رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«زغرودة عبد الوهاب»... كيف تمرد موسيقار الأجيال على عرض السادات بالغناء؟

الموسيقار عبد الوهاب
الموسيقار عبد الوهاب

يبقي الكاتب الكبير محمود عوض واحد من أهم الشخصيات التى اقتربت من موسيقار الأجيال محمد
عبد الوهاب، وبحكم الجلسات واللقاءات المتكررة بين الطرفين اطلع عندليب الصحافة على العديد من الأسرار والحكايات.

من ضمن تلك الحكايت ما ذكره عندليب الصحافة في كتابه "الدنيا التي كانت"، حيث كشف كواليس تمرد وهروب "عبد الوهاب" من عرض الرئيس "السادات" بالغناء له، قائلا:

"في غرفة غداء عبد الوهاب كنت أجلس مستمتعا إلى حكاياته المرحة وتعليقاته المشاغبة عن فايزة أحمد ووردة ونجاة ووديع الصافى إلخ، وفجأة؛ جاءت له سعاد بالتليفون فى يدها من حجرة الاستقبال التى كنا فيها أثناء تناولنا الطعام، بما يعنى أن المتحدث شخصية استثنائية مهمة لم يكن يستطيع انتظار انتهاء عبدالوهاب من تناول غدائه.

وفعلا.. همست سعاد: وزير الإعلام قال ضرورى يكلمك حالا، أمسك عبد الوهاب بالسماعة ليرد: أهلا أهلا أهلا يا سيادة الوزير.. ده إيه الشرف العظيم ده؟

خلال لحظات بدأت أدرك أن المتحدث على الطرف الآخر هو فعلا عبد المنعم الصاوي، وزير الإعلام فى حينها، وبدأ حبور عبد الوهاب من المكالمة يتضاعف فورا بمجرد أن قال له وزير الإعلام: يا أستاذ عبدالوهاب.. أنا مكلف بنقل رسالة عاجلة إليك من سيادة الرئيس.

وعبد الوهاب يقاطعه: تقصد الرئيس السادات؟ أنا أول بأول والله أتابعه في نشرات التليفزيون وهو فى أمريكا ومنبهر بالمجهود العظيم الذي يقوم به هناك والمعاهدة التى جرت فى كامب ديفيد أمبارح.. وألف مبروك يا سيادة الوزير.. والله أنا في كل صلواتي بادعو لسيادة الرئيس بالتوفيق.. والحمد لله إن ربنا وفقه.. وحافضل أدعى له باستمرار يرجع لنا من أمريكا بالسلامة.

قال له الوزير: الشعور متبادل يا أستاذ عبد الوهاب.. وأنت بالذات مقامك كبير عند الرئيس.. لهذا أنت الوحيد الذى طلبنى الرئيس من أمريكا لأنقل لك رسالة منه.

وفى دهشة كاملة وحبور واضح رد عبد الوهاب: والله فيه الخير سيادة الرئيس.. معقول في وسط كل مشاغله وهمومه في أمريكا ييجى على باله ويفكر في واحد اسمه محمد عبد الوهاب؟، طبعا يا أستاذ عبدالوهاب.. مش قلت لك إن مقامك كبير عند سيادة الرئيس وعندنا كلنا.. من هنا الرسالة.

فى الخلاصة الرسالة هى: بعد هذا الإنجاز العظيم الذى توصل إليه الرئيس السادات في كامب ديفيد بيقول لك هنا دورك يا فنان يا عظيم وجمهورك بالملايين فى مصر والعالم العربى، يعنى لو تعمل أغنية وطنية سريعة لتحية الرئيس وتكرر الإذاعة والتليفزيون إذاعتها فورا لترددها الملايين فى استقبالها للرئيس عند عودته بالسلامة إلى مصر.. ويا أستاذ عبد الوهاب. سيادة الرئيس أمرنا بأن ننفذ لك كل طلباتك ونفتح لك أي ميزانية تطلبها ونترك لك الحرية بالكامل.. عايز الأغنية تبقى بالصوت فقط.. أو بالصوت والصورة.. عايز نكلف لك أكبر مخرج وتختار أكبر عازفين و.. و..

