رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المعارضة والشخصية الوطنية


كانت ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ بالحشد الشعبى غير المسبوق فى التاريخ المصرى هى نهاية لحكم الجماعة، وبداية لعهد جديد كانت أمامه مهام جسام، أهمها وأخطرها إعادة هيبة الدولة واستقرارها، ومواجهة الإرهاب الأسود الذى لا يريد لمصر وشعبها خيرًا، فكانت النظرة للجانب الاقتصادى الذى بدأ بتحرير سعر الصرف، وبعملية الإصلاح الاقتصادى التى اعتمدت على تقليل الدعم بل إلغائه فى كثير من المجالات، الشىء الذى تحمله المواطن الفقير وأصحاب الطبقة المتوسطة، ذلك التحمل الذى دائمًا ما يشيد به الرئيس السيسى كثيرًا.
ثم كان الاتجاه فى عملية التعمير للمدن الجديدة والعاصمة الإدارية وشبكة الطرق والكبارى وغير ذلك كثير، وهو الشىء الذى أكد حالة الاستقرار الأمنى والسياسى، وجعل الاقتصاد يعافر ويواجه جائحة «كورونا»، مما جعل المؤسسات الدولية تشيد بهذه السياسات. هنا يجىء الدور المهم لبناء الشخصية المصرية الوطنية، هذا الدور الذى ركز عليه السيسى فى خطابه الذى ألقاه فى البرلمان بعد انتخابات الرئاسة الأخيرة.. وبناء الشخصية الوطنية هو الأساس الحقيقى والبناء الدائم الذى يحمى صلابة الوطن بوعى هذه الشخصية وثقافتها ومشاركتها فى اتخاذ القرار السياسى. والمشاركة فى اتخاذ القرار لا تكفى الآن بعد التغييرات السياسية فى العالم، وبعد انتشار «السوشيال ميديا» التى جعلت هناك اهتمامًا ودورًا ملموسًا ومقدرًا للرأى العام الواعى والمستنير الذى جعل هذه الديمقراطية شبه المباشرة قد أصبحت مشاركة ومكملة للديمقراطية النيابية التقليدية التى أصبحت فاقدة كثيرًا من فاعليتها، وهنا لا نستطيع ولا نملك التنصل أو عدم التأثر بهذه المتغيرات العالمية.
وعلى ذلك، وجدنا الرئيس السيسى يتحدث عن أهمية المعارضة الوطنية التى تعمل لصالح الوطن، والتى تعبّر عن مشاكل الجماهير، والتى تسعى لطرح قضايا المواطن، وهذا لا شك أحد أهم الأساليب لتكوين ومشاركة الشخصية المصرية فى عمل سياسى من خلال حياة سياسية.
فالمعارضة فى إطار النظام الدستورى المصرى التعددى هى جزء أصيل من النظام السياسى للدولة، بما يعنى أن كل حزب معارض إذا لم يحصل على أغلبية برلمانية لن يستطيع تشكيل الحكومة، ويجب أن يمتلك الحزب برنامجًا سياسيًا وحزبيًا يطرحه على الجماهير، ويتحرك من خلال هذا البرنامج وتلك الرؤية طارحًا موقفه ورؤيته تجاه أى قضية جماهيرية، أو أى قرار يتخذه الحزب الحاكم، وعلى أرضية وطنية تلتزم بالدستور وبالقانون، بما يعنى أن المعارضة لا بد لها من امتلاك هذه الرؤية السياسية لكى تمارس دورها المعارض.
وهذا غير المعارضة من أجل المعارضة، حيث إن هذا النوع من المعارضة هو فاقد، منذ البداية، لأى مصداقية جماهيرية، فتصبح الجماهير رافضة هذا النوع من هذه الممارسات الكيدية وليست السياسية.. هنا، لا بد من فتح النوافذ والتمكين من خلال كل الأساليب لكى تمارس المعارضة دورها السياسى المطلوب فى إطار الدستور والقانون؛ حتى تؤدى المعارضة دورها السياسى الذى هو لصالح الوطن والنظام والجماهير، وحتى تكتمل الصورة بالرأى والرأى الآخر.
ولا بد أن يعلم الجميع، سواء حزبًا حاكمًا أو أحزابًا معارضة، أن الموضوع ليس صراعًا على مغنم أو مكسب مادى أو اجتماعى بقدر ما هو منافسة سياسية نظيفة تستهدف صالح الوطن وصالح الجماهير.. كما أنه على المؤيد ألا يتصور أنه هو صاحب القرار الوحيد ولكنّ هناك رأيًا آخر مطلوب سماعه ومناقشته لإثراء الحوار، أما من يتخذ من المعارضة تكأة أو ستارًا زائفًا حتى يحقق أغراضه الدنيئة ضد الوطن فهذا لا يجب التعامل معه بغير القانون، والقانون وحده.
كما أن تعبير «صالح الوطن» هو تعبير يمكن التحاور حوله حتى لا تتداخل الأمور، وصالح الوطن هو صالح الجماهير الذى تسعى الأنظمة السياسية جميعها إلى هذا الصالح حتى يكون التوافق والتوحد والانتماء الذى نحتاجه جميعًا، وحتى نستطيع مواجهة كل هذه التحديات التى تواجه الوطن داخليًا وخارجيًا.
حمى الله مصر وشعبها العظيم.