رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يحيا الحب رغم فيروس «كورونا»


انتصر الحب على فيروس «كورونا» اللعين الذى ملأ الدنيا بالأحزان والمخاوف والآلام الجسدية والنفسية الموجعة، تسبب الفيروس اللعين فى رحيل أحباب وأصدقاء عنا كانت لهم غلاوة فى قلوبنا، صحيح أنهم لم يعودوا ولن نراهم ثانية، لكنهم سيبقون فى ذاكرتنا كما ستبقى فى ذاكرتنا شهور وأيام عشناها فى زمن صعب مستجد علينا فى كل شىء، حتى فى شكل وأسلوب حياتنا، فنحن نرتدى الكمامات، ونظل بها على وجوهنا فى حالة اختناق، نحاول أخذ النفس لتجنب العدوى، ونحمل المطهر حتى نطهر أيدينا كلما لمسنا شيئًا، ولا نتزاور ولا نقيم المناسبات السعيدة، ولا حتى الحزينة أو العزاء خشية الإصابة من قريب أو بعيد.
كما نحرص جيدًا على أن نحافظ على التباعد الاجتماعى طول الوقت، ونمنع السلامات الحلوة والقبلات والأحضان، حتى مع الأبناء ومع أعز الأحباب، رغم كل ما مر بنا وما زال يمر علينا دون أن نعرف له نهاية قريبة، فيبقى أن الحب استطاع، ولو ليوم واحد أو لبضعة أيام، أن ينتصر على الموت والمرض والعدوى، فانطلق الناس يعبرون عن مشاعرهم وأحاسيسهم المتبادلة خلال يوم عيد الحب.
ولا يزال العيد له أصداؤه الواسعة حتى اللحظة، إذ وجد الناس حول العالم فيه وسيلة لإحياء المشاعر بينهم، وذلك هروبًا من الفيروس الذى باعد بينهم وبين أحبابهم، ففى عيد الحب العالمى امتلأت مواقع التواصل الاجتماعى، ومواقع الإنترنت بالمعايدات والتهانى، والقلوب، والورود، والدباديب، ورسائل الحب أكثر من أى عام سابق، لتذكرنا بأن لنا قلوبًا لا تزال تخفق بمشاعر الحب، فتبادل الملايين التهانى والكلمات التى تعبر عن مشاعرهم فى مواقع التواصل الاجتماعى فى كل أنحاء العالم.
واستعدنا جميعًا ذكرى القديس فالنتين الذى يُقام عيد الحب تيمنًا به، فهو الذى انتصر للحب فى مواجهة طغيان الإمبراطور الرومانى كلاوديوس الثانى.. وتعود تفاصيل قصة القديس فالنتين إلى القرن الثالث الميلادى حينما أصدر الإمبراطور كلوديوس الثانى أمرًا بتحريم الزواج على كل الجنود فى جيشه حتى لا يشغلهم عن الحروب التى تخوضها الإمبراطورية، إلا أن القديس فالنتين حينما علم بذلك، قرر أن يتصدى لأمر الإمبراطور، وذلك بأن ينتصر للحب، فكان يقوم بعقد زواج الجنود مع حبيباتهم سرًا فى الخفاء، أى بعيدًا عن عيون الإمبراطور الطاغية، إلا أن الإمبراطور عندما عرف بذلك أمر بالقبض عليه، وتم سجنه، ثم أمر بإعدامه شنقًا كنوع من العقاب على ما فعله، وكان ذلك بتاريخ ١٤ فبراير ٢٦٩ ميلادية، ولذلك تم تخليد هذا التاريخ لتخليد ذكرى القديس فالنتين الذى رحل عن الدنيا بعد أن انتصر للحب، ودفع حياته ثمنًا لموقفه النبيل، وأصبح بعد ذلك يوم إعدامه فى ١٤ فبراير من كل عام عيدًا للحب، وتيمنًا باسمه أصبح يطلق عليه «عيد الفالنتين».
