رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يوسف القعيد: نحتاج لإقرار الروايات والمسرحيات فى المناهج الدراسية (حوار)

يوسف القعيد
يوسف القعيد

يرى الروائى والكاتب الصحفى يوسف القعيد أن الأمية الثقافية إحدى أكبر الأزمات الكبرى التى تؤرق المجتمع المصرى، ومن أبرز مظاهرها ضعف الإقبال على القراءة وتراجع دور المؤسسات، مشيرًا إلى أن الجزء الأكبر من ميزانية وزارة الثقافة موجّه لأجور العاملين وليس للإنتاج الإبداعى. وفى حواره مع «الدستور»، وضع «القعيد» خريطة لإصلاح حالة التردى الثقافى، تبدأ من عودة الدولة لممارسة دورها فى الإنتاج الفنى والسينمائى والصناعة الإبداعية، وأن يسهم المجتمع المدنى والرأسمالية الوطنية فى تنمية الإبداع، معتبرًا أنه يجب ألا تقوم الدولة بكل شىء، وإنما على المجتمع أن يمارس دوره فى تنمية أبنائه. وأشاد بمشروع الدولة لتطوير الريف، متمنيًا أن ينفذ حتى نهايته بنفس الشكل الذى بدأ به وبذات الحماس، مفضلًا أن يجمع من يتولى منصب وزير الثقافة بين الإبداع الفكرى وعلم الإدارة، بحيث يكون الوزير مثقفًا كبيرًا وفى ذات الوقت إداريًا ناجحًا.

■ توقفت عن كتابة الرواية منذ أصبحت نائبًا فى البرلمان وعانيت ٥ أعوام مما سميته «الجفاف الأدبى».. إلى أى مدى أثّر العمل السياسى على مشروعك الإبداعى؟
- أولًا.. من ناحية البرلمان فقد تركته، وفى السنوات الخمس التى قضيتها فى عضويته كتبت رواية «مجهول» وأخذت منى مجهودًا ضخمًا، وتحدثت فى الرواية عن ذلك المجهول الذى يهدد حياة المصريين فى كل لحظة يعيشون فيها، وكذلك لم أتوقف عن القراءة ولا الكتابة الصحفية فى العديد من الجرائد والمجلات ولو للحظة واحدة، وكل ما سبق هو شكل من أشكال الكتابة، ولم أستغرق كثيرًا فى العمل السياسى باستثناء عضوية البرلمان فقط.
■ عندما كتب جون شتاينبك رواية «عناقيد الغضب» ساعد على إرساء تشريع يحدد العلاقات بين طبقات المجتمع المختلفة.. فهل نجح الأدب المصرى فى تغيير واقعنا؟
- لا يزال الأدب المصرى يحاول، لكنه يواجه حجم الأمية الضخم وقلة الإقبال على القراءة، وهو ما يؤثر سلبًا على فاعلية الأدب فى تغيير المجتمع لما هو أفضل.
■ معظم أحداث أعمالك تدور فى الريف.. كيف تنظر لما قطعته الحكومة خلال السنوات القليلة الماضية فى علاج ظاهرة العشوائيات.. وما الذى يشكله مشروع تطوير الريف الذى تعمل عليه حاليًا؟
- تطوير الريف مشروع مهم جدًا، وعلى المستوى الشخصى أنا سعيد للغاية، لأنه آن الأوان أن تهتم الدولة بمن يعيشون فى الريف، والرئيس عبدالفتاح السيسى مهتم بهم جدًا وأقدم على هذا المشروع من أجلهم، وأشكره على مثل هذه المشروعات، وأتمنى أن ينفذ حتى نهايته بنفس الشكل الذى بدأ به وبذات الحماس، لأننا نهتم كثيرًا بالخطوات الأولى، بينما يكمن الخوف من الخطوات التالية، والخطوة الأولى مهمة وجيدة جدًا، لكن الاستمرار مسألة أكثر أهمية، والريف بالغ الأهمية لأنه يمد مصر كلها بجزء كبير جدًا من الموارد ووسائل الحياة اليومية، بجانب أنه نمط أفضل للحياة من المدينة.
