رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخط الفاصل بين المقبول والمرفوض فى الإعلام المصرى


حينما يتحول الإعلامى إلى بوق لإطلاق الرصاص على أبناء الشعب، فلا بد أن تكون فى مواجهته وقفة مدوية وطويلة، وحينما يطلق الإعلامى عبارات فجة ومسيئة لبنات مصر فى الصعيد، فإنه بذلك يكون قد أخطأ فى حق بنات بلدنا كلهن، وليس بنات الصعيد فقط، ويكون بذلك قد تعدى الخط الفاصل بين المقبول والمرفوض تمامًا من الشعب المصرى، وهو أيضًا بذلك يكون قد أدان نفسه، وحكم عليها بأقصى عقوبة يمكن أن تواجهه من الجمهور، وهى رفض ظهوره على الشاشة.
فمن منا يقبل أن تهان الفتيات والأهالى جهارًا نهارًا، وبشكل مطلق؟!.. إننى أرى أنه على الإعلامى دور كبير ومهم فى هذه المرحلة من تاريخ وطننا، وأرى أن دور الإعلام قد اتسع، وتأثيره قد أصبح كبيرًا على الرأى العام فى السنوات الأخيرة.
فى رأيى، قد أصبحت هناك حاجة فعلية إلى فهم دور الإعلام فى ظل المتغيرات الحالية والأحداث الراهنة من حولنا، ومن الضرورى والحتمى فى رأيى أن يكون الإعلامى مدركًا وظائف الإعلام الجديد ومتغيرات العصر الحالى، فلقد أصبح على الإعلامى أن يدرك وأن يعى أنه يعبر عن رغبات وطموحات وآمال وأحوال الشعب الذى يطل عليه من خلال الشاشة، وأن عليه أن ينشر المعلومة الصحيحة والخبر الصحيح، وأن يعمل على تشكيل اتجاهات الرأى العام بما يتلاءم مع المصلحة الوطنية والقومية، وأن يحرص على نقل المعلومة إلى القادة والمشاركة فى إيضاح الحقيقة، ورفع درجة الوعى بالقضايا المطروحة على الساحة والتوعية المطلوبة فى مختلف المشاكل والأزمات، وأن يدرك دوره الفعّال فى نشر القيم الأخلاقية والرقى بالفكر المجتمعى، وتوسيع الآفاق للعبور من القديم إلى الحديث.
وفى بلدنا- الذى هو فى مرحلة البناء والتقدم- وفى ظل أخطار عديدة لا تزال محيطة بنا، فإنه على الإعلامى أن يشارك فى حركة التنمية والتقدم، وأن يكون واعيًا للأخطار والمتغيرات التى تمر بوطننا، وعليه أيضًا أن يسعى إلى تقديم الواقع دون مبالغة أو إسفاف، وأن يكون حلقة الوصل بين المواطن والدولة، مما يسهم فى حل المشاكل والقضايا المطروحة على الساحة.
وليس من حق الإعلامى أن يُسىء لأى من أفراد الشعب، ما دام المواطن والمواطنة يقومان بعمل شريف، أو يؤديان خدمة للمجتمع أو الوطن، ومن الضرورى أيضًا على الإعلامى أن يكون راقيًا فى تعبيره وفى نقده أى قضية يطرحها فى البرامج، وليست مهمته أن يأخذ مكان القاضى فى الحكم على الناس، وألا يكون جلادًا عدوانيًا أو صوتًا متعاليًا على المشاهد، وفى رأيى أن الإعلامى يقاس بمدى قدرته على التواصل مع الجمهور، وكسب محبتهم واحترامهم.
بعض الإعلاميين استطاعوا أن يتخطوا حدود بلادهم ويعرفهم العالم، وأن يتحولوا إلى أيقونات عالمية تتجاوز شهرتهم شهرة نجوم السينما العالمية، وبعضهم أيضًا أصبح قدوة ومثالًا يحتذى به الناس فى أنحاء مختلفة من العالم، وهذه النماذج الناجحة لها صدى وتأثير كبير عند الناس، وأصبحت برامجهم محل حديث العالم، فزادت نجاحاتهم فى العالم واتسعت شهرتهم لدرجة أن جمهورهم أصبح يتابع باهتمام أخبارهم ومظهرهم، ويحرص على متابعتهم من خلال الفضائيات والمنصات الإلكترونية العديدة، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعى أيضًا.
فلقد تخطى الإعلام كل الحدود والمسافات، وعبر كل القارات، ولم تعد هناك حدود لشهرة الإعلامى، أو الفنان، أو لاعب الكرة أو الطبيب أو الصحفى أو الكاتب، فالشهرة قد أصبحت تعبر الحدود مع انتشار وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى والإنترنت وتويتر وإنستجرام ويوتيوب وغيرها من وسائل الاتصال العابرة للقارات.
