رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأزمة السكانية.. قضية وعى وأمن قومى


على مدى عقود طويلة كانت الأزمة السكانية والزيادة العددية المتسارعة فى أعداد المواليد تمثل هاجسًا لمعظم الحكومات التى تولت شئون البلاد منذ ثورة ١٩٥٢ حتى يومنا هذا.. وكانت معالجات تلك الظاهرة تختلف من عهد إلى آخر، إلا أن أبرز تلك المحاولات- من وجهه نظرى- كانت من خلال وسائل الإعلام الهادفة التى راحت تنتج العديد من الأفلام التى تناقش هذه القضية، مثل «أفواه وأرانب» للراحلة العظيمة فاتن حمامة، وبعض الإعلانات الموجهة لأهلنا فى الريف والصعيد.. كما تم إنشاء المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، وتغيير اسم وزارة الصحة إلى وزارة الصحة والسكان، وكذلك المجلس القومى للمرأة.
وهنا أتذكر مقولة للسيد الرئيس فى مؤتمر الشباب عام ٢٠١٧، بأن أكبر خطرين على مصر فى تاريخها هما الإرهاب والزيادة السكانية، وإن كنا اليوم نرى أننا نجحنا، إلى حد كبير، فى القضاء على الإرهاب وفلوله، فإنه يجب أن نبدأ التركيز وبشدة على تلك المعضلة السكانية من خلال تكثيف الجهود لتوعية المواطنين بأهمية تحديد النسل والمخاطر المتوقعة فى حال عدم القدرة على تحجيم الزيادة السكانية.. منذ أن تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى قيادة زمام الدولة وهو يتصدى للعديد من القضايا الشائكة منذ أن كانت بلادنا شبه دولة فى أعقاب دحر جماعة الإخوان الإرهابية وإقصائها بثورة شعبية جارفة، ثم إعادة بناء مؤسسات الدولة المختلفة وتشكيل فواصلها، إلى مواجهة الإرهاب بكل عنفوانه ومحاولات تقسيم الدولة المصرية، وتلك التحديات الخارجية التى تواجهنا حتى الآن من حملات مسمومة لنشر الفتن والشائعات وتفكيك البلاد، وأزمات سد النهضة، والقضية الليبية.. وفى كل ذلك كان يمتطى جواد الحكمة والثقة والصبر إلى أن نجح فى تجاوز معظم تلك القضايا.. بيد أنه فى الوقت ذاته لم يكن الداخل المصرى غائبًا عن ذهنه، فاتجه فى أول مشواره الرئاسى إلى الاهتمام بصحة المواطن المصرى فى العديد من المبادرات الإنسانية، وقضى تمامًا على فيروس «c»، وتم نقل التجربة الناجحة إلى دول العالم المختلفة، ثم اتجه لتطوير العشوائيات وإنشاء مدن سكنية على أعلى المستويات الصحية والثقافية والرياضية، وسارع فى وضع أفكار لتطوير التعليم، وإدخال مبدأ الرقمنة والحوكمة فى معظم الوزارات والإدارات والجهات الحكومية المختلفة.
وها هو اليوم يعلن عن أكبر مبادرة تشهدها البلاد، وهى مبادرة «حياة كريمة»، مستهدفًا فيها الريف المصرى الذى كان محرومًا من الاهتمام سنوات طويلة عانى فيها من التهميش، بالرغم من أن هناك الملايين من أبناء ريف وصعيد مصر حققوا أعلى المراتب العلمية فى الداخل والخارج وكانوا خير سفراء لنا هنا وهناك، إلا أن هذا القطاع لم يحظ بهذا الاهتمام والزخم مثلما يحدث حاليًا فى مصر، حيث لم تكن السياسات التنموية للدولة المصرية بهذا الوضوح فى أى مرحلة من المراحل، كما لم يكن هناك مثل هذه التحديات التى نواجهها الآن، والتى تأتى فى مقدمتها جائحة «كورونا» التى داهمت جميع القطاعات الاقتصادية. وبالرغم من كل ذلك تبقى قضية الارتفاع فى معدلات النمو السكانى، الذى بات ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، هى الأهم والأخطر على كل ما تشهده البلاد من أعمال نمو ورخاء وازدهار.. وهذا الارتفاع ليس مسئولية شريحة اجتماعية بعينها، وليس مسئولية إقليم بعينه، بل إنه مشكلة وطنية لا يمكن تحميلها على فئة اجتماعية معينة، بل هى مسئولية مشتركة.