■ كيف يمكن للمجتمع المدنى أن يلعب دورًا فى دعم المشروع؟
- أتمنى أن يتفاعل المجتمع المدنى بشكل كبير، هو الآن مدعو للمشاركة، لست من يدعوه بل الدولة هى من تفعل ذلك، والدولة تدعوه وربما وصلت لمرحلة الملل من كثرة ما فعلت ذلك، وأتمنى أن يقوم بكل ما يمكن له أن يفعل، لأنه بذلك يكمل ما تقوم به الدولة، فلا يجب أن ننتظر من الدولة أن تقوم بكل شىء، الدولة ليست الأم والأب، والمجتمع المدنى والرأسمالية المصرية يجب أن يسهما فى استكمال هذا المشروع.
■ يستعين بعض الروائيين حاليًا بباحثين خاصة فيما يسمى «الروايات التاريخية».. فهل يعنى ذلك أننا أمام جيل من الكُتّاب غير مثقف أو لا يرهق نفسه فى البحث عما يود الكتابة عنه؟
- بالعكس تمامًا، أعتبر هذا نضجًا، وشخصيًا أتفق مع لجوء الكُتّاب الروائيين للباحثين التاريخيين، بالعكس أى مبدع قد يشعر بالحرج أو الخوف من الاستعانة بشخص ما بسبب تخوفه من تقوّل البعض وادعائهم بأنه قد يكون هذا الشخص الذى استعان به قد أسهم فى تأليف الكتاب، والبعض يتخوف من الاستعانة بآخرين خوفًا على شرعية العمل، لكننى أرى ذلك نضجًا من الروائيين، كذلك لديهم بوادر أو مقدمات للكتابة المشتركة، والإبداع الفردى كان سمة من سمات جيلنا، كنا نراه سمة فردية جدًا لا تسمح بمشاركة الآخرين، أما اليوم فهناك قدر ما من المشاركة، كذلك توجد مشاركة إبداعية من نوع آخر هى إقبال المبدعين والكُتّاب على صناعة مشروع إبداعى مشترك، سواء بشكل ثنائى أو جماعى، وهذا شىء مهم أتمنى أن يتم التوسع فيه، ويجب أن ننهى هالة القداسة على عملية الإبداع.
■ هناك ندرة فى البرامج التليفزيونية الثقافية الآن.. إلى أى مدى يؤثر الإعلام سلبًا وإيجابًا على الثقافة المصرية؟
- البرامج الثقافية الآن بالفعل أصبحت نادرة، واهتمام الإعلام اليوم بالثقافة أصبح أقل مما كان سائدًا من قبل، ويجب أن يكون الاهتمام بشكل أكبر، فلدينا مثلًا القناة الثقافية وهى جيدة لكن برامجها لا تجذب الانتباه، وكذلك القناة الأولى بالتليفزيون المصرى وهكذا، فيجب على الإعلام بكل أشكاله وصوره، من مقروء ومسموع ومرئى، أن يلتفت لأهمية الثقافة، خصوصًا الإعلام المقروء، لأنه يترك آثارًا حقيقية فى حياة الناس، أما المسموع والمرئى فيعطيان المتلقى انطباعات عابرة، والمقروء يعطى انطباعات أكثر عمقًا، وأتمنى الاهتمام به وتثقيفه، وكذلك تثقيف القائمين عليه وعمل دورات تدريبية لهم من أجل رفع كفاءتهم، ومن أجل أن يتابعوا مستجدات الثقافة المصرية والعربية والعالمية.
■ التطرف الثقافى أو النقدى هل هو ابن البيئة المصرية والضغوط التى تعيشها، أم أنه ظاهرة إنسانية عامة؟ ولماذا لم نتخلص حتى الآن من ثقافة رفض الاختلاف؟
- هو ظاهرة عالمية توجد فى جميع دول العالم، إنما تختلف من دولة لدولة، وقد تزيد النسب ويصبح تأثيرها سلبيًا، إنما التطرف الذى هو مقدمة للإرهاب بعد ذلك فهو ناتج عن غياب الوعى وغياب الإدراك وغياب الفهم العام لمكونات المجتمع وحياة الناس، لأن الحياة ليست ملكًا للحكومة فقط وإنما ملك لجميع الناس، الحكومة تديرها وتسهر عليها لكنها ملك لكل شخص يعيش فى الوطن.
