رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف تروِّج «الإرهابية» لأفكارها وسط مؤلفات «العلوم الشرعية»؟

الكتب الخادعة
الكتب الخادعة

رغم حظر كثير من كتبها التنظيمية، لا تزال أفكار جماعة الإخوان الإرهابية متداولة على نطاق واسع، وسط العديد من المؤلفات التى كتبها منتمون للجماعة أو مقربون منها على مدار العقود الماضية، ونجحوا عبرها فى دس السم فى العسل، ونشر آرائهم المتطرفة وسط كتب التفاسير والعقائد والسيرة وغيرها، مع تولى عناصر الجماعة الترويج لهذه المؤلفات باعتبارها مراجع أساسية فى العلوم الشرعية.
وحول المؤلفات الإخوانية الخادعة، قال هانى عمارة، الباحث فى شئون الإسلام السياسى المنشق عن الجماعة الإرهابية، إن العديد من الكتب التى يتعامل معها كثيرون باعتبارها كتبًا دينية عادية، هى فى حقيقتها مجموعة من المؤلفات التى تُدرَس فى المناهج الداخلية للجماعة.
وأوضح أن كتب الترويج لأفكار الإخوان لا تكون بالضرورة من تأليف قيادات الجماعة مثل حسن البنا وسيد قطب وغيرهما، أو حتى من بين الكتب التنظيمية، مشيرًا إلى أن «الإرهابية» نجحت على مدار عقود فى التمويه والخداع لنشر أفكارها فى مؤلفات متداولة وغير ممنوعة، تخلط بين آراء التنظيم والعلوم الدينية التقليدية، لتقنع من يقرأ هذه الكتب بأن أفكار الجماعة هى الدين.
«الدستور» أجرت جولة على بعض المكتبات بشارع الجمهورية بمنطقة وسط البلد، وتبين انتشار العديد من هذه الكتب المتطرفة، التى نعرض لها فى السطور التالية.


«الموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة»: يتحيز للتنظيم المتطرف وينتقد الصوفية
قال الباحث هانى عمارة إن كتاب «الموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة»، لمؤلفه مانع بن حماد الجهنى، يعد أحد الكتب الكلاسيكية التى كانت الجماعة تُدرسها لأعضائها، وتستعين بها فى التعريف بالتيارات الفكرية والدينية فى العالم، سواء كانت دينية إسلامية، مثل المذاهب الشيعية والصوفية، أو كانت مذاهب غربية حديثة مثل الداروينية والوجودية وغيرهما.
وأوضح أن هذا الكتاب صادر عن مؤسسة تدعى «الندوة العالمية للشباب الإسلامى»، وهى منظمة تأسست بالمملكة العربية السعودية وقت لجوء عناصر جماعة «الإخوان» إليها فى ستينيات القرن الماضى، ونجحت عبرها فى الترويج لأفكار التنظيم وإصدار مؤلفات متعددة تشيد بالجماعة وقادتها. وأضاف: «فى الصفحة رقم ٢٠٤ من (الموسوعة)، وفى قسم (الحركات الإصلاحية الحديثة)، نجد فقرة تقول: (ويتضح مما سبق أن جماعة الإخوان المسلمين حركة إسلامية معاصرة، هدفها تحكيم الكتاب والسنَّة، وتطبيق شريعة الله فى شتى مناحى الحياة، والوقوف بحزم أمام سياسة فصل الدين عن الدنيا، ووقف المد العلمانى، والعمل لإعلاء كلمة الله فى الأرض، من خلال حركة عالمية تبعد عن مواطن الخلاف، وتكوّن الشباب عبر هذه الدعوة الربانية لإصلاح أنفسهم وبيئاتهم وحكوماتهم، أملًا فى إعادة الكيان الدولى للأمة الإسلامية)».
وقال: «يتضح من الفقرة السابقة مدى تحيز الكتاب للجماعة وأفكارها، وإغفاله عما تورطت به من أعمال إرهابية واغتيالات وتطرف، ومدى اهتمام مؤلفه بتلميع الجماعة، فى الوقت الذى ينتقد فيه الصوفية والمذاهب العلمانية بشكل واضح ومتحيز وبعيد كل البعد عن الموضوعية المفترضة فى مثل هذه الدراسة».
وأكمل: «صدور هذا الكتاب عن مؤسسة تشارك فى الأعمال الخيرية ضَمن له الانتشار بشكل واسع، كما أن هذا الكتاب يعد مرجعًا أساسيًا للجماعة التى ترشحه لعناصرها، ولمن ترغب فى ضمهم إلى صفوفها، من أجل الاستفادة من الإشادة بالجماعة فى تجنيد عناصر جديدة».

