رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدبّور الإثيوبى يواصل الزّن!


الزنّة هى التهمة والزّن هو الاتهام، لكن يُقال زنَّت الحشرةُ لو صوَّتت أو طنطنت. والدبور حشرة، أو كائن طفيلى صغير، معروف بأنه يظل يزن حتى يعرف الناس مكان عشه ويخربونه. وهذا تقريبًا، ما يفعله حكام إثيوبيا، المحاصرون بالعديد من الأزمات، داخليًا وخارجيًا، وكلما ظهرت بوادر لانفراج إحداها، أعادوها إلى المربع صفر، برعونة وعدوانية، لا يبررهما غير كونهم مجانين أو عملاء لقوى خارجية، لا تعنيها مصالح الإثيوبيين وأرواحهم.
بعد أن أكدت الحكومة الإثيوبية، الأربعاء الماضى، أنها مستعدة للتفاوض بحسن نية، وبروح إيجابية، عادت وأعلنت، أمس الثلاثاء، عن رفضها الوساطة الرباعية التى اقترحها السودان ودعمتها مصر، بزعم عدم إمكانية «إقحام أطراف أخرى فى مفاوضات سد النهضة فى ظل قيام وساطة إفريقية، يجب أن تحترم وإعطاؤها فرصة للنجاح». وقال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، فى مؤتمر صحفى، إنهم أبلغوا الوفد الكونغولى بذلك، وأشار إلى أن الوفد اكتفى بنقل وجهة النظر المصرية السودانية ولم يطرح أى مبادرة بشأن عملية التفاوض المرتقبة.
السودان تقدم بمقترح، دعمته مصر، لتطوير آلية التفاوض، التى يرعاها الاتحاد الإفريقى، من خلال تشكيل رباعية دولية تقودها جمهورية الكونغو الديمقراطية بصفتها الرئيس الحالى للاتحاد، وتضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة. والأخيرة أبدت استجابتها، الجمعة الماضى، وعرضت المساعدة، وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام أنطونيو جوتيريش، إن المنظمة مستعدة للمشاركة فى التفاوض.
فى المقابل، قالت مريم الصادق المهدى، وزيرة الخارجية السودانية، لوكالة الأنباء الألمانية، إن الخرطوم والقاهرة اتفقتا على تنسيق مواقفهما وعلى تحرك دبلوماسى إفريقى موسع لشرح خطورة التصرفات الفردية التى تقوم بها إثيوبيا. وأوضحت أن الملء الثانى لبحيرة السد، فى يوليو المقبل، سيعرض البلدين للخطر، لكن خطورته على السودان ستكون أكبر، لأنه يهدد حياة ٢٠ مليون سودانى. وبشأن الوضع على الحدود السودانية الإثيوبية، قالت المهدى إنه على حاله، ولم يشهد مستجدات جدية، وأرجعت صمت بلادها على الحملات الإعلامية الكبيرة التى تستهدفها، إلى مراعاتها الأوضاع الإثيوبية الداخلية المضطربة.
تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، جاءت بعد ساعات من اتهام السودان لبلاده بأنها قدمت دعمًا لقوات جوزيف توكا، القائد فى «الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال»، بولاية النيل الأزرق الجنوبية. وطبقًا لتقرير نشرته وكالة الأنباء السودانية، «سونا»، فإن هذا الدعم شمل أسلحة وذخائر ومعدات قتال، وصلت إلى المنطقة فى ٢٧ فبراير الماضى. كما اتهم التقرير الحكومة الإثيوبية بمحاولة استخدام «توكا» لاحتلال مدينة الكرمك بإسناد مدفعى إثيوبى، لتشتيت جهود الجيش السودانى على الجبهة الشرقية.
تقع ولاية النيل الأزرق، على مثلث الحدود مع إثيوبيا وجنوب السودان. وتشهد صراعًا مسلحًا منذ سنة ٢٠١١، بعد أن وجد المتمردون، الذين قاتلوا مع السودانيين الجنوبيين، أنهم أصبحوا تابعين للشمال بعد انفصال الجنوب. وفى أكتوبر الماضى، عقدت الحكومة السودانية اتفاق سلام مع عدد من الحركات المسلحة، تضمن خمسة مسارات، مرتبطة بالخدمات والمشاركة فى السلطة، لكن عدة حركات متمردة غابت عن هذا الاتفاق، من بينها الحركة التى يقودها عبدالعزيز الحلو، ويوصف جوزيف توكا بأنه نائب قائد الحركة أو أحد قادتها البارزين.
ما يؤكد الدعم الإثيوبى لتلك الحركة، هو أن أديس بابا كانت قد لعبت دورًا فى التقريب بينها وبين الحكومة السودانية، عقب سقوط نظام عمر البشير. وقد يؤكده أيضًا قيام مخابرات الجيش السودانى، الأحد الماضى، بضبط بنادق آلية وقنابل يدوية وذخائر مهربة، كانت فى طريقها إلى ميليشيات إثيوبية داخل الحدود السودانية، بحسب موقع «سودان تريبيون»، الذى نقل عن مصادر مطلعة أن مخابرات الفرقة الثانية مشاة بولاية القضارف، وضعت يدها على تلك الأسلحة والمتفجرات، إثر معلومات ومتابعة لحركة الميليشيات الإثيوبية المسلحة.
مع كل ذلك، ومع أن حكام إثيوبيا يخوضون حربًا مفتوحة مع أكثر من ثلثى شعبهم، اتهم البرلمان الإثيوبى مصر والسودان، فى بيان أصدره، بـدعم أعمال العنف، التى يشهدها إقليم بنى شنقول، بالتزامن مع زيارة وفد الكونغو الديمقراطية، بالضبط كما فعلت الخارجية الإثيوبية، خلال وجود محمد حسن ولد لبات، مبعوث الاتحاد الإفريقى، بالخرطوم، لمحاولة محاصرة التصعيد بين البلدين، وأصدرت بيانًا صفيقًا، اتهم فيه المجلس العسكرى السودانى بالعمالة لأطراف خارجية.
. وتبقى الإشارة إلى أن وزيرة الخارجية السودانية أكدت، فى تصريحاتها لوكالة الأنباء الألمانية، أنه سيكون هناك تحرك مصرى سودانى مع المجتمع الدولى، لنزع فتيل أزمة السد الإثيوبى، ولوّحت بأن «لدى البلدين خيارات أخرى»، إذا أصرت إثيوبيا على الملء الأحادى. ومع أن الوزيرة السودانية لم تعلن عن تلك الخيارات، إلا أن رعونة وغباء وعدوانية من يحكمون إثيوبيا تؤكد أنهم لن يتوقفوا عن الزنّ حتى يخرب عشّهم وتسودّ عيشتهم.