وعلى المستوى العالمى، سنجد أن مقاييس نجاح الإعلامى العالمى تختلف عما هو حادث فى بلدنا، فأنا دائمًا، ومنذ سنوات طويلة اعتدت- بحكم عملى ككاتبة وكصحفية- أن أدرك أنه من ضرورات مهنتى وعملى واهتماماتى الحرص على مشاهدة ما يجرى فى العالم، والاطلاع على مستجدات الأحداث العالمية والمحلية، لهذا فمن أنشطة يومى الأساسية أن أتنقل بين القنوات لمشاهدة أهم الأخبار والمعلومات العالمية ومجريات الأمور على الساحة المحلية والدولية، وأيضًا متابعة البرامج المهمة والدراما والمنوعات والأفلام التى تعرضها السينما والشاشات المختلفة. ومن خلال هذه الخبرة، وجدت على المستوى العالمى أن الملاحظة الأولى لى هى أن من نجحوا فى العالم، وبلغوا شهرة عالمية لم يكن من فراغ، بل كان ذلك نتيجة جهد ودراسة ومهنية عالية، وقدرة على التواصل مع الجمهور واحترام المشاهد والرقى فى الحوار، والحرص على الإعداد الجيد للموضوع المثار فى البرنامج قبل الظهور على الهواء، هذا إلى جانب إدراك أهمية الكلمة وتأثيرها على الجمهور المتلقى للبرنامج.
وليس بين الإعلاميين على مستوى العالم مغرور أو فج أو متعجرف أو عدوانى أو متناحر أو متصنع أو متعالٍ على المشاهدين، وليس بينهم أيضًا من يطلق أحكامًا مطلقة على الجمهور. ومن هذه المنطلقات، أصبح الإعلاميون العالميون شخصيات عالمية شهيرة مثل: نجوم السينما ولاعبى الكرة مع اختلاف طبيعة برامجهم، وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر «أوبرا وينفرى» و«كريستيان أمنبور» و«لارى كينج» و«والتر كرونيكايت» و«الين ديجينيرس» و«ميجان كيلى» و«جيمى فالون» و«سيث مايرز» و«ديفيد ليترمان» و«ميشيل دروكير».
وفى مصر أيضًا لدينا أسماء لها مكانتها ولها تاريخها ولها قدرتها على التواصل مع الجمهور، وتقديم المعلومة واحترام المشاهد، والمشاركة فى رفع درجة الوعى العام بالأحداث وتقديم الخبر الصحيح، واحترام الشعب والمشاهدين، والمساهمة فى تنفيذ الأهداف القومية والوطنية، وذلك مع اختلاف نوعية برامجهم وخبراتهم، وأسوق هنا أمثلة لإعلاميين ناجحين فى مصر، منهم الآن «سناء منصور» و«إسعاد يونس» و«أسامة كمال» و«أحمد موسى»، ومن الشباب «جاسمين طه زكى» و«مها عثمان»، وقبلهم أجيال كانت لها ريادة ونجاح مع المشاهدين مع اختلاف نوعية برامجهم، منهم: «أحمد سمير» و«محمود سلطان» و«سلوى حجازى» و«ليلى رستم» و«زينب سويدان» و«نادية حليم» و«سوزان حسن» و«سهير شلبى» و«فريدة الزمر»، و«نجوى إبراهيم»، وغيرهم.
إن الإعلامى الناجح فى رأيى هو الذى يدرك أهمية دوره فى تشكيل الرأى العام واحترام الجمهور، وهو الذى يتحلى بالمهنية، ويحرص على احترام أبناء الشعب بمختلف فئاته، وهو أيضًا القادر على توصيل المعلومة الصحيحة لمشاهديه، ففى العقد الأخير أصبح الإعلاميون- نتيجة ظهورهم فى القنوات الفضائية- شخصيات تحظى بالشهرة السريعة، وذلك مع تقدم التكنولوجيا الحديثة، وتزايد عدد القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعى الذى شهده العالم فى السنوات الأخيرة، ورأينا بعد أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١ تحولًا سريعًا فى الإعلام نتيجة اعتلاء الإعلام وجوهًا كثيرة مع زيادة عدد القنوات فى مصر، وكانت تبث علينا برامج مختلفة وبعضها موجه لأغراض معينة، حسب مصدر تمويل كل منها.
وفى هذه الظروف، حدث ارتباك إعلامى وفوضى عارمة، وضاع كثير من الحقائق، وفى السنوات الأخيرة، تحول بعض الإعلاميين إلى وجوه تطل علينا من القنوات، بعضهم ليست لديه خبرة كافية، وبعضهم أصابه الغرور نتيجة الشهرة السريعة والثراء الفاحش الذى حققوه، وبعضهم ابتعد عن الموضوعية والتواضع المطلوبين فى الإعلامى، وهناك إعلاميون ابتعدوا عن الحرفية، وظنوا أنهم فوق المساءلة، وراحوا يقدمون ما يتراءى لهم بكل صلف وغرور، ونتيجة ذلك زادت أخطاؤهم.
واعتقد الآن أنه قد آن الأوان لأن نطالب المسئولين عن إدارة القنوات الفضائية بضرورة إجراء مراجعة عامة ومتابعة دورية لأساليب تقديم البرامج خلال السنوات الأخيرة، والأخذ فى الاعتبار بأن الإعلامى والإعلامية عليهما مسئولية قومية ووطنية فى مرحلة بناء مصر والدفع بها نحو التنمية والتقدم فى ظل ظروف صعبة وأخطار محيطه بنا، ولا بد من التحلى بالحرفية والرقى واحترام المشاهدين بكل فئاتهم، ورفع درجة الوعى بالقضايا المهمة، والارتفاع بمستوى الحوار والتواضع والبساطة والأناقة فى المظهر.