رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تطوير القرى والثقافة




تضع وزارة الثقافة خططها لجذب الشباب وبناء وعيهم وفكرهم وثقافتهم، ولا شك أن الواقع الثقافى لبلدنا يحتاج إلى أفكار كل مثقفيه ومفكريه، كما يحتاج إلى تكاتف كل جهد طيب للنهوض والارتقاء بالواقع الاجتماعى والثقافى.
يعتبر البرنامج القومى لتنمية وتطوير القرى المصرية من الأهداف النبيلة التى تتبناها الوزارة الحالية، والبرنامج عبارة عن تكليف صادر من رئيس الجمهورية لوزارة «التنمية المحلية» لوضع برنامج قومى يهدف إلى تنمية وتطوير جميع القرى المصرية، اجتماعيًا واقتصاديًا وعمرانيًا، بهدف تحسين جودة الحياة الاجتماعية لأهل القرى بمشاركتهم الفعلية فى عمليات التطوير ضمن مبادرة الرئيس «حياة كريمة».
والمعروف أن هذا المشروع سيسهم فى تغيير وجه الريف المصرى بشكل كبير، إلى جانب تحسين مستوى معيشة سكان القرى، كما يسهم فى تنفيذه معظم الوزارات، وهو ما يتطلب التنسيق الدائم والمستمر، وتطوير القرى التى ما زال بعضها بنفس الحالة منذ أن قامت ثورة يوليو ١٩٥٢، وما قبلها حيث لم يلحقها أى تطوير منذ تلك الفترة.
والمعروف أن القرية المصرية تعتبر العمود الفقرى للبنية الأساسية للمجتمع المصرى، فهى الأصل الذى تكونت منه حضارة مصر القديمة، فمنذ فجر التاريخ حافظت القرية المصرية على تقاليدها وعاداتها، وظلت صلبة وقوية ومتماسكة، فالقرية هى التجمع العمرانى لسكان الريف، وهى تعكس خصائص الإنسان الريفى ومزاياه المادية والبيئية والاجتماعية ومتطلباته الحياتية والوظيفية، لذلك لا يجب إهمال تطوير الجانب الثقافى والتربوى فى القرى المصرية.
فبعد أن قرر المشروع أن لكل قرية نصيبًا عادلًا من الخدمات المتنوعة فى البنية الأساسية والخدمات العامة، وأيضًا نصيبًا عادلًا فى المشروعات الاقتصادية، ليتحسن دخل أبناء القرى ويجدوا فرصًا للعمل الشريف المنتج، وأن يتم ذلك بمشاركتهم الفعلية فى التفكير وترتيب أولويات المشروعات والخدمات التى تحسن حياتهم، ويشاركوا فى تدبير احتياجات إقامتها والإشراف على تنفيذها وتشغيلها وإدارتها وصيانتها، والاستفادة العادلة من خدماتها، فتتحسن أحوال مواطنى القرى- ولكن يبقى الجانب الثقافى والتربوى والأخلاقى، ولعلنا نسينا أن الهجمات الظلامية التى داهمت مصر فى فترة السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات كانت عبارة عن مجموعات تحت شعار الدين، خرجت معظمها من القرى بسبب التخلف، وغياب الوعى القومى لدى معظم شباب تلك القرى، وحمل إلينا هؤلاء الدعاة الظلاميون أفكارًا من عصور سحيقة، وطغت علينا ثقافة الرمال القادمة من الصحراء، والعصور الوسطى.
يجب أن يتم التطوير الثقافى من خلال منظومة متكاملة تهدف لدعم الفنون والثقافة فى تلك القرى، بالإضافة إلى التوعية القومية والوطنية بقيمة ما يحدث فى القرى، والارتقاء بها ونشرها لدى مختلف فئات الشعب.
فى سبيل ذلك، يجب الاهتمام بالمشروعات الثقافية، ومنها إنشاء العديد من المكتبات العامة والمراكز الثقافية فى مختلف القرى والنجوع والأحياء الشعبية، وهذا من أهم الأعمال التى تضرب فى عمق مفهوم التنمية الثقافية، وإنشاء مراكز لتطوير الحرف التقليدية، وبرامج لمكافحة التطرف، ونشر ثقافة التعايش بين أفراد الشعب، وتنظيم دورات تدريبية لشباب الفلاحين وتوعيتهم بأهمية الحفاظ على المنجزات والمشروعات القومية، باعتبارها ملكًا عامًا تجدر المحافظة عليه وتنميته.
كما يجب الاهتمام بالجانب التربوى والأخلاقى، والذى يسهم بشكل رئيسى فى تكوين هوية الشخص، وصقل عقول النشء منذ الصغر بالقيم الراقية، وتزويده بمختلف العلوم الإنسانية، ما يساعد على بناء عقول بشرية مغايرة، لا تتأثر بالأفكار المتطرفة.
نريد للمشهد الثقافى الراقى والمتطور فى مصر أن يكون مؤثرًا، ليتحمل مسئولياته إلى جانب قطاعات الدولة، ويكون ذراعًا حقيقية للسياسة والاقتصاد والمجتمع، بعيدًا عن محاولات نشر ثقافة التطرف والتفرقة بين مواطنى الوطن الواحد، التى تقودها القوى الأخرى، بمادياتها وأفكارها وآرائها المتخلفة بعدم الثقافة.