«صفوة التفاسير»: يصف سيد قطب بـ«الشهيد» ويلعن مَن أعدمه


كشف الباحث هانى عمارة عن أن المؤلفات الخادعة للجماعة الإرهابية تضم أيضًا كتاب «صفوة التفاسير»، وهو من تأليف محمد على الصابونى، ويتكون من ٣ مجلدات، ونجحت الجماعة فى الاستفادة من شخصية مؤلفه، السورى المولود فى حلب- وقتما كانت أحد معاقل الجماعة فى ستينيات وسبعينيات القرن الماضى- ودراسته بالأزهر للترويج للكتاب. وقال: «مؤلف الكتاب، بصفته أحد خريجى الأزهر، جعل عددًا من كبار المشايخ، حينها، يكتبون مقدمات لكتابه، من بينهم شيخ الأزهر عبدالحليم محمود، بالإضافة إلى الشيخ السعودى عبدالله بن حميد، والهندى أبوالحسن الندوى، والمصرى محمد الغزالى، خاصة أن كتابه اعتمد على عدد من التفاسير القديمة فى موضوعه».
وأضاف: «رغم موضوع الكتاب، تعمد مؤلفه (الصابونى) الاعتماد على آراء الإخوانى سيد قطب فى عدة مواضع، كما وصف قياديى التنظيم حسن البنا وسيد قطب بأنهما (شهيدا الإسلام)، كما قال فى معرض ما كتبه عن قطب: (لعن الله مَن قتله)».
وذكر «عمارة» أن وصف «البنا» و«قطب» بأنهما «شهيدا الإسلام» غير موضوعى أو منطقى فى كتاب عن تفسير القرآن، ولا مناسبة له إلا أن يكون مؤلف الكتاب إخوانيًا يروج لاثنين من قادة الجماعة ويصفهما بالشهيدين.
وأكمل: «إلى جانب ذلك، فإن مؤلف الكتاب فى معرض تفسيره لسورة (الأنعام) ينقل عن كتابات سيد قطب وآرائه التكفيرية وأقواله فى الحاكمية، ووصفه المجتمعات الإسلامية وقادتها بـ(الطاغوت)، ومعتبرًا أن الدولة الحديثة هى دولة جاهلية، رافضًا أن يسن البشر لأنفسهم شرائع، واصفًا القوانين الوضعية بأنها كفرية».
وأشار إلى أن الكتاب نقل جزءًا من تفسير «قطب» لآيات الجهاد فى سورتى «المائدة» و«الأنعام»، وكأن ما قاله القيادى الإخوانى يعتد به وسط أصحاب التفاسير القديمة، مضيفًا: «كل هذا النقل عن الإرهابى (قطب) ومَن على شاكلته، وحديث الكاتب لقادة الجماعة يكشف بوضوح عن فكر المؤلف وانتمائه للتنظيم، واستخدام مؤلفه للترويج لأفكاره».