وهذا العام كان لعيد الفالنتين طابع خاص مختلف عن كل السنوات، فقد قرر المحبون أن ينتصروا للحب، ولم يستطع فيروس «كورونا» أن يمنع الناس حول العالم من التعبير عن مشاعرهم فى عيد الحب بشكل صارخ وواضح.. ورغم أنه قد أطل علينا فى زمن صعب يعانى فيه العالم كله من الفيروس اللعين إلا أن مواقع التواصل الاجتماعى ومواقع الإنترنت امتلأت على آخرها بصور القلوب الحمراء والتهانى المتبادلة بكل اللغات، وفى مصر امتلأت مواقع التواصل الاجتماعى والإنترنت أكثر من أى عام سابق باللون الأحمر لون القلوب، فانتشرت التهانى بالقلوب والدباديب والورود، وتبادل الناس بشكل عام، والمحبون بشكل خاص، الرسائل الرومانسية على فيسبوك وتويتر ويوتيوب وواتس آب والموبايلات.
كما امتلأت واجهات المولات ومحلات الهدايا بالهدايا الحمراء المبهجة المخصصة لهذه المناسبة الرومانسية، صحيح أنه لم تقم حفلات غنائية أو تجمعات أو لقاءات جماعية بين المتحابين فى الساحات والفنادق والحدائق ودور العرض والمسارح، وصحيح لم تقم حفلات لكبار المطربين والمطربات، كما كان يحدث كل عام فى ليلة الفالنتين للاحتفال بالحب.. إلا أن التعبير عن الحب ظهر بوضوح أكثر هذا العام.. ورغم كثرة الأنباء الحزينة لإصابات ووفيات «كورونا»، فإن الناس لجأت لمشاعر الحب كملاذ آمن فى مواجهة قسوة هذا الفيروس اللعين الذى غيّر من شكل الحياة.
وفى تقديرى أن الحب هو أسمى شعور عرفه الإنسان وفى رأيى أنه دليل إنسانيتنا.. وهو شعور يجعل قلوبنا تخفق بمختلف الأحاسيس التى تمر بنا، ويجعلنا نشعر بالسعادة والأمل والبهجة إذا ما كان متبادلًا وهو لا يستمر إلا إذا كان متبادلًا.. لكنه فى كل الأحيان يجعل الحياة ممكنة والصعاب محتملة.. والأحلام كبيرة ووردية، وللحب أشكال وأنواع وهو الذى يضفى علينا السعادة فى حالة تحققه بالشكل السليم والمتبادل.. إن الحياة بلا حب فى رأيى تتحول إلى صحراء جرداء بلا نهاية.
ومنذ قديم الأزل تغنى به الأدباء والشعراء والفنانون والفلاسفة.. وأسوق للقارئ هنا بعضًا من أجمل ما قرأت، وهى عبارات انتقيتها من كلمات مشاهير العالم من الفلاسفة والكتّاب الذين عبّروا عن الحب، يقول ويليام شكسبير: «يمكننا عمل الكثير بالحق، لكن بالحب أكثر»، ويقول جابرييل جارسيا ماركيز: «إن الحب يكون أعظم وأنبل ما يكون وقت الشدائد»، ويقول أفلاطون: «كل إنسان يصبح شاعرًا إذا لامس قلبه الحب»، ويقول جوته: «عندما تنام كل العيون تظل عيون الحب ساهرة»، ويقول مهاتما غاندى: «أينما يتواجد الحب تتواجد الحياة»، ويقول ديستويفسكى: «الحب هو كنز لا يقدر بثمن بحيث يمكنك استبدال العالم كله به»، ويقول نجيب محفوظ: «أقصى درجات السعادة هو أن نجد من يحبنا فعلًا، يحبنا لما نحن عليه، أو بمعنى أدق يحبنا رغم ما نحن عليه»، وهذا العام أقول: «يحيا الحب رغم زمن (كورونا).. ويحيا الحب كأروع إحساس عرفه الإنسان منذ بدء الخلق».