.. فكيف فعلها السيسى، وبقيت الدنيا فى مصر هادئة، مع العلم، أنها فى ٢٠١٦، كانت خارجة لتوها من ثورة، ومن الممكن اندلاع فوضى جديدة، لأن الروح والمقومات كانتا لا تزالان فى نفوس المصريين.. هنا يرى الكاتب الأمريكى، أن شعبية الرئيس السيسى تقوى، يومًا بعد آخر، وهو يعمل على ذلك، من خلال اهتمامه الشديد بالإصلاح الاقتصادى فى بلاده، وبمقتضى ذلك، فإن عام ٢٠٢٠ شهد نموًا قدره ٢.٩٪، على الرغم من جائحة كورونا التى قهرت العديد من الدول، وهذا مؤشر على قوة الاقتصاد المصرى، الذى يمكنه الانطلاق إلى معدلات فائقة، فيما لو انتهت كورونا.
لاحظ الكاتب، خلال زيارته القاهرة، توسعًا فى أنشطة العديد من شركات التكنولوجيا، التى ضخت استثمارات ضخمة فى مصر، وفتحت مقارًا لها فى القاهرة، استغلالًا للبنية التحتية التى حدثت فى البلد.. مع تعاظم قوة الجيش المصرى، الذى اهتم الرئيس السيسى بتطويره وتقويته بشكل كبير.. هذا يقودنا إلى الوقوف قليلًا أمام مقالة أخرى، نشرتها «بلومبرج»، تؤكد أن الأجانب يتوسعون حاليًا فى الاستثمار فى أذون الخزانة المصرية، التى يرونها وثيقة مالية قوية جدًا، تستند إلى اقتصاد قوى، وقد بلغ حجم هذه الاستثمارات ٢٨.٥ مليار، وهو رقم ضخم، لكنها الثقة فى إمكانية استرداد قيمتها وعوائدها.. وقد أشارت «بلومبرج» إلى أن الدولة المصرية استهدفت تصفية ديونها الداخلية، خصوصًا للشركات المحلية، حتى تعاود استثمار هذه الأموال فى مشروعات جديدة، تتيح فرصًا أكثر للعمل، وتضخ المزيد من العوائد فى الاقتصاد المصرى.
نعود إلى مقالة الواشنطن بوست.. يقول الكاتب، ديفيد إجناشيوس، للرئيس الأمريكى بايدن، إن الاقتصاد المصرى يشهد طفرة كبيرة، وهذا فى صالح المواطن.. وعند حديثك عن حقوق الإنسان، عليك أن تنظر إلى أقباط الدولة المصرية، الذين يعيشون استقرارًا كبيرًا جدًا فى بلدهم، وأمانًا لم يشعروا به فى ظل أى حكم سابق لمصر، ويحرص الرئيس السيسى على حضور قداسهم السنوى، ومشاركتهم مناسباتهم المختلفة، وهو مؤشر على ما ينعمون به من استقرار، هم وأصحاب الديانات الأخرى.. وبالنظر إلى حقوق المرأة، فلا شك أن هذا الملف شهد طفرة كبيرة، بتمثيلها القوى والحقيقى فى البرلمان، وحضورها البارز فى تشكيل الحكومة.. قد رأيت ذلك بنفسى، عند زيارتى القاهرة.
لكنى شعرت بشىء لافت، خلال هذه الزيارة.. شعرت بأننى فى الصين.. كمية الإعلانات مبهرة، وفى كل مكان، وبشكل متطور.. مولات ضخمة لخدمة الطبقات المتوسطة، وليس الأغنياء فقط.. هناك الكثير ممن تركوا القاهرة القديمة للسكنى فى التجمعات الجديدة.. هناك فى فيلات.. اختفى العديد من المناطق الفقيرة، أو ما يسمونها العشوائية، إلى مبانٍ حديثة، تحوطها الخدمات، من كل نوع.. ذلك تطور كبير فى مستوى الحياة فى مصر.. أيها الرئيس بايدن.. عليك أن تعرف أن مصر حاليًا غير التى كنت تعرفها، وغير تلك الدولة التى تود أن تدخل لها عبر ملف حقوق الإنسان.. لأنه عليك أن تُحدث التوازن فى هذا الملف، وعليك أن تعلم أن أمريكا، ذاتها، عانت من حقوق الإنسان هذه.
عندما وصلت مصر، يقول الكاتب، وجدت المصريين متخوفين من إمكانية أن يأتى يوم، يذهب فيه كل ما أحرزوه، من بين أيديهم.. أن تحدث فوضى، تُذهب أدراج الرياح، بكل ما حققوه خلال السنوات السبع الماضية، فى عهد السيسى.. لا يمكن مواجهة الإرهاب، الذى ما زال موجودًا، بمقتضى حقوق الإنسان، بهدوء، وإلا أتى ذلك بنتائج عكسية، تحول دون إمكانية السيطرة على الدولة والحفاظ على أركانها وسلامة مجتمعها.. وهنا يقر الكاتب بأن المصريين عاشوا تجربة مؤلمة مع ٢٥ يناير ٢٠١١، إذ استيقظوا فوجدوا أن الدولة تسقط أمام أعينهم.. انهارت أركانها، مما أفزعهم ويخيفهم الآن.. التحفظ الذى تشهده مصر حاليًا، والدفاع عن سياساتها بشكل كبير، دفاع مشروع ومُبرر، بناءً على التجارب التى عاشها الشعب المصرى من قبل، ولا يود تكرارها.
ويختتم الكاتب الأمريكى مقاله، بنصح بايدن، بأن العلاقات بين القاهرة وواشنطن، استمرت على خير ما يرام، طوال حكم دونالد ترامب.. حصلت أمريكا على ما تريده من مصر، وكذلك فعلت مصر، وكان التقارب بين البلدين شديدًا.. إن القاهرة حليف استراتيجى قوى، تحتاجه واشنطن فى العديد من الملفات، ولا يمكن الاستغناء عنه، والمنهج الذى تود الدخول منه إلى مصر، خطأ، وخطر على الولايات المتحدة، فى آن واحد.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.