■ تتطور الدول باعتماد الفكر الابتكارى بينما نتوقف طويلًا عند قضية «تجديد الفكر الدينى» حتى إنها باتت إشكالية تستهلك تفكيرنا.. ما تعليقك؟
- تجديد الفكر الدينى قضية ملتبسة، وإذا قمنا بعمل تفرقة حقيقية ما بين الثوابت والمتغيرات فسوف نطور حينها الفكر الدينى بشكل جيد جدًا، فالثوابت لا اقتراب منها إطلاقًا، أما المتغيرات فيمكن الكلام فيها إلى ما شاء الله، وعلينا أن نجتهد فى إطار المتغيرات لا نقترب من الثوابت على الإطلاق.. الثوابت هى: الله، الرسل، الكتب المقدسة، القيم العامة التى تحمى المجتمع من الانهيار، لكن يمكن أن نجتهد فى حدود المتغيرات الطارئة التى تطرأ بين وقت وآخر.
■ وزير الثقافة هل يجب أن يكون من المثقفين أم يفضل أن يكون إداريًا؟
- وزير الثقافة يدير العمل الثقافى فى مصر، ويمكّن المثقفين من لعب الأدوار المطلوبة منهم، وهذا لا يمنع من أن هناك مثقفين كانوا وزراء جيدين، فنجد أندريه مالرو، وزير ثقافة شارل ديجول فى فرنسا، كان مثقفًا كبيرًا، وقدم الكثير من الجهود فى دعم العمل الثقافى فى فرنسا، ولدينا مثال آخر فى مصر وهو الدكتور ثروت عكاشة، فقد كان مثقفًا كبيرًا ويضرب به المثل، وكتبه شديدة الأهمية خصوصًا سيرته الذاتية التى لعبت دورًا فى تكوينه العقلى، ومع ذلك لو جاء إدارى وأدار العمل الثقافى لصالح الكل بمنظومة شاملة للجميع فسوف يقدم عملًا جيدًا، لكن عندما يكون ذلك الإدارى فى الأساس مثقفًا حقيقيًا يصبح ذلك أفضل، وهناك مثقفون جيدون كثر لكن ليسوا إداريين جيدين، إذن فالأفضل بالنسبة لى هو مثقف كبير وفى ذات الوقت إدارى جيد.
■ هل أسهم المثقف المصرى فى تهميش دوره فى المجتمع سواء بسلبية المشاركة الاجتماعية أو السياسية أو بانشغاله بقضايا لا تشغل عامة الناس؟
- أعود بك مرة أخرى لمربع الأمية الذى تحدثنا عنه، فقد تجاوزنا الآن حد الـ١٠٠ مليون نسمة، وبمقارنة التعداد السكانى بأرقام طباعة الكتاب فى مصر ستجد أنها أعداد قليلة جدًا، ففى بعض دور النشر تكون الطبعة أقل من ألف نسخة، أرقام ضئيلة جدًا ولا تخلق تيارًا ولا وعيًا ثقافيًا ولا الإدراك الثقافى الذى نحتاج إليه اليوم، كذلك تعانى الوسائل الثقافية الأخرى التى تصل للناس بشكل أسهل وأسرع، فالسينما على سبيل المثال تعانى الآن من مشاكل كبيرة فى الإنتاج، فهى متروكة للقطاع الخاص، ويجب أن تعود الدولة لممارسة دورها فى الإنتاج السينمائى وكذلك إنتاج الدراما التليفزيونية، ويعمل أيضًا القطاع الخاص كما هو، فأنا لا أدين ما يقوم به، لكن دور الدولة شديد الأهمية فى صناعة ثقافية ثقيلة مثل صناعة السينما.
■ لو طُلب منك وضع خطة للنهضة بالثقافة فى مصر.. ما الاستراتيجية الناجزة فى نظرك؟
- ننظم مؤتمرًا للمثقفين، ونأتى بكل المثقفين من كل الاتجاهات الثقافية وكل التيارات الوطنية ونرى ما الذى يحتاجون إليه، ونستجيب لما يمكن أن تمكننا الإمكانيات من الاستجابة له.
