رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الوحش المخيف.. الدستور تفتح ملف الزيادة السكانية: انفجار يهدد بإهدار التنمية

الوحش المخيف
الوحش المخيف

«ما من مشكلة فى مصر إلا ومشكلة السكان طرف أساسى فيها، إنها القاسم المشترك الأعظم، والعامل القاعدى الجذرى فى كل مشاكل مصر، إنها المشكلة الأُس والرأس، من هنا فلا حل لأى مشكلة فى مصر أو لمشاكل مصر ما لم يبدأ من هنا.. السكان أولًا».. بهذا عبّر المفكر المصرى الكبير جمال حمدان فى كتابه «شخصية مصر» عن أهمية قضية السكان بالنسبة لمصر، والتحديات التى تتسبب فيها الزيادة السكانية لكل قطاعات المجتمع، كأحد أهم معوقات التنمية.

وفى ظل تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى، مؤخرًا، حول مشكلة الزيادة السكانية فى مصر، تفتح «الدستور» ملف قضية الزيادة السكانية وما تمثله من تحدٍ كبير للتنمية، اجتماعيًا واقتصاديًا، كما تناقش الدعوة لتنظيم الأسرة من وجهة النظر الدينية والاجتماعية، بالإضافة إلى الآليات المقترحة لضبط عملية النمو السكانى وكيفية تحويلها إلى مورد إضافى لا عبء على الدولة.


«الصحة»: مليار جنيه لتوفير وسائل تنظيم الأسرة بالمجان
قال الدكتور حسام عباس، رئيس قطاع السكان وتنظيم الأسرة بوزارة الصحة، إن الوزارة خاضت رحلة طويلة بغرض التحكم فى معدل النمو السكانى وتنظيم الأسرة على مدار السنوات الثلاث الماضية، مشيرًا إلى أن هذه الرحلة لم تنتهِ بعد، لأنها تدخل ضمن خطة التنمية «مصر ٢٠٣٠»، خاصة أن أى انفجار سكانى جديد لن تستطيع الدولة السيطرة عليه ومعالجة آثاره.
وأضاف: «خلال عام من نشر ثقافة الاعتماد على وسائل تنظيم الأسرة والتباعد الزمنى فى الإنجاب، انخفض معدل الزيادة الطبيعية لكل ألف نسمة إلى ١٧.٦ فى نهاية عام ٢٠٢٠، وانخفض معدل المواليد إلى ٢٣.٤، كما بلغ إجمالى زيارات منتفعات تنظيم الأسرة نحو ٢٢.٤ مليون زيارة، بدلًا من نسبة زيادة ١٨.٧ لكل ألف نسمة، ومعدل المواليد ٢٤.٥، وإجمالى الزيارات ١٨.٦ مليون زيارة فى العام السابق عليه».
وذكر أن البرنامج القومى لضبط النمو السكانى يهدف إلى خفض أعداد المواليد بمعدل ٥٠٠ ألف طفل بحلول عام ٢٠٢٢، مشيرًا إلى أنه تم حصر أعداد السيدات فى العمرالإنجابى بين ١٨ و٥٠ عامًا، التى وصلت إلى نحو ٢٢ مليون سيدة، لافتًا إلى مبادرة رئيس الجمهورية لدعم صحة المرأة أتاحت بيانات نحو ١١ مليون سيدة على مستوى الجمهورية.
وتابع: «لدينا ٩٫٤ مليون سيدة مستهدفة ضمن برنامج ضبط النمو السكانى، منهن ٨٫٥ مليون سيدة متزوجة، و٧٠٠ ألف امرأة عاملة، و٧٫٩ مليون امرأة غير عاملة، وسيجرى تقديم خدمات البرنامج من خلال (٣٦٨ مستشفى تكاملى)، بالإضافة إلى عيادات لمتابعة صحة المرأة ومبادرات الصحة العامة».
وقال: «سيجرى تقديم الخدمات أيضًا من خلال مراكز المشروعات الصغيرة للسيدات غير العاملات، لتوفير فرص عمل لهن، وتصنيع مستهلكات وزارة الصحة، مع توفير حضانات للسيدات العاملات وأطفالهن، وتقديم خدمات التطعيمات والرعاية الأولية، بالإضافة إلى جلسات التوعية والتثقيف والتدريب».
وأكمل: «يجرى العمل أيضًا على ميكنة خدمات صحة المرأة وتنظيم الأسرة، بهدف توفير جميع وسائل تنظيم الأسرة بالمجان بجميع المنافذ بشكل دائم، مع ربط المنتفعات بالأرقام القومية مما ييسر عملية المتابعة».
وختم حديثه بقوله: «لدينا ٥٤٠٠ نقطة لتنظيم الأسرة فى ٢٧ محافظة، وأكثر من ٤٠٠ إدارة صحية ومديرية، لخدمة مشروع توفير وسائل تنظيم الأسرة بالمجان، وهناك تعاون بين الصحة وباقى الوزارات المعنية فى هذا الشأن، وتم توفير الأجهزة المطلوبة، بالتنسيق مع وزارة التخطيط، بتكلفة تقديرية بلغت ٣٧٠ مليون جنيه، مع اعتماد الميزانية الجديدة المطلوبة لوسائل تنظيم الأسرة التى تقدر بنحو ٦٣٤ مليونًا و٤٠١ ألف، بزيادة كبيرة على ميزانية العام الماضى التى بلغت نحو ٢٥٣ مليونًا و٤٢٧ ألف جنيه».