رأينا وسمعنا كلمة كل من الدكتورة وزيرة التخطيط ووزيرة الصحة بأن زيادة معدل النمو السكانى قد وصلت إلى ٢ مليون نسمة سنويًا، وأن أى مواطن لن يشعر بالجهد الكبير الذى تبذله الدولة والقيادة السياسية ولن يشعر الكثيرون بجودة الحياة والتغذية السليمة وتلقى العلاج الجيد والتعليم المناسب إلا إذا كان هناك تحديد وتخطيط للنسل، وأن الدولة تبذل قصارى جهدها لمواجهة الزيادة السكانية بحسبانها أصبحت تمثل قضية أمن قومى.. ولكن، هل سوف تتمكن الدولة وحدها من القيام بهذا الدور؟ من المؤكد هنا أن القرار الحقيقى فى يد المواطن، ولذلك يجب أن تكون لديه الإرادة والوعى الكافيين لخلق حياة كريمة له ولأطفاله.. ومن هذا المنطلق دعا السيد الرئيس جموع المثقفين والمفكرين والإعلاميين إلى التوعية بخطورة الزيادة السكانية الكبيرة فى مصر، وإقامة المنتديات لمناقشة تلك القضية، رافضًا اتخاذ قرارات حادة لمواجهتها اعتمادًا على تلك الروح الجديدة التى دبّت فى أواصر الشعب المصرى بمختلف فئاته وتوجهاته.
لكننا ونحن نتأهب للتصدى لتلك المسألة يجب أن نضع فى اعتبارنا أن هناك متغيرات جذرية قد طرأت على مجتمعاتنا فى ريف وصعيد مصر، وهى متغيرات جديرة بالاحترام والاهتمام، فقد تضاعفت الرقعة العمرانية فى العديد من المراكز والقرى، كما انفتحت تلك القرى بشكل كبير على النطاقين الإقليمى والعالمى عبر تدفقات الهجرة منها إلى ليبيا والخليج العربى وبعض الدول الأوروبية، وقد ساعد أيضًا انتشار وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصالات فى تنمية الوعى وظهور حالات من تحلل الروابط القبلية والنزاعات الفردية، وكذلك النزاعات الدينية والسلفية على وجه التحديد، وكلها مؤثرات تجعلنا ونحن نفكر فى البدء فى تلك الحملات نعى ضرورة اتباع أساليب وأفكار متطورة تحاكى تلك المتغيرات، ولا نكتفى بتلك البرامج الساذجة التى تتحدث بلغة الماضى الذى لم يكن صورة الريف فيه سوى الأراضى الزراعية والفلاحة المصرية والأمراض المتفشية.
أعتقد أن مبادرة «حياة كريمة»، التى تستهدف تغيير شكل الريف المصرى لتجعله يضاهى الدول المتحضرة، من الممكن أن تكون بداية قوية ومقنعة لشبابنا فى صعيد وريف مصر المقبلين على الزواج للمحافظة على مكتسباتهم المستقبلية التى حددها السيد الرئيس بثلاث سنوات على الأكثر بإذن الله.
ومن هذا المنطلق، وفى إطار المسئولية المجتمعية التى يجب أن نشعر بها جميعًا حاليًا بعد تلك الإنجازات التى تتحقق يوميًا على أرض الواقع، أرى ضرورة أن يتحمل كل مواطن مصرى تلك المسئولية بالكيفية التى يراها تتماشى مع رؤية الدولة من ناحية، ومن ناحية أخرى مع ثقافة المجتمع الذى سوف يتعامل معه فى تلك القضية.. وقناعتى هنا بأن على السادة أعضاء مجلس النواب المنتخبين من بطن هذه الأرض الطيبة يجب أن يكون لهم الدور الأكبر فى هذا المجال، فهم الأكثر تفهمًا لثقافات من وضعوا ثقتهم فيهم، وهم الأقدر على تحقيق جزء كبير من هذا الهدف.. ثم يأتى بعد ذلك دور الإعلام الهادف وليس الساخر، وأقصد هنا مسلسلات وأفلامًا وبرامج توعوية تروى قصص نجاحات وإخفاقات العديد من العوائل المصرية نتيجة زيادة السكان.. وبطبيعة الحال لا يجب أن نغفل دور العبادة والمدارس والجامعات ومراكز الشباب.. ولعل الفرصة هنا أيضًا أصبحت سانحة لمعظم الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة لإثبات مدى قوة تأثيرها الحقيقية على أرض الواقع، لعل هذا يحقق لها المصداقية والقدرة على ممارسة حياة سياسية أو برلمانية أو حتى فى المحليات المزمع الإعلان عنها قريبًا.
هناك مصلحة لدينا جميعًا، كمجتمع وأفراد وحكومة، فى خفض معدل النمو السكانى فى مصر حتى تظل الأسرة المصرية القوية السليمة هى الجبهة الأولى فى مواجهة هذا التحدى الخطير.
وتحيا مصر.