رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لن يصمت القلم

 أميمة عبدالعزيز
أميمة عبدالعزيز




امرأة حالمة، لم تكن يومًا متمردة، تعيش حياة هادئة فى العلن، فيراها الجميع حَمَلًا وديعًا.
لكن خلف ستار الماء الرقيق شلال من المشاعر المتدفقة التى خلقت من قلمها ريشة فنان يصوغ صورة من كلمات تخترق الحصون وتداعب الأفئدة.
كامرأة ناضجة لم تحرك مشاعرها كلمات الإطراء المعتادة حتى قابلته، اخترق جدرانها بحروفه، فتحت أبواب حصونها واستقبلته استقبال الملك المنتصر، ألبسته التاج وأجلسته على عرش قلبها، فبالرغم من استقلاليتها كانت بحاجة إلى همس المشاعر بعد سنوات طويلة ساد فيها الصمت.
هو زميل لها بمجال الأدب، تعرفت عليه بأحد الصالونات الثقافية، كان دائم النصح لها، وفى البداية استقبلت نصائحه بحب وترحاب وكانت سعيدة باهتمامه ومساعدته.
وبمرور الأيام ونتيجة لنقده الهادم، شعرت بغربة وتباعدت المسافات بينها وبين قلمها، حتى اختنق القلم فى يدها فكانت تحسب للكلمة ألف حساب قبل أن تكتبها حتى صمتت عن البوح وعلت الأتربة دفاترها، ودخلت فى سبات عميق، وتحولت لامرأة تحمل فى قلبها شيخوخة التسعين، وألقت بإبداعها ومشاعرها بملجأ العجزة.
ظلت هكذا وهو لا يترك مناسبة إلا وعاتبها على تحولها من مبدعة إلى امرأة خاملة، وهو لا يدرى أنه يقف خلف جريمة قتل قلم مع سبق الإصرار والترصد.
ذات صباح استيقظت على هاتف من صديقتها تدعوها لنزهة مع بعض الأصدقاء القدامى.
لم يمر هذا اليوم إلا وأسال الدم فى عروقها من جديد، عندما عادت لبريقها وتذكرت ما كانت عليه فتلاشى الحاضر من ذاكرتها يومًا كاملًا، فكان هذا بمثابة شعلة أضاءت وجدانها.
عادت إليه، قابلها بفتوره المعتاد وانشغاله بإبداعاته وإطرائه لنفسه، وبعد أن كانت لا تهتم سابقًا، باتت حركاته وسكناته تزيد من اشتعال جمرة التمرد بقلبها، فقررت أن تطلق العنان لقلمها وتحرره من قيوده.
نفضت الأتربة والغبار عن دفاترها، بدأت تبوح بقلمها للورق بكل مشاعرها، حتى امتلأت أوراقها بآلاف الكلمات وأزاحت عن قلبها الهواجس التى كانت تَئِد الإبداع فى مهده..
وجاء بكل هدوء ومد يده ليبدأ رحلة الإعدام بمقصلته، ولكنها جذبت أوراقها، احتضنتها فى صمت، نظرت إليه ودار حوار لاذع بعينيها أفصح عما يختبئ خلف صمتها.
حاول أن يعتقل تمردها بكلمات أعطتها آخر مفتاح كان يقيدها به، حين نسب نجاحها فى الماضى إلى نصائحه ووصايته على عملها، وهنا كانت النهاية للحرب الباردة بينهما، فخرجت من دائرته بعد أن دمر قلعته بمعول كذبه وغروره.
وعادت هى تحتضن قلمها، اتخذته جوادًا لا يملك لجامه إلا أناملها، فمن الظلم أن نقيد الروح، ومن الغرور أن نطلب من إنسان الخنوع والرضا بالظلم وقيود الخضوع.