اقتصادى:
إنجاب طفلين فقط مقابل مزايا معينة
ذكر الدكتور دياب محمد، المستشار المالى والخبير فى إدارة الأزمات الاقتصادية والمالية، أن المعالجة الحديثة لأزمة الزيادة السكانية تنظر للإنسان كمورد أو دخل، خلافًا للمعالجة القديمة التى تنظر إلى الإنسان كمستهلك للموارد، وترى أن الزيادة السكانية تتسبب فى زيادة الإنفاق من ميزانية الدولة.
وقال: «يمكن أن يتحول كل إنسان إلى مورد إضافى إذا نجحنا فى معالجة الأمر والتخطيط المسبق له، والمثال على ذلك هو تجربة الصين فى تحويل الكثافة السكانية إلى مصدر للقوة.. المورد البشرى عنصر من عناصر الإنتاج، وعلينا استغلاله، لأنه يمكن تطوير الدول من خلال العنصر البشرى الكفء، حتى فى حال ندرة الموارد والخامات، لكن إذا لم يتم ذلك فسيتحول المورد البشرى إلى عبء وتكلفة للدولة». وأضاف: «التخطيط المسبق يضعنا أمام ضرورة إعادة هيكلة إدارة الموارد البشرية فى مصر، وعلينا أن نجيب عن السؤال بشكل أوضح: هل نعتبر الإنسان أصلًا من الأصول وموردًا يجب استغلاله أم نعتبره عبئًا وتكلفة؟ فإن لم نتمكن من إدارة المورد البشرى فسنعانى من البطالة والبطالة المقنعة، ما يعنى أن الإنسان القادر على الإنتاج لا يتم استغلاله بالشكل المطلوب». وأكمل: «بشكل عام، لا يمكننا أن نحارب الطبيعة ونوقف التكاثر والزيادة السكانية، لكن يمكننا إدارة الزيادة السكانية عبر إدارتها بشكل فاعل، وتحقيق التباطؤ فى هذه الزيادة، عبر تحفيز الآباء تجاه إنجاب طفلين فقط، مقابل التمتع بمزايا معينة مثل التعليم المجانى وغير ذلك، مع حرمان غير الملتزمين من هذه المزايا».