«تبسيط العقائد الإسلامية»: يدعو لتكفير المجتمعات المسلمة
كتاب «تبسيط العقائد الإسلامية»، من تأليف حسن أيوب، قال عمارة عنه: «إن هذا الكتاب الذى تدرسه الأسر الإخوانية، من تأليف أحد شيوخ الجماعة، لذا لا يتورع عن نشر أفكارهم وسط الكتابات عن العقيدة».
وأضاف: «فى الصفحة رقم ٢٦٤ من الكتاب يقول صاحبه الإخوانى: (وبذلك ندرك خطورة ما عليه الناس اليوم، فإنهم جميعًا، إلا من رحمه الله تعالى، قد انصرفوا إلى الأخذ من كل منهل غير الإسلام، وارتضوا كل تشريع إلا تشريع الله ورسوله، وحكموا بغير ما أنزل الله، راضين مستسلمين خانعين أذلاء متسولين، فبماذا يحكم ابن كثير عليهم وقد حكم على من هم أقل منهم انحرافًا بالكفر والقتل؟)».
وتابع: «هذا الجزء من الكتاب يحمل دعوة واضحة لتكفير المجتمعات الإسلامية، تحت دعاوى الحكم بغير ما أنزل الله، وفقًا لمعتقدات الجماعة والإرهابى سيد قطب، محاولًا تحريف النصوص القديمة وتغيير دلالاتها لتوافق أهواء الجماعات المتطرفة وأقوالها فى العصر الحالى».

«تعريف عام بدين الإسلام»: يهاجم الوطنية ويتناول «الجاهلية الجديدة»

ذكر «عمارة» أن كتاب «تعريف عام بدين الإسلام» لمؤلفه على الطنطاوى، يعد أيضًا مثالًا على الكتب التى استخدمها «الإخوان» للترويج لأفكارهم وسط مؤلفات تبدو أنها دينية تقليدية.
وقال: «مؤلف هذا الكتاب هو من إخوان سوريا، وكتابه أحد الكتب الأساسية التى تروج لأفكار الجماعة وسط جمع من الباحثين عن فهم الدين الإسلامى بشكل مبسط، لذا يجرى تداوله بشدة خارج صفوف الجماعة، وتنصح به عناصرها باعتباره كتابًا محايدًا وموضوعًيا، رغم أنه ليس كذلك فى حقيقته».
وأضاف: «فى الصفحة رقم ١٥٦ من الكتاب، قال مؤلفه: (فمن رغب بالفاحشة وزينها للناس بالصور العارية، أو القصص الداعرة، أو الأدب المكشوف، فهو من شياطين الإنس، ومن دعا إلى عصبية جاهلية (من الجاهلية الأولى أو الجاهلية الجديدة)، تجعل أمة محمد أممًا، وتحيل وحدتهم تفرقًا، فهو من شياطين الإنس، ومن صرف الناس عن طريق الجنة إلى طريق النار، وأنساهم ذكر الله واليوم الآخر، فهو من شياطين الإنس)».
وواصل: «النص السابق يتحدث عن (جاهلية جديدة) وهى أحد مصطلحات التكفيريين وزعيمهم الإرهابى سيد قطب، كما أنه يشير بشكل غير مباشر إلى أن فكرة الدول شيطانية، وكأن من يدعو إلى الوطنية يدعو لعصبية جاهلية، وهو ما يفيد الفكرة الإخوانية القائلة بعودة الخلافة، تحت قيادتهم بالطبع».

«مباحث فى علوم القرآن»: ينشر أقوال البنا بدلًا من الدلالات القرآنية

عن كتاب «مباحث فى علوم القرآن»، وهو من تأليف مناع القطان، قال «عمارة»: «موضوع هذا الكتاب هو علوم القرآن، لكن مؤلفه تعمد داخل كتابه الترويج لأفكار الجماعة دون مبرر».
وأضاف: «دون مناسبة استدعى مؤلف الكتاب أقوال حسن البنا الخاصة بـ(شمولية الإسلام)، ونقل عن الجماعة قولها إن الحكم بغير ما أنزل الله كفر، لذا يفضل الإخوان ترشيح هذا الكتاب باعتباره مرجعًا، رغم أن صاحبه لم ينجح فى الانفصال عن معتقداته الإخوانية وانتمائه للجماعة حتى فى معرض الحديث عن العلوم القرآنية».