رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ابتزاز على نار هادئة


لا جديد فى قضية مقتل المواطن السعودى جمال خاشقجى، سنة ٢٠١٨، داخل القنصلية السعودية فى إسطنبول. مجرد تقرير قديم، كان فى أدراج المخابرات الوطنية الأمريكية، وتم نشره أمس الأول الجمعة، واتضح أنه لم يتضمن إلا استنتاجات وتكهنات وترجيحات، تكاد تتطابق مع تلك التى سبق أن نشرتها المخابرات التركية وروّجتها وسائل الإعلام القطرية والمعادية للسعودية، وربما كان ذلك، هو سبب عدم قيام الإدارة الأمريكية السابقة برفع السرية عنه.
لم يقدم التقرير أى أدلة، جديدة أو قديمة، ولم يقطع بإذا ما كان محمد بن سلمان، ولى العهد السعودى، قد وافق على قتل المذكور أم أمر بإلقاء القبض عليه. وطبقًا لتصريحات أدلى بها الرئيس الأمريكى، فإنه اطلع على التقرير فور دخوله البيت الأبيض، وعليه، لا نجد تفسيرًا أو تبريرًا، لنشره بعد أكثر من شهر، غير أننا أمام محاولة ابتزاز للمملكة، جرى، ويجرى، تنفيذها على نار هادئة «اتصال تليفونى بين وزير الدفاع الأمريكى، ونظيره السعودى، الذى هو نفسه ولى العهد، ثم مكالمة تليفونية بين وزير الخارجية الأمريكى، ونظيره السعودى. ولم يوقف استمرار المحاولة أو تطويرها، تواصُل العاهل السعودى مع الرئيس الأمريكى.
منظمات حقوقية، أو توصف بأنها كذلك، كانت تضغط على الرئيس الأمريكى، بحسب جريدة «نيويورك تايمز»، لكى يمنع، على الأقل، ولى العهد السعودى من دخول الولايات المتحدة. غير أن الجريدة نقلت، فى التقرير نفسه، عن مسئولين رفيعى المستوى فى الإدارة الأمريكية، أن بايدن توصل، بعد أسابيع من المناقشات مع فريقه، إلى أن ذلك سيلحق ضررًا بالعلاقات مع السعودية، وطبقًا لما قاله المسئولون، الذين لم تذكر الجريدة أسماءهم، فقد كان هناك توافق داخل البيت الأبيض على أن ثمن الإضرار بالعلاقات الأمريكية السعودية سيكون باهظًا للغاية.
بغض النظر عن صحة ما نقلته الجريدة أو عدمه، فإن الثمن سيكون باهظًا بالفعل. ولعل إدراك المملكة ذلك هو الذى جعلها تتعامل مع التقرير المخابراتى بنعومة شديدة، تقترب من البرود. صحيح أنها أعلنت عن رفضها القاطع لما تضمنه من استنتاجات مسيئة وغير صحيحة، إلا أن البيان الصادر عن الخارجية السعودية، الجمعة، أكد أن الشراكة بين البلدين قوية ومتينة، وارتكزت خلال الثمانية عقود الماضية على أسس راسخة قوامها الاحترام المتبادل، وأعرب عن أمله فى استمرار تلك «الأسس الراسخة التى شكلت إطارًا قويًا لشراكة البلدين الاستراتيجية».
قبل أسبوع من نشر التقرير، أجرى لويد أوستن، وزير الدفاع الأمريكى، اتصالًا تليفونيًا بالأمير محمد بن سلمان، أكد فيه أهمية الشراكة الاستراتيجية الدفاعية بين الولايات المتحدة والسعودية، وشدّد على أهمية دور المملكة المحورى لأمن واستقرار المنطقة. وجدّد التزام الولايات المتحدة بمساعدة المملكة فى الدفاع عن نفسها، وثمّن جهود السعودية للوصول إلى حل سياسى فى اليمن. وخلال الاتصال، جرى استعراض أوجه العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها، خاصة فى مجال التعاون الدفاعى، بالإضافة إلى بحث تطورات الأحداث الإقليمية.
المضمون نفسه تكرر فى اتصال تليفونى تلقاه وزير الخارجية السعودى الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله، الخميس الماضى، من نظيره الأمريكى أنتونى بلينكن. وطبقًا لما ذكرته وكالة الأنباء السعودية «واس»، فقد بحث الجانبان خلال الاتصال العلاقات الثنائية والشراكة الاستراتيجية بين السعودية والولايات المتحدة، واستعرضا أوجه التعاون بشأن التحديات الإقليمية والدولية.
أيضًا، خلال اتصال العاهل السعودى والرئيس الأمريكى، الخميس، أكد الطرفان، بحسب بيان البيت الأبيض، عمق العلاقة التى تربط البلدين، وأهمية تعزيز الشراكة بينهما بما يخدم مصالحهما ويحقق أمن واستقرار المنطقة والعالم. وأكد بايدن التزام بلاده بمساعدة السعودية فى الدفاع عن أراضيها، وأبلغ الملك بأنه سيعمل على جعل العلاقات الثنائية قوية و... و... إلخ.
على خلاف ما جاء فى بيان البيت الأبيض، الصادر الخميس، قال الرئيس الأمريكى، الجمعة، لشبكة «Univision» التليفزيونية الأمريكية الناطقة بالإسبانية، إنه أبلغ الملك السعودى بأن واشنطن «ستحاسبهم على انتهاكات حقوق الإنسان». وردًا على سؤال بخصوص تقرير «خاشقجى»، وإلى أى مدى تستعد واشنطن للضغط على الأمير محمد بن سلمان أو محاسبته، قال بايدن إنه تحدث إلى الملك وليس مع الأمير، وأوضح له أن القواعد تتغير وأن الولايات المتحدة ستعلن يومى الجمعة والإثنين، عن تغييرات كبيرة فى العلاقات الأمريكية السعودية.
أخيرًا، وبما أننا لم نر، الجمعة أو السبت، أى تغييرات كبيرة أو صغيرة، باستثناء فرض عقوبات على ٧٦ سعوديًا ومنعهم من دخول الولايات المتحدة، نعتقد أن حجم التغييرات، التى سيتم الإعلان عنها، غدًا الإثنين، سيكون مرهونًا بنتائج المفاوضات، المساومات أو محاولة الابتزاز، المستمرة، التى لا نتوقع أن تنتهى قبل جلوس محمد بن سلمان على عرش المملكة.