«القومى للسكان»: المواطن الواحد يُكلف الدولة 13 ألف جنيه سنويًا و7 ملايين نسمة زيادة فوق المخطط
ذكر الدكتور عمرو حسن، المقرر السابق للمجلس القومى للسكان، أن هناك فجوة ضخمة بين أعداد السكان الحقيقية والاستراتيجية القومية للتنمية التى وضعتها الحكومة التى استهدفت وصول عدد سكان مصر إلى ٩٤ مليون نسمة خلال العام الحالى، بينما وصل العدد الفعلى إلى ١٠١ مليون نسمة بواقع زيادة ٧ ملايين نسمة فوق المخطط.
وقال إن المواطن الواحد يُكلف الدولة ١٣ ألفًا و١٠٠ جنيه سنويًا، منذ لحظة ولادته حتى يبلغ ٢٠ عامًا سواء تعليم أو علاج وغيرهما، مبينًا أن تلك التكلفة زادت بنحو ٩١٫٧ مليون جنيه على الدولة، مع الزيادة الأخيرة فى عدد السكان.
وحذر «حسن» من أن سياسة الإنجاب فى مصر إذا استمرت بتلك الطريقة سيتضاعف العدد إلى ما لا نهاية ويعوق أى محاولات للتنمية والتقدم وينشر الفقر والجهل، مبينًا أن تلك الأزمة لها أكثر من مسئول بداية من المواطن ونهاية بالوزارات.
وتابع: «الأزمة تمر بين عدة وزارات وهيئات، وبالتالى لم يعد لدينا مسئول بعينه نستطيع محاسبته عن ذلك الفشل الذى تسبب فى إهدار ملايين الجنيهات كان يمكن استغلالها فى التنمية بدلًا من إنفاقها على المواليد الجدد، ولا بد من إيجاد حل عاجل لهذه المشكلة الضخمة».
ورأى أن حل مشكلة الزيادة السكانية يبدأ بتحويلها إلى ملف حكومى تشرف عليه الحكومة، بما يسهم فى وجود شفافية يمكن من خلالها مساءلة المسئولين عن هذا الملف، وهذا لن يحدث إلا بزيادة الصلاحيات الممنوحة للعاملين فى المجلس القومى للسكان.
وشدد على ضرورة توفير الإمكانات والصلاحيات التى يحتاج إليها العاملون بالمجلس، لمساعدتهم على العمل من أجل حل المشكلة، خاصة أنه ليست هناك مشكلة فى الإمكانات المادية التى تخص الأزمة السكانية، فهناك جزء مخصص من الموازنة العامة بالفعل للمجلس القومى للسكان، إلى جانب المنح والقروض، والمطلب الحالى يخص الصلاحيات فقط.
وقال: «تلك الأموال لا تُدار بطريقة صحيحة، لأنه ليست هناك رؤية جدية فى التخلص من الزيادة السكانية»، لافتًا إلى أن أكثر الفترات التى استطاع فيها المجلس تحقيق الهدف المرجو من إنشائه كانت بين عامى ١٩٨٦ و١٩٩٦، لأنها الوحيدة التى شهدت أخذ الدولة على عاتقها العمل على تخفيض المعدل بشكل جدى.
واستكمل: «من العوامل التى تسهم فى الزيادة السكانية إلقاء مسئولية تحديد النسل على عاتق النساء فقط، وهذا غير صحيح، لأن الزوج والزوجة لا بد أن يتحدا للحد من الزيادة السكانية التى تعانى منها مصر»، مبينًا أنها مسئولية مشتركة بينهما، فهناك وسائل يمكن أن يستخدمها الرجل أيضًا لتحديد النسل.
واختتم «حسن» حديثه بالإشارة إلى دور لجنة التضامن الاجتماعى فى البرلمان، والتى كانت المسئولة عن ملف السكان، موضحًا أنه كان يجتمع دائمًا مع أعضائها لعرض وتقييم الاستراتيجية، مطالبًا اللجنة بتحديد الدور الذى تؤديه لتفعيل الاستراتيجية الخاصة بالسكان.


الأزهر:التنظيم جائز شرعًا للارتقاء بالمجتمع
قال الدكتور أحمد الترك، أحد علماء الأزهر الشريف، إن تحريم البعض تنظيم الأسرة دفع الملايين لزيادة الإنجاب نتيجة اعتقاد نشأ عن الجهل، ودفع ثمنه ملايين الأطفال الذين حُرموا من الرعاية الصحية والاجتماعية نتيجة الفقر وقلة الموارد.
وأضاف: «تحديد النسل جائز شرعًا، ويجوز للزوجين أن يلتمسا وسيلة من الوسائل المشروعة لتنظيم عملية الإنجاب بصورة تناسب ظروفهما، وتحريم قتل الأولاد خشية الإملاق لا ينطبق على تنظيم الأسرة لأن الأولاد لم يتكونوا بعد».
وتابع: «رأى الدين يدعو دائمًا للتوازن بين عدد السكان وتحقيق التنمية، حتى لا تؤدى كثرة السكان إلى الفقر، كما استنبط الإمام الشافعى ذلك من قوله عز وجل: (فإن خفتم ألا تعدلوا)».
وأشار إلى أن دار الإفتاء استقرت، فى فتواها، على أن تنظيم الأسرة من الأمور المشروعة والجائزة شرعًا، لأن الإسلام يدعو للغنى لا الفقر، كما يدعو للارتقاء بالمجتمع والأسرة، مؤكدًا أن تنظيم الأسرة يتسق مع منظومة التشريعات المصرية. وقال: «إضاعة المرء لمن يعول ليست فقط بعدم الإنفاق عليه ماديًا، بل أيضًا بالإهمال فى التربية الخُلقية والدينية والاجتماعية، لذا فالواجب على الآباء أن يحسنوا تربية أبنائهم دينيًا وجسميًا وعلميًا وخلقيًا، ويوفروا لهم ما هم فى حاجة إليه من عناية مادية ومعنوية».
وأضاف: «تنظيم النسل لا ترفضه نصوص الشريعة وقواعدها، قياسًا على (العزل)، الذى كان معمولًا به فى عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، ويجوز للزوجين أن يلتمسا وسيلة من الوسائل المشروعة لتنظيم عملية الإنجاب بصورة مؤقتة، إلى أن تتهيأ لهما الظروف المناسبة لاستقبال مولود جديد يتربى فى ظروف ملائمة لإخراج الذرية الطيبة التى تقر بها أعين الأبوين، ويتقدم بها المجتمع، وتفخر بها أمة الإسلام».
واختتم بقوله: «دار الإفتاء لا تجيز الإجهاض بأى حال من الأحوال بعد نفخ الروح فى الجنين إلا بمبرر مشروع، وهو التقرير الطبى المحذر من خطورة بقاء الجنين على صحة الأم».