رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شريف شعبان: هيرودوت ليس أبًا للتاريخ.. وهذه نصيحتى فى التعامل مع المصادر القديمة (حوار)

شريف شعبان
شريف شعبان

في كتابه الأخير "أشهر خرافات الفراعنة"، ناقش الدكتور شريف شعبان الكثير من الأمور المغلوطة التي تعلقت بالتاريخ القديم، وكيف أن هيرودوت وغيره نقلوا عن المصريين بتسطيح شديد، كما أن هناك الكثير من المقولات والأفعال التي تواترت إلينا لم تكن حقيقية، وبالبحث تبين خطأها، وشريف شعبان بخلاف كتابه فقد صدر له العديد من الكتب منها روايتين.. "الدستور" التقت به وكان هذا الحوار.

- آخر كتاب صدر لك هو "أشهر خرافات الفراعنة" مع أنك قلت إنه لا يوجد فراعنة ولا توجد خرافات، فلماذا كان التصدير بهذا العنوان؟

• على العنوان أن يكون صادما وجذابا، كي ينتشل القارئ ويجبره على قراءة المحتوى ويحدث لديه نوع من العصف الذهني وعدم توقع ما سوف يقابله بداخل الكتاب، وهذا ما أردت أن أفعله في عنوان "أشهر خرافات الفراعنة"، فالكتاب محاولة لتصحيح كل الأخطاء الواردة بحق الحضارة المصرية القديمة والراسخة في العقل الجمعي، سواء المحلي أو العالمي.

- في كتابك تقول إن هيرودوت أفّاق ولا يستحق أن يكون أبو التاريخ؟

• حينما زار هيرودوت مصر كانت في أسوأ حالاتها، حيث كتب ما رآه من سوء أحوال وانهيار حضاري وتدهور المجتمع، فلم يكن هيرودوت عالما أو أكاديميا، لكنه رحالة شحن أغلب صفحات مجلداته بالحوار والدردشة مع الكهنة وعامة الشعب الذين تحدثوا عن زمن فاتهم بآلاف السنين، إضافة إلى أن هيرودوت إغريقي لم يستوعب حكمة وعراقة المصريين القدماء أو لغتهم أو عاداتهم القديمة، لذا أرى أن لقب أبو التاريخ هو لقب لا يستحقه.

- سقت الكثير من الدلائل حاول بها البعض التحقير من عظمة المصريين.. لماذا في رأيك يحدث هذا الأمر؟

• هناك العديد من المؤرخين القدماء والهواة المعاصرين يرون أنها حضارة ضعيفة لم تقدم شيئا للبشرية، إما الكارهين لحضارة مصر القديمة مثل اليهود والصهاينة أو جهلاء بمفرداتها، مثل الإغريق والرومان أو الرحالة العرب، وكلا النموذجين لم يتفهم عظمة وقوة حضارة مصر القديمة وتفردها طيلة آلاف السنين.

- نقل الكثيرون حضارة مصر مشوهة ومليئة بالخرافات حتى المقريزي نفسه، وكلهم كانوا يأخذون عن مصادر مشبوهة لا تمت للحقائق.. هل معنى ذلك أن كل ما وصلنا هو كذب؟

• لا بدّ من التعامل مع المصادر القديمة بحذر شديد، لأن كل كَتبة تلك المصادر لم يجيدوا اللغة المصرية القديمة، وبالتالي وجدوا أن تلك النقوش الهيروغليفية ما هي إلا طلاسم سحرية، وتلك الأهرام والمعابد منشآت من عمل السحر أو قوى غامضة. فالمقريزي أحد أساطين التأريخ الإسلامي لم يفقه مفردات الحضارة المصرية القديمة، فتحولت كتاباته عنها مجرد حكايات خرافية لا تمت للحقيقة بصلة.

- أسهبت كثيرًا في الشكر لمانيتون السمنودي، وقلت إنه كان الأعظم في تدوين التاريخ، سوى أن كتابه حرق ولم يصلنا إلا القليل من تدويناته.. لماذا كان مانيتون السمنودي، وهل هو فقط من اهتم بتدوين التاريخ بشكل أمين؟

• تكمن براعة وأهمية مانيتون وتأريخه في كونه كاهنا مصريا يجيد اللغة المصرية القديمة، نشأ في كنف عادات المصريين تحت حكم البطالمة، وهذا ما مكنه بشدة في قراءة أغلب برديات المعابد ورصد تقاليد أسلافه باقتدار وتمكنه من إصدار تأريخ منضبط عن مصر القديمة إلى حد كبير، ولولا سوء الحظ في تلف تلك الكتابات لأصبحت هي الأهم عالميًا عن كتابات هيرودوت وغيره. لذا مني كل الشكر لهذا الكاهن القديم الذي أحاول إحياء ذكراه.