هنا بالضبط تغيرت ملامح وجه عبد الوهاب قليلا لتصبح أكثر جدية وكلماته أكثر بطئا ليختارها بعناية ودقة قائلا: لكن يا أفندم سيادة الرئيس فنان من يومه ويعرف إن الفنان يأخذ وقته.

طبعا يا أستاذ عبد الوهاب.. خد وقتك براحتك.. الرئيس قبل الرجوع إلى مصر سيذهب إلى المغرب، يعنى أمامك ما لا يقل عن يومين ثلاثة.. أو بالكثير أربعة أيام.

بعد لحظات بدت كالدهر.. فوجئت بعبد الوهاب يتصرف على نحو لم أتوقعه منه على الإطلاق. لقد قال لوزير الإعلام: يا (سيادة) الوزير.. لا بد إن (سيادة) الرئيس قال لك على حد تاني وأنت سمعت أسمه غلط.. أصل يا سيادة الوزير ـ وأنا والله بادعى للرئيس فى كل صلواتى إنه يرجع بالسلامة ـ ولما أفكر أعمل حاجة هنا.. لازم أفكر في شىء كبير جدا يليق بمكانة الرئيس وآخد فيه وقتى بالراحة. إنما أنت هنا مش محتاج لمحمد عبد الوهاب.. أنت محتاج فقط لواحد يزغرد.. هل ترضى يا سيادة الوزير بعد العمر ده كله.. أن يكون المطلوب منى هو.. زغرودة؟

"زغرودة " التى قالها عبد الوهاب بعفوية وتلقائية ليغطى بها اعتذاره الفوري. وعندما أغلق عبد الوهاب سماعة التليفون وجدنى واقفا على مسافة أمتار من مائدة الطعام لكى آخذ راحتى فى ضحكة مجلجلة مما سمعته لتوى.

وسألنى عبد الوهاب بوجه شبه متوتر: لماذا كل هذا الضحك ؟

قلت له: أنا غير مصدق بالمرة لما سمعته لتوي.. أكيد أنت لست محمد عبد الوهاب الذى أعرفه.. استغرب عبد الوهاب مقاطعا: ياه.. قد كده أنت كنت رامى طوبتي؟!

قلت له: مش بالضبط.. المسألة هى أننى أراك دائما كمحمد عبد الوهاب.. الآن رأيت أمامى نابوليون بونابرت..!

لم تعجبه المداعبة تماما.. فقد ركبته هموم الدنيا كلها بمجرد انتهاء مكالمته مع وزير الإعلام.. قائلا لى: طيب يا أخويا.. ابقى خللى نابوليون بونابرت ينفعنا.. وربنا يجيب العواقب سليمة.

فى عودتى إلى المنزل استعدت فى ذهنى شريط تلك الواقعة مرة ومرات. وبرغم ما سمعته وشهدته.. لم تكن لدى أى أوهام. لكن حتى مع معرفتى بشخصية محمد عبد الوهاب وسلوكه مع أهل السلطة.. يظل ما رأيته ممثلا لجملة اعتراضية تماما فى شخصية عبد الوهاب وسلوكه. وأعرف أنه سواء بحكم تلك الطبيعة، أو للإلحاح المتوقع عليه تاليا، فربما يكون له موقف آخر معدل. لكننى كنت متأكدا من شىء واحد: فأيا كان ذلك الموقف المعدل المحتمل من عبد الوهاب.. إلا أنه فى جميع الحالات.. لن يقدم " زغرودة " بالتعبير العفوى الجامع المانع الذى اختاره عبد الوهاب يوم دعانى للغداء.

فى الواقع.. لم تكن تلك وجبة غداء. كانت وجبة شجاعة، ولو مؤقتة، على حد تعبير عبد الوهاب فيما بعد.