رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نهضة أفغانستان!


فى كل التصنيفات الدولية، تأتى أفغانستان على رأس قائمة الدول الأكثر فسادًا، وتتذيل القوائم الخاصة بمتوسط الأعمار والخدمات الصحية ومستوى المعيشة والتعليم، وشهدت طوال السنوات، الأشهر، الأسابيع والأيام الماضية، سلاسل من التفجيرات، أدت إلى مقتل مسئولين حكوميين وقضاة وصحفيين و... و... ومع كل ذلك، قال وزير الخارجية التركى إن بلاده «ساهمت بشكل كبير فى نهضة أفغانستان»، من خلال الدعم، الذى قدمته لها فى مجالات مختلفة!.

كلام وزير الخارجية التركى، الذى نقلته وكالة أنباء «الأناضول» الرسمية، جاء خلال مشاركته الافتراضية، أمس الأول، فى حفل أقامه نظيره الأفغانى، بمناسبة الذكرى المئوية لبدء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وفى ذلك الحفل، قرأ سفير تركيا لدى كابول، رسالة من الرئيس التركى رجب طيب أردوغان إلى نظيره الأفغانى، أشرف غنى، أعرب فيها عن أمله فى نجاح مباحثات السلام المتواصلة «المتعثرة» بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، لإنهاء النزاع الذى تشهده البلاد منذ نحو أربعة عقود.

محادثات السلام، التى زعم أردوغان أنها مستمرة، انطلقت بوساطة أمريكية، منتصف سبتمبر الماضى، وتخللتها فترات توقف طويلة، ثم تعثرت بسبب الخلافات حول جدول الأعمال والإطار الأساسى للمناقشات والتفسيرات الدينية. والمفارقة أن زلماى خليل زاد، الموفد الأمريكى الخاص لأفغانستان، وصل إلى كابول فى اليوم نفسه، لمحاولة إعادة إحياء تلك المحادثات المتعثرة، فى ظل ارتفاع مستوى العنف فى البلاد، وبعد إعلان إدارة جو بايدن عن إعادة النظر فى اتفاق الانسحاب، الذى أبرمته إدارة ترامب مع حركة طالبان فى العاصمة القطرية الدوحة.

وفقًا لاتفاق الدوحة، الذى تم توقيعه فى فبراير ٢٠٢٠، قامت الولايات المتحدة بخفض عدد قواتها فى أفغانستان إلى ٢٥٠٠ جندى فقط، منتصف يناير الماضى، وكان من المقرر أن يتم الانسحاب الكامل بحلول مايو القادم، لكن تم تعليق هذا البند بسبب عدم التزام الحركة بتعهداتها، كما تم تعليق البند الخاص برفع بعض أعضاء الحركة من قائمة العقوبات فى أغسطس الماضى. وهناك ترجيحات بانسحاب إدارة بايدن من الاتفاق، الذى كنا قد رجحنا انهياره، منذ سنة تقريبًا، وفى مقال عنوانه «طالبان تتدلل»، أوضحنا أن اتفاق الدوحة الهش لم يكن أكثر من ذريعة لسحب القوات الأمريكية، وتسويق ذلك على أنه انتصار لترامب، قبل خوضه الانتخابات الرئاسية.

لتركيا قوات فى أفغانستان، منذ مشاركتها فى غزوها سنة ٢٠٠١، وفى ٢٢ ديسمبر الماضى، وافق البرلمان التركى على تمديد مهمتها لمدة ١٨ شهرًا. ومع أن تلك القوات تشارك فى مهمات حلف شمال الأطلسى، الناتو، إلا أن حزب العدالة والتنمية التركى الحاكم، حزب أردوغان، اعتاد على انتقاد العمليات، التى يقوم بها الحلف فى أفغانستان.

قرار مشاركة قوات تركية فى غزو أفغانستان اتَّخذته حكومة بولنت أجاويد، بعد هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١. واستمرت مشاركتها فى عمليات الناتو، بعد وصول أردوغان إلى الحكم، وتولت عدة مرات قيادة قوة المساعدة الأمنية الدولية «ISAF». وبسبب عدم حدوث أى هجمات على الجنود الأتراك، تم إبعادهم تدريجيًا عن المشاركة فى العمليات القتالية.

قبل «نهضة أفغانستان»، التى تتباهى تركيا بالمساهمة فيها، كان الشعب الأفغانى يأكل مما يزرع، واليوم صار يعتمد كليًا على المواد الغذائية القادمة من الخارج، فى شكل مساعدات. وبعد عشرين سنة إلا قليلًا، من وصاية الولايات المتحدة وحلفائها، لم يعد الأفغان يزرعون أى شىء قانونى، وقلّ عدد الأطفال الذين يحصلون على فرصة التعليم، ولو حصلوا عليها فإن نوعية التعليم تبعث على البؤس. ولا تزال حركة طالبان، التى تولت الحكم بين عامى ١٩٩٦ و٢٠١١، مسيطرة على مناطق كثيرة، وترفض قطع علاقاتها بتنظيم «القاعدة» الإرهابى.

تقريبًا لم تحدث نهضة أفغانية إلا فى إنتاج الأفيون الذى ازداد إلى عشرة أضعاف تقريبًا، خلال السنوات العشرين الماضية، والذى يذهب جزء كبير من عائداته فى تمويل الإرهاب، ويستثمر الإرهابيون وبارونات المخدرات الباقى فى شراء منازل فاخرة فى تركيا وقطر. وكانت أنقرة قد أطلقت، سنة ٢٠١١، مبادرة «مؤتمر إسطنبول من أجل أفغانستان»، الذى استهدف، بحسب زعمها «تعزيز التعاون الإقليمى مع كابول»، لكن ما حدث فعلًا هو أن تركيا قامت بتوظيف الإرهابيين الأفغان فى خدمة أجندتها التوسعية فى آسيا، كما فعلت فى شمال ووسط إفريقيا. ومعروف أن لدى تركيا مخزونًا استراتيجيًا من الإرهابيين لخدمة نفوذها فى دول العالم المختلفة.

هناك، إذن، «نهضة» فى أفغانستان، لا يراها غير الرئيس التركى ووزير خارجيته والعملاء والتابعين. وربما يحلّق فى سمائها، الآن، «طائر النهضة» السعيد، الذى عرفنا من الرئيس الإخوانى المعزول، محمد مرسى العياط، أن له رأسًا وأجنحة و«مؤخرة كالزعانف» ويغطّيه ريش، ثم اكتشف الأستاذ محمد البرادعى، صاحب نوبل، أنه يلد ولا يبيض!.