رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«القمر وأثره على النساء» جديد دار العربي لبيرند برونر

هبة شريف
هبة شريف

يصدر قريبًا عن دار العربي للنشر والتوزيع "القمر في التاريخ والأساطير وأثره على النساء" للكاتب الألماني بيرند برونر وترجمة هبة شريف حيث اشتهرت أعماله باستكشافها للعلاقة بين الإنسان وكل ما يبدو بسيطًا في ظاهره، فقدم أعمالًا مثل الكمثرى والرمان.

وبمناسبة احتفال العالم بيوم المرأة العالمي خصت دار العربي «الدستور» بما قدمه الكاتب الألماني بيرند برونر حول علاقة القمر وأثره على النساء.

ساد تصور شائع منذ مئات السنين ما زال موجودًا حتى اليوم، وهو التصور بأن النساء أكثر عرضة للتأثر بالقمر ويُنسب للنساء بشكل عام أنهن أكثر قربًا من الطبيعة، على عكس الرجال الذين يقال إنَّ العقل هو الذي يتحكم في تصرفاتهم وبالتالي فهم أقل عرضة للتأثر بمؤثرات خارجية.

وهناك مثال طريف على ذلك: فقد وصف عالم التشريح الهولندي تيودور كركرينج Theordor Kreckring في القرن السابع عشر ذات مرة امرأة فرنسية، وقال عنها إنها امرأة متقدمة في السن وأن وجهها يتحول إلى وجه مستدير وجميل في الليالي التي يكون فيها القمر مكتملًا، ثم يتغير مرة أخرى عندما يتناقص حجم القمر، وزعم أنَّ أنفها وعينيها يتحركان في هذه الفترة ليثبتا على جانب واحد من الوجه. وتضطر المرأة في أثناء هذه الفترة إلى البقاء في المنزل والانتظار حتى يزداد حجم القمر مرة أخرى.

ومنذ القرن الثامن عشر على أقصى تقدير ساد تصور أنَّ الدورة الشهرية لدى النساء ذات صلة قوية بأطوار القمر. وفي السبعينيات أجريت دراسات افترضت تزامن موعد الدورة الشهرية اللاتي يعشن معًا، وأثارت هذه الدراسات ضجة كبيرة. ومع ذلك فلم نُثبت علاقة الدورة الشهرية بالقمر. وإلا لوجدنا موعد الدورة الشهرية في النهاية واحدًا لدى النساء في جميع أنحاء العالم. وقام الباحث في علم الأعراق بڨرلي ي ستراسمان Beverly I. Strassmann بدراسة في التسعينيات من القرن الماضي في إحدى قرى قبائل "الدوجون" في مالي.

لم تثبت هذه الدراسة علاقة واضحة بين أطوار القمر وموعد الدورة الشهرية – بالرغم من أن سكان هذه القرية لا يملكون الأضواء الكهربائية ويقضون معظم الليالي في الخلاء معرضين لضوء القمر.

يُشتق مصطلح Menstruation (الدورة الشهرية) من كلمة menis، أي الشهر، وهذا يعني أنه لا علاقة له بالقمر. لكن أصل الكلمة وسببها مختلفان؛ فالدورة الشهرية تقع في المتوسط كل ثمانية وعشرين يومًا، مع بعض الاختلافات بين امرأة وأخرى وبين شهر وآخر، أما عدد أيام الشهر القمري فهي دائمًا 29.53 يومًا، وهذا فرق بسيط ولكنه حاسم. المثير للاهتمام هنا هي المقارنة التي تجرى مع الثدييات الأخرى: تشير الدورات الجنسية لمعظم طائفة الرئيسيات من الثدييات أنَّ طول فترة الدورة الشهرية لديهن مشابه لطول فترة الدورة الشهرية لدى الإنسان – أي بين خمسة وعشرين وخمسة وثلاثين يومًا، أمَّا عند الجرذان على سبيل المثال فإن الدورة الشهرية لا تستمر أكثر من أربعة أو خمسة أيَّام فقط، وفي المقابل فهي عند الأفيال ستة عشر أسبوعًا. ويمكن أن نقول إنَّ التشابه بين الدورة الشهرية البشرية وأطوار القمر تشابه يخضع لمبدأ معروف هو مبدأ الصدفة.

هل يمكن أن نقول إن التأثير الذي تمارسه أطوار القمر، حتى لو كان تأثيرًا بسيطًا، مجرد فرقعة إعلامية؟ قام علماء أمريكيون وكنديون متخصصون في علم النفس وهم "ايڨان كيلي" Ivan Kelly و"چيمس روتون"James Rotton و"روچر كالڨر" Roger Culver، بتحليل أكثر من مائة دراسة عن الآثار المحتملة للقمر. كانت تلك الدراسات تدور حول حالات انتحار وقتل وحوادث مرور واتصالات بالنجدة وبالمطافئ وحوادث خطف وطعن بالسكين وعدد آخر من الحوادث والظواهر الأخرى. وتوصل هؤلاء العلماء إلى أن النظرة العامة على هذه الدراسات تؤكد أنه لا علاقة قوية بين تلك الحوادث والقمر المكتمل أو بين تلك الحوادث وأطوار القمر الأخرى. لكن بالطبع، فإنَّ مجرد افتراض صلة بين تلك الظواهر والقمر المكتمل يصلح خبرًا في الجرائد، أما الدراسات التي تنفي هذه العلاقة فلا تنتبه لها وسائل الإعلام. على أي حال: فإذا كان أحدهم مقتنعًا بالفعل بوجود الصلة بين هذه الحوادث والقمر، حتى لو كانت هذه العلاقة غير مثبتة إحصائيًّا، فينصح بعدم النقاش معه.

يجب ألا نسخر من المعتقدات الشعبية المترسخة بعمق في نفوس الناس ونضعها في مقابل ما أثبت علميًّا. فمن الطبيعي أن يحاول البشر إدراج الأحداث المحورية في حياتهم داخل سياق الطبيعة القابلة للاختبار والتجربة.

عادة ما تكون تلك الأحداث خارج سيطرتهم، مثل الميلاد والموت والأمراض والدورة الشهرية، إضافة إلى الزرع وإنبات النبات الذي يعتمدون عليه في البقاء أحياء، ومن الطبيعي أن يحاول البشر أيضًا التحكم في سياق هذه الأحداث لصالحهم. يتحرك الخط الفاصل بين ما يعده المجتمع حقيقة عقلانية مثبتة علمية وبين تفسيرها الشخصي، باستمرار ويحدد من جديد، ويعد هذا التحرك أحد أهم خطوط التصدع الذي يصيب المجتمع والذي تتجلى من خلاله الطريقة التي ينظر بها المجتمع إلى نفسه.