■ كيف يمكن للقوة الناعمة المصرية أن تستعيد تأثيرها فى ظل انتشار التكنولوجيا؟
- بأن يتقبل المجتمع هذه القوة الناعمة، أن نحارب الأمية، وسوف أكرر الحديث عن الأمية فى كل سؤال لأنها شر الشرور ومكامن العلل خصوصًا بالنسبة للثقافة، ولا أقصد الأمية الأبجدية وإنما أقصد بها الأمية الفكرية والأمية الثقافية، فالأمية أنواع شتى، والأمية للأسف موجودة فى مصر بشكل أكبر مما ينبغى له أن يكون، ولا أدرى هل توجد أمية فى أمريكا أم لا؟، أوروبا فيها أمية أم لا؟، لكنى أعتبر الأمية فى مصر مشكلة كبيرة، والمشكلة الأكبر فى المتعلمين الذين لا يقرأون، لأنهم من المفترض أن يشكلوا رصيدًا أساسيًا لمتابعة الإنتاج الثقافى، أظن أن المسألة تستدعى أيضًا الالتفات للمناهج الدراسية، فيجب أن يقرروا على الأقل روايتين أو ثلاثًا، وديوان شعر أو مسرحية كل عام، وأن يعود النشاط الطلابى من خلال تمثيل التلاميذ المسرحيات وغيرها، فمن شبّ على شىء شاب عليه، كى يخرج الطلاب بعد ذلك للحياة وهم مؤمنون بالثقافة، من أجلهم أيضًا وليس فقط من أجل الوطن.
■ مر المجتمع فى العقدين الأخيرين بعدة تحولات.. كيف ترى تأثير ذلك على الشخصية المصرية ثقافيًا؟
- الاستقرار مهم للشخصية المصرية ولا أقول الثبات، فالثبات يأتى من فكرة الديمومة، ويلغى فكرة التغيير تمامًا، إنما الاستقرار مهم، وللأسف هناك مبادرات فردية فى الثقافة المصرية ولكنها لا تستمر، وفى المقابل هناك عمل مهم تقوم به الثقافة الجماهيرية والهيئة العامة للكتاب والهيئة العامة لقصور الثقافة ودار الأوبرا، إنما لا بد أن يصل نتاجهم لكل الناس، صحيح أن الثقافة الجماهيرية إلى حد ما تصل للناس فى القرى والنجوع، لكنى أتمنى أن تصل باقى الهيئات والمبادرات الفردية للجميع، ويجب أن تؤمن الثقافة الجماهيرية بأن رسالتها توصيل ما تنتجه هذه الهيئات إلى كل شبر فى أرض مصر.
■ لعبت المؤسسة الثقافية طوال فترة الستينيات دورًا كبيرًا فى التنمية، لكن الأمر تراجع تباعًا.. كيف تستعيد قدرتها الفاعلة؟
- هل تعلم ما وصلت إليه ميزانية وزارة الثقافة اليوم؟ وهل تدرى ما أكبر البنود فيها؟ أجور ورواتب العاملين تشكل النسبة الأكبر فى ميزانية وزارة الثقافة.. أذهب أحيانًا لقصور ثقافة فى مراكز صغيرة نسبيًا فأجد عدد العاملين بها أكبر من عدد المترددين عليها، لذلك يجب أن يكون الإنتاج الثقافى رسالة فى حد ذاته، وعليه أن يصل إلى كل مكان فى مصر، ويجب أن يكون بند الإنتاج الثقافى أهم بنود ميزانية وزارة الثقافة لا الأجور والمرتبات كما يحدث الآن، صحيح أنه من حق العاملين أن يأخذوا أجورهم، لكن لا بد أن يكون النصيب الأكبر والجزء الجوهرى فى ميزانية الوزارة مخصصًا للإنتاج الثقافى.
■ القضية السكانية باتت معضلة.. كيف يمكننا علاجها؟
- أرى أن أغلب مشاكلنا تعود بنا إلى المربع الأول للأزمة وهو الأمية، الأمية هى كارثة الكوارث.. فى كوبا على سبيل المثال أقاموا تجربة مهمة جدًا، وهى أنهم أوقفوا الإنتاج كليًا لمدة عام كامل، واحتفلوا فى آخر ذلك العام بمحو أمية آخر كوبى.. لا أدعو لوقف الإنتاج فى مصر لأن بلدنا ظروفه مختلفة، إنما أقول إن الأمية هى العدو الأول للإنسان، ومواجهتها ومحاربتها والعمل على محوها مسألة وطنية لا تقل أهمية عما يتم الآن.