رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإعلام ومساندة الوطن


لم أعتد أن أمتطى ركب السائرين، فيما يذهبون إليه، حيال القضايا والأزمات، التى يُمكن أن تُثار بين فينة وأخرى.. لكننى تعودت أن أشارك بما يمكن أن يكون إضاءة على بعض ما يحدث، لعلنا نهتدى إلى الطريق الصحيح.. ولذا فلن أخوض فيما أثاره الإعلامى تامر أمين، وتناوله دورًا قضية تنظيم النسل فى بلادنا، لأن الموضوع قُتل تناولًا، وأقرت الجهات المختصة القرار الذى ارتأته لصالح المجتمع.. لكننى سأقفز نحو دلالات ما حدث، لعلنا نستطيع رسم خريطة، لما يمكن أن يكون عليه الإعلام، فى تناوله للقضايا القومية، وخاصة ما يتعلق منها بمكون الوطن الأساسى، وهو المواطن.
نتفق أولًا، على أن للإعلام دورًا متزايدًا وأهمية خطيرة، كأحد أسلحة العصر الحاضر فى تغطيته لإدارة الأزمات، نظرًا لما يتوافر له من قدرات هائلة، تتمثل فى انتقاله بسرعة كبيرة، واجتيازه الحدود وتخطيه العوائق، بما يملكه من وسائل مقروءة ومسموعة ومرئية، ولما له من قدرات هائلة على التأثير النفسى فى الأفراد، والسيطرة الفكرية وإقناع الجمهور فى المجتمعات المختلفة، ومن ثم إمكانية التحكم فى سلوكياتهم وتوجيهها، حيث تلعب وسائل الإعلام دروًا حيويًا فى معالجة الأزمات، من خلال التوعية والإرشاد والتوجيه، بالاتصال المباشر بين غرف العمليات الخاصة بمواجهة الأزمات، وبين جمهور المشاهدين والمستمعين والقراء، لتحذيرهم من الأخطار المحدقة التى تم التنبؤ بها، ومتى وأين ومكان وقوعها ومساراتها.. وتكمن أهمية دور الإعلام فى التخفيف من حدة الأزمات، بتزويد الجمهور بالحقائق، للحد من انتشار الشائعات، وتنوير الأفراد بما يساعدهم على تكوين رأى عام صحيح.. لكن أحيانًا يكون تأثير الإعلام فى الأزمات سلبيًا، وبدلًا من أن يوضح الحقائق وينشر الوعى ويوصل الأخبار، يكون ممرًا للشائعات ومصدرًا للمغالطات، التى تثير أزمات، تهدد المجتمع فى استقراره وتماسكه.
وبما أن معالجة الأزمة، أى أزمة إعلاميًا، تتطلب تكامل الجهود الأهلية والحكومية، المؤسسات والأفراد، ضمن رؤية عامة لحماية البلد وتحصينه من المؤثرات الناتجة عنها.. فقد أصبحت إدارة الأزمات إعلاميًا تخصصًا علميًا، له قواعده ونظرياته وأسسه وآلياته واستراتيجيته، تهتم بها، وتقوم عليها المؤسسات التعليمية الأكاديمية والبحثية والمؤسسات الإعلامية والسياسية والدبلوماسية، كل فى ما يخصه.. كما حظى إعلام الأزمات وأساليب مواجهتها باهتمام القيادات العليا فى أغلب دول العالم، لأنه إذا أخفق الإعلام، ولم يؤد دوره بشكل صحيح وإيجابى فى وقت الأزمة، عندها يتحول، هو نفسه، إلى كارثة، بدلًا من أن يكون وسيلة للحل.
