رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التنين ليس عربيًا


عين حمراء أمريكية توقع البعض أن يراها ولى العهد السعودى، محمد بن سلمان، أمس الإثنين، بعد اجتهاد الرئيس الأمريكى، يومى الجمعة والسبت، فى تمرين «تحمير العين»، أى جعلها أكثر احمرارًا. لكن قبل ٢٤ ساعة من الموعد المرتقب، انطلق «تمرين التنين»، بين القوات الجوية السعودية ونظيرتها الأمريكية، ولعلك تعرف أن ولى العهد، هو نفسه وزير دفاع المملكة.
الرئيس الأمريكى أعلن مرتين، مساء الجمعة وصباح السبت، عن اعتزام إدارته الإعلان عن تغييرات كبيرة فى العلاقات الأمريكية السعودية، يوم الإثنين، عقب رفع السرية، يوم الجمعة، عن تقرير مخابراتى أمريكى، اتهم ولى العهد السعودى، بناء على تكهنات أو استنتاجات، بأنه وافق على اعتقال أو قتل المواطن السعودى جمال خاشقجى، الذى لقى مصرعه فى أكتوبر ٢٠١٨ داخل مبنى القنصلية السعودية فى إسطنبول. وعوقب ثمانية أشخاص عن ارتكاب الجريمة، بالإعدام والسجن، وبعد تنازل عائلة الضحية عن «حقها الخاص»، تم إغلاق القضية، فى الحق العام، بسجن المدانين بين ٢٠ سنة وسبع سنوات.
نكتب قبل صدور الإعلان المرتقب، الذى نعتقد أنه لن يتضمن قرارات قوية أو صادمة، كما لا نتوقع أن يتم، حاليًا أو لاحقًا، فرض عقوبات على ولى العهد السعودى، وتبرير ذلك، قدمته جين بساكى، المتحدثة باسم البيت الأبيض، لقناة «سى إن إن»، مساء الأحد، بقولها: «على مدار التاريخ، وحتى خلال حقبته الحديثة، امتنعت الإدارات الديمقراطية والجمهورية عن فرض عقوبات ضد قادة حكومات أجنبية تربطها معنا علاقات دبلوماسية، بل وحتى فى حال غياب العلاقات الدبلوماسية»، وأوضحت أن «هذه هى صورة أى مشاركة معقدة فى أمور العالم».
مصالح كبرى تجمع الولايات المتحدة بالسعودية، والبيانات والتصريحات الصادرة، قبل نشر تقرير خاشقجى، وبعده، أكدت قوة العلاقة بينهما. واستمرارًا للتعاون المشترك بين القوات المسلحة فى الدولتين، وبزعم الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، بدأ أمس الأول، الأحد، «تمرين التنين»، كما أشرنا، وقال البيان الصادر عن وزارة الدفاع السعودية إنه يهدف إلى تحقيق التوافق والتكامل العملياتى والتدريب على الاعتراض التكتيكى والتدريب القتالى والهجوم الجوى المضاد، وقمع الدفاعات الجوية للعدو.
بغض النظر عن المقصود بـ«العدو»، وبعيدًا عن الأهداف الحقيقية لهذا التمرين، أو توقيته، فإن ما لفت نظرنا هو اسمه: «تمرين التنين»، الذى لا نعتقد أن اختياره جاء مصادفة أو اعتباطًا، أو يرجع إلى قلة أسماء الحيوانات، كما لا نعتقد، أيضًا، أن قلة الأسماء هى التى جعلت إدارة باراك أوباما تختار لمناورتها مع كوريا الجنوبية اسم «التنين المزدوج» Double Dragon وهى مناورات بحرية، جرت بين ٢٧ مارس و٧ أبريل ٢٠١٤، وتضمنت تدريبات برمائية للإنزال على نطاق واسع، وأثارت كالعادة غضب كوريا الشمالية، التى تندّد بشكل روتينى بأى تدريبات مشتركة بين سيول وواشنطن وتراها بروفة لغزوها.
للتنين أهمية خاصة فى الثقافة الصينية، ويراه الصينيون رمزًا للحكمة والقوة والثروة والفأل الحسن، وكان شعارًا للأباطرة والحكام الصينيين، وظل يزين العلم الصينى حتى قيام الجمهورية الصينية، بداية القرن الماضى، ولا تزال وسائل الإعلام، الدولية، والمحلية، تقول: التنين الصينى ذهب، التنين الصينى جاء. بالضبط، كما تقول: الدب الروسى فعل.. الدب الروسى لم يفعل.
الأساطير الصينية تقول إن «التنين» واحد من أربعة حيوانات استدعاها الإله الخالق، پان كو، للمشاركة فى فعل الخلق. وفى كتابه «قوة الأسطورة»، رصد جوزيف كامبل اختلافًا، نراه مهمًا، بين النظرتين الصينية والغربية للتنين، أبرزها أنه رمز الخير فى الأولى، بينما التنين الغربى يحاول أن يجمع كل شىء من أجل ذاته، ويقوم بإخفائه، مع أكوام الذهب، فى كهفه السرى.
هذا الاختلاف، انتقل من عالم الأساطير إلى الواقع، وبموجبه صارت الصين أكبر شريك تجارى للسعودية، ولدول الخليج إجمالًا. ولم يعد اعتماد تلك الدول على بكين يقتصر على الجانب التجارى والاقتصادى فقط، بل امتد ليشمل الجانبين العسكرى والأمنى، وبات هذا الاعتماد يتزايد بشكل مطّرد، ما يعنى أن المواجهة الجارية بين الولايات المتحدة والصين، حال تصاعدها ودخولها مرحلة تكسير العظام، سيكون صعبًا أن تنحاز دول الخليج لـ«الحمار»، الذى هو رمز الحزب الديمقراطى الأمريكى، على حساب «التنين» أو الحزب الشيوعى الصينى.
ليس لدى «الحمار» الأمريكى ما يحارب به «التنين» الصينى أو «الدب» الروسى غير سلاح «الديمقراطية وحقوق الإنسان»، الذى سبق أن استخدمته إدارة باراك أوباما، ويجرى استخدامه، الآن، أو تجريبه، لابتزاز دول المنطقة العربية، ودول الخليج تحديدًا، ولاختبار قوة العضلات الأمريكية، قبيل تصاعد المواجهات المرتقبة. وبالتالى، كان على الأستاذ بايدن أن يدعه من تمرين «تحمير العين»، ويلعب تمرين «شارة التنين»، Dragon Flag، الذى اشتهر به «بروس لى»، وهو تمرين مهم، يقوم بنحت البطن من كل أجزائها العلوية، الجانبية والسفلية!.