- كتبت "الأسقف ومناظرها عبر العصور" و"المآدب والولائم في مصر القديمة وحضارة الإغريق".. هل نرى مشروعًا جديدًا قريبًا يكمل هذه السلسلة؟

• أحضر لمشروع جديد عن تاريخ اليهود وآثارهم بشكل مختلف وفكر جديد عما كتب من قبل، حيث أرى أن المكتبة العربية تفتقر لمثل هذا الموضوع الشيق الشائك، اللهم إلا الموسوعة العالمية للراحل العظيم د. عبد الوهاب المسيري.

- ذكرت أن لعنة الفراعنة خرافة أشاعها المصريون لحماية مقابرهم.. كيف هذا؟

• عادة ما كان المصريون القدماء يكتبون عبارات تهديد ووعيد لكل من يحاول سرقة مقابرهم، وقد حاولت الصحافة الغربية إلصاق العديد من الظواهر الغريبة التي تحدث لمكتشفي الآثار بفكرة لعنة الفراعنة، لكن حقيقة الأمر أن هناك العديد من المكتشفين القدماء والمعاصرين الذين نجحوا في الكشف عن أسرار المصريين القدماء دون أن تصيبهم أي لعنة، كما أن سرقة المقابر قد بدأت من العصور القديمة نفسها، فلماذا لم يصب سارقو الهرم الأكبر أو مقبرة رمسيس الثاني بأي لعنة؟!

- في مسألة الأهرامات قال الدكتور مصطفى محمود لماذا لا نفترض أن القدماء المصريين أكثر عبقرية وأنهم وصلوا لقوانين الطفو ومضادات الجاذبية بدلًا من الخرافات التي ساقها تيودور الصقلي وغيره، وفي كتابك ذهبت في فصل كامل لنقض هذه النظريات.. ما هو رأيك؟

• حتى الآن لا يوجد إنسان على وجه الأرض يمكن أن يؤكد لك كيف بني الهرم الأكبر، حيث إن كل ما ظهر من نظريات أو افتراضات مجرد تكهنات قائمة على احتمالات، إما أن تكون صائبة أو محض خيال، وربما عدم تمكننا من معرفة سر بناء الهرم الأكبر، حتى الآن، هو جزء من لغزه الذي ما زال يحتفظ به بين جدرانه ولا نعرف متى سيبوح به ولمن.

- ناقشت كذب بني صهيون في رواياتك نبوءة سوداء وبنت صهيون.. كيف تقرر إن كانت هذه الفكرة سوف تصبح رواية أم كتابا تاريخيا؟

• الكتاب العلمي له أسس وقواعد ثابتة، أما الرواية فهي خيال صرف، قد يكون في بعض الأحيان مرتبطا بأحداث حقيقية كالرواية التاريخية. لذلك لا يجب أن نستقي معلوماتنا التاريخية من الرواية، ولكن يمكن للرواية التاريخية إلقاء الضوء على حدث تاريخي أو تبسيطه نظرًا لشيوع الرواية بين الشباب والعامة.

- هل تحتاج مناهجنا الدراسية في رأيك إلى إعادة قراءة للتاريخ وتغيير لما يتم تدريسه للطلاب في المراحل المختلفة؟

• مناهجنا الدراسية تحتاج لثورة فكر وتغيير شامل، خاصة فيما يخص مناهج التاريخ، فالطلاب بجميع مراحلهم يجهلون تاريخ مصر بكل عصوره نظرًا للكتب الدراسية العقيمة التي تبعد الطالب عن تاريخ بلده العظيم. لذلك أرى أن يتم تغيير مناهج التاريخ على يد شباب الأثريين وشباب علماء التاريخ بما يتماشى مع عقلية طالب المدرسة بداية من الصف الأول الابتدائي حتى المرحلة الثانوية.

- ما هو رأيك في الدراما التاريخية وهل يمكن النظر إليها باعتبارها مرجعا؟

• الدراما التاريخية بشكل عام لون هام ومفيد من ألوان الدراما، ولكن الدراما التاريخية المصرية تعاني من السطحية وعدم تحري الدقة في التفاصيل، سواء من حيث الأحداث أو الديكورات أو الأزياء. لذلك لا يمكن الاستعانة بالدراما كمرجع تاريخي، خاصة وأنها مثل الرواية والأدب نوع من الخيال الممزوج بالتاريخ وليست مصدر تأريخ علمي.

- ما هى الكتب التي ينصح بها شريف شعبان للقراءة في التاريخ؟

• أنصح بالاهتمام بقراءة تاريخ مصر، مثل موسوعة سليم حسن عن مصر القديمة والخطط المقريزية وتاريخ الجبرتي عن مصر في العصور الوسطى وبعض الكتب الميسرة، مثل كتب وليد فكري وصلاح عيسى أو التي تعطي سردا مبسطا لتاريخ مصر، إضافة إلى الكتاب المتميز "فرعون ذو الأوتاد" للباحث أحمد سعد الدين.