اعتمدت معظم برامج «التوك شو» فى مصر، إلا القليل منها، على امتلاك صاحب البرنامج ناصية الكلام، منهجًا فى العمل.. فأصبح هو المتحدث فى كل شأن، العالم بكل أمر.. وغاب عن هذه البرامج التحديد الدقيق لمهمة من يقومون عليها، هل هم متحدثون رسميون بلسان الدولة؟ أم مُعبرون عن ذواتهم وثقافاتهم ومعتقداتهم الخاصة؟ أم محاورون، يناقشون قضايا بلدهم وأمتهم، مستعينين بأصحاب الرأى والفكر فى كل قضية؟.. بحيث يتحقق الهدف المطلوب لصالح الأمة، ويزداد المتلقى «المواطن» علمًا بكل ما يدور حوله من قضايا وإشكاليات، تعترض وصول الأمة إلى مبتغاها.. اختلط الحابل بالنابل، وصرنا فى مواجهة من يعتلون ناصية الشاشات، وقد راحوا يبرهنون على أنهم من يملكون الحقيقة، وأن آراءهم وتحليلاتهم، هى عنوان الواقع، ولا شىء سواه.. ولذا، فمن الأولى أن يكون هناك تحديد لمهمة مَن يتولى برامج «التوك شو»، بيان إطار تناوله لقضايا الأمة والمواطن، بدلًا من دخولنا فى أزمات بين وقت وآخر، لا لشىء، إلا لأن من يتناول موضوع الأزمة، لم يفرق بين ما يجب أن يقال، وما لا يجب، مراعيًا الذوق العام وحقائق المجتمع، بل ومعتقداته.
وإذا كانت وزارة الدولة للإعلام قد أخفقت فى رسم استراتيجية إعلامية للداخل المحلى، بعد أن أخفقت فى مثل ذلك خارجيًا، فى مواجهة أعداء الأمة، ومَن يتكالبون عليها، عبر منابر الإخوان فى الخارج، أو أولئك الذين يقولون على مصر بغير علم، فى دول أوروبا والولايات المتحدة، لأن هناك من يزيف الحقائق ويؤثر فى وعى هؤلاء، دون أن يكون لنا صوت إعلامى يؤثر فى النخب الحاكمة، فى الكونجرس الأمريكى أو الاتحاد الأوروبى.. أقول إن إخفاق الوزارة فى مهمتها خارجيًا، لا يجب أن يبعد بنا عن إصلاح ما قصرت فيه بشأن الداخل، من خلال الهيئات المختصة إعلاميًا، ممثلة فى المجلس الأعلى للإعلام، والهيئتين الوطنيتين، للصحافة والإعلام.. إذ يجب على هذه الجهات، من الآن فصاعدًا، وانطلاقًا من أزمة تامر أمين الحالية، أن تتخذ سبيلها، نحو رسم استراتيجية إعلامية وطنية تهتم بطريقة تناول القضايا القومية فى مصر.. تكون سبيلًا وخارطة طريق، يسير على هديها كل من يتصدى، على الشاشات أو على صفحات الصحف، لواحدة من قضايا الأمة والوطن، بدلًا من أن ينحصر دور هذه الهيئات فى «رد الفعل»، بعد أن تكون «الفأس قد وقعت فى الرأس».
إذا كنا قد قبلنا ذلك التقصير الحاد، فى دور إعلامنا نحو التبصير بتحديات الوطن، وما يتم على أرضه من تنمية غير مسبوقة، نقلت، وتنقل مصر إلى مصاف دول كبرى متقدمة.. وإذا كنا قد رضينا بذلك الضعف فى مواجهة الاجتراء على قامة مصر وقياداتها، من أزلام النظامين الاستبداديين، فى قطر وتركيا، ولم نمتلك القدر المهنى الكافى للرد على ترهاتهم وأكاذيبهم.. فلا أقل من أن نستنهض العقول التى يمكنها المساهمة فى إرساء ملامح جديدة للإعلام المصرى، حتى يكون على قدر مصر الحالى، وما ستصل إليه فى قابل الأيام.. تعتمد هذه الملامح على قاعدة المبادأة بنشر الحقائق الكاملة، درءًا لمفاسد ما يقوم به إعلام الشر فى الخارج، ذلك الذى يُخرج الحقائق المصرية عن سياقها، ويقدمها على أنها الواقع الفعلى.. المعلومة الكاملة المُسبقة، هى «الفاكسين» الذى نلقح به العقول، لتكون مهيأة لاستقبال فيروسات الإعلام المُضلل فى الخارج.. تحمى المواطن من الوقوع تحت وطأته، وتحفظ للوطن مكانته، وتُقر للذين يعملون على رفعة هذا الوطن، بأنهم أدوا ما عليهم، دون تفريط أو إفراط.. وهكذا يمكننا أن نصبح الوطن الصحيح، المعافى فى فكره، الآمن من غائلة الشائعات والأباطيل.
هى كلمة رأيت أن أكون قائلها، وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.