رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«علامات إنسانية».. حكايات الحب والعطاء في حياة هيكل

الأستاذ محمد حسنين
الأستاذ محمد حسنين هيكل

المثقف خالد عبدالهادى واحد من الذين اقتربوا بشدة من الأستاذ محمد حسنين هيكل ربما أكثر من أى شخص آخر حتى وصفوه بأنه «موسوعة هيكلية تمشى على قدمين»، لدرجة دفعت الأديب الراحل جمال الغيطانى بأن يقول عنه: «خالد لديه جميع الوثائق والتفاصيل عن اثنين يهيم بهما إنهما جمال عبدالناصر ومحمد حسنين هيكل.

إنه رجل لديه الكثير من الأسرار عن «رجل الأسرار الأول»، وقد كشف "عبدالهادي" أزاح الستار عن بعضها فى كتابه «هيكل.. علامات على طريق طويل»؛ والذي يقدم من خلاله لمحات إنسانية من سيرة الجورنالجي الأهم.

يقول خالد عبدالهادى: «أنا فى الأساس رجل أعمال، ورغم أن مجال عملى الرئيسى بعيد عن الصحافة، لكننى تقريبًا تجمعنى الصداقة وتربطنى المودة بمعظم المثقفين الكبار، أمثال أدونيس وعبدالوهاب المسيرى ونجيب محفوظ والكاتب الأمريكى نعوم تشومسكى، وصولًا للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل».

ويضيف: «علاقتى مع الأستاذ حكمتها طبيعة خاصة، فقد كنت عاشقًا قلمه ومغرمًا بكتاباته منذ فترة طويلة، وتحديدًا منذ اللحظة التى اطلعت فيها على كتابه (خريف الغضب) خلال حقبة الثمانينيات، لأبدأ من لحظتها فى الاطلاع على كل مؤلفاته، ثم الحصول على مقالاته وحواراته وتحقيقاته الصحفية كافة».

لم يكتف «عبدالهادى» بذلك، وتحرى عن لقاءاته التليفزيونية ومقابلاته الإذاعية، وجمع ٥٦ مقدمة كتبها لكتاب آخرين، كما زار عواصم عربية وغربية للالتقاء بالشخصيات التى قابلها «هيكل» خلال مسيرته.

يقول: «منذ لقائى الأول به عام ١٩٩٤، كنت حريصًا على معرفة كل كبيرة وصغيرة عنه، وبدأت فى تعقب نشاطه المهنى ومراقبة إبداعه الصحفى فى مهده، ثم رصد وجهه الإنسانى، ذلك الوجه الذى لم أر مثيلًا فى نبله أو شهامته، وربما كان هو الدافع الذى جعلنى أسطر حروف كتابى (هيكل... لمحات إنسانية».

وتحدث عن التركيبة الإنسانية الفريدة لـ«هيكل»، ومن أهم ملامحها تعامله مع أحفاده، قائلًا إنه امتلك فلسفة خاصة عن الطفولة، وكان يعرفها بأنها «عالم هائل من الحيوية والبراءة والخبث الإنسانى كله»، كما كان يقول: «ليس أجمل من الجلوس برفقة طفل.. فى تلك اللحظة أشعر بأننى ألامس الإنسانية فى براءتها الأولى». لهذا لم يستغرب «عبدالهادى» من تعاملات «هيكل» مع حفيدته «نادية» ابنة نجله «أحمد»، التى لم يحدث مطلقًا أن رد لها طلبًا، وكانت فتاته المدللة. ويشدد على أن «الأستاذ كان سابقًا ومبادرًا بالعون والدعم، منه ما يقال والكثير لا يمكن الإفصاح عنه. فمثلًا عندما وجه إليه الدكتور جابر عصفور طلبًا بدعم مركز الترجمة وجدته يدفع المبلغ فورًا، وتلك واقعة كنت شاهدًا عليها.

واقعة أخرى سمعها وجرت فصولها فى خريف عام ١٩٨١، خلال «اعتقالات سبتمبر»، فبينما «الأستاذ» موجود فى سجن طرة، فاتحه بعض المعتقلين بأن ظروف القبض عليهم المفاجئة حالت دون تدبير أحوالهم المالية لأسرهم وأبنائهم، خاصة فى ظل اقتراب العام الدراسى من البدء. بسرعة شديدة، طلب «هيكل» أن تعد له قائمة بأسماء الأشخاص المحتاجين المساعدة، وأثناء التحقيق معه أمام المدعى الاشتراكى سربها لأحد أفراد أسرته، وسلمت السيدة قرينته «هدايت تيمور» المبالغ إلى تلك الأسر بنفسها، تنفيذًا لرغبته التى أكد عليها فى خطابه.

ويعتقد «عبدالهادى» أن الصورة المبهرة التى ظهر بها «الأستاذ» كصحفى وسياسى، كانت السبب الرئيسى فى بريقها ولمعانها تلك التفاصيل الإنسانية التى كانت بعيدة عن سلطة السياسة وسطوة الصحافة.

يقول: «مثلًا الفنانة الراحلة نادية لطفى ساعدها بصور كثيرة، والأمر ذاته مع الفنانة تحية كاريوكا، وهناك المئات من القصص لو أفضنا فى الحكى عنها فإننا بحاجة إلى ألوف الصحف.

ويضيف: «تجلت اللمسة الإنسانية لديه أيضًا فى طريقة تعامله مع شباب الصحفيين، فالهدوء والصبر والعطاء كانت الصراط الذى مر عليه كل من حاول الدخول لدنياه من الأجيال الجديدة. فهو من جانبه لم يكن يغضب من أسئلتهم أو يجد حرجًا فى الإجابة عنها، ودائمًا ما وجدته يردد: (لا بد من إعطائهم الفرصة كاملة حتى يفهموا عصرهم)». ويستكمل: «وجدته يقول بأن جزءًا من الإنسانية هو الاطلاع على تجارب الآخرين، لهذا ظل حريصًا على ارتياد المسارح وزيارة السينمات، وفى كل عام جرت العادة على أن يذهب إلى النمسا وتحديدًا إلى مدينة سالزبورج لحضور الاحتفال السنوى الذى تقيمه المدينة لموسيقارها العظيم موتسارت، فقد كان متيمًا بالاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية، ثم لاحقًا يشد الرحال إلى إيطاليا، وهناك يبدأ فى زيارة المتاحف».