رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عارفة عبد الرسول.. حكاية فنانة تخلق شخصياتها من جعبة الحكايات

عارفة عبد الرسول
عارفة عبد الرسول

صبية، تصرخ، وتستغيث، من شدة الضرب على قدميها، العصا تلو الأخرى، يد الأب الثقيلة تصفعها على وجهها، لأنها أخطأت في عملية حسابية، أثناء بيعها منتج لأحد الزبائن، القرش "صاغ" كان كفيلًا بأن يثير غضبه.

الأم تحلم باسم ارستقراطي لطفلتها، والأب يصر على أن تُسمى بـ"عارفة" تيمنًا باسم جدتها، وهو ما استقروا عليه، فناداها أقاربها بـ"ميرفت"، وسُجلت بـ"عارفة"، تقول: "أثناء عروضي المسرحية، والحكي، يهنئني بعض أقاربي وينادوني ميرفت، لكنني تصالحت مع عارفة، وأحببته، وهو ما كان يدفعني للاجتهاد والمذاكرة في الدراسة، حتى لا يتندر علىّ المدرسين، يعني اسمك عارفة، ومش عارفة الإجابة، حتى أنني كنت أتحايل وأتظاهر بأني عارفة"، حسب برنامج "لسه فاكر" على إذاعة "نجم fm".

"يا عارفة، يا عارفة" الأطفال، ينادونها، لتقلد لهم والدها، حركاته عينيه، تجهم وجهه، صراخه، وتحكي لهم حكاياتها التي تهون عليها قسوته، فتعلّق أهلها، وإخوتها، وأصدقائها، بحكاياتها المثيرة، تقول: "كان والدي يغلق علىّ باب محل البقالة، ويضربني، كي لا تسنح الفرصة لأحد البائعين لإنقاذي".

كان الحكي منقذًا لـ"عارفة" من براثن قسوة الأب "كان بيقتلني ضرب، أي غلطة ألاقي الصفعة على وشي" لذا قررت الحكي عن هذه اللحظات، لكل من حولها، تعيش، لتنقذ نفسها، إلى أن حققت شهرة في العائلة، وكانت تدعى لحفلات السمر وأعياد الميلاد، لتحكي.

عاشت عارفة عبد الرسول طفولتها، في محل "بقالة" والدها بالإسكندرية، 30 عامًا، تبيع وتشتري، تشارك البائعين، سعادتهم، وأحزانهم، الأكل والشراب، لترفع عن كاهل الأب مسئولية الأسرة، تقول"كنت أنا الكبيرة، وحسيت إني مسئولة مع والدي عن الأسرة، وكنت بمثابة والدة لإخوتي الصغار".

لم تعش في حضن والدتها، أو في كنف ورعاية الوالد، دخلت السوق وهي لا تزال صبية، لم تلتف إلا بعد أن وصلت الـ30 من عمرها.

من رحم حكايات بنت البقال
لم يخطر ببال عارفة عبد الرسول وهي تحكي لأصدقائها، وعائلته، عن قسوة والدها، أنها ستقدم هذه العروض أمام الجمهور بعنوان "حكايات بنت البقال" باقتراح من زوجها المخرج مصطفى درويش.

عاشت "عارفة" في الإسكندرية، عملت في إذاعة الإسكندرية، وشاركت في عروض مسرحية، وظل حلم المجيء للقاهرة، مؤجلًا، إلى أن سقطت عن كاهلها مسئولية أولادها بتخرجهم من الجامعة، وتحمّل زوجها المخرج مصطفى درويش المسئولية، وساندها في بدء رحلة جديدة قائلًا "سافري واشتغلي، وأنا هتحمل مسئولية الأولاد".

من براثن الحكايات، تخلق عارفة عبد الرسول شخصياتها الفنية التي تجسدها في أعمالها الفنية، ففي مسلسل "الميزان" 2016 قدمت شخصية السيدات اللاتي عايشتهن في حي "الحضرة" بالإسكندرية، تقول "أنا أعرف هؤلاء السيدات، عشت معهن في شبابي، كنت أراقب إحداهن وهي تسب وتلعن ابنها بداعي وبدون، وأخرى تدخن السيجارة وهي تقف في شباك شقتها، تحكي مع كل من يعرفونها بالشارع".

تخرج هذه الشخصيات من جعبة "عارفة" على خشبة المسرح، تنفخ فيها الروح، مثلما جسدت حكاية أشهر سيدة عاشت معها في الإسكندرية، تدعى "أمينة"، فضلًا عن أخريات، عاشت معهن بـ"الحضرة".

"الكتابة تفتح الجروح وتكويها" حسبما يقول الروائي الأسباني خوان خوسيه مياس، وهو ما حرك الفنانة عارفة عبد الرسول لإتقان شخصيتها التي قدمتها أمام الفنان أحمد أمين في الموسم الأول لبرنامج "البلاتوه"، خاصة وأن والدها كان يعاقبها لأنها مثلًا، سحبت كرسي وجرته فأزعجه، فظهرت بهذه الكاريزما، وأجادتها.

لا تسعى "عارفة" لتحضير الشخصية التي تجسدها في أي عمل فني، بل تخرج من جعبتها، مخزونها، ما عايشته، تستدعيه ليخرج للجمهور في إطار جديد، حسبما خُطط له في سيناريو العمل، حتى أنها عندما قدمت شخصية "نجاة" في فيلم " من 30 سنة" 2016، استحضرت مخزونها، وجدت شخصية صاحبة البانسيون التي تكذب، وتختبئ، وتحمي أولادها بأي طريقة، وتستنكر كذبها في أي مواجهة، رغم أنها ليست كذلك، وتقول "عارفة": "قبل تقديم الشخصية، أحاول دائمًا أن أجد مرادفًا للشخصية التي سأقدمها، من حكايات حياتي، فأنا لدي مخزون كبير، عشت سنين طويلة، أخزن، فلا ألجأ للتحضيرات الطويلة، الشخصية تخرج بعفوية تامة".

وتجيد "عارفة" تقديم الشخصيات من خلال أدق التفاصيل المكتوبة في سيناريو العمل، خاصة وأنها تجيد التقاط السمات الشخصية من الواقع، تقول "بعرف إذا كانت الشخصية شعبية، أو ارستقراطية، استخلص جذور هذه الشخصية من جملتين فقط، واستطيع تقديم الشخصية بأكثر من طريقة".

الاحتفاء بالصعب
بدأت الفنانة عارفة عبد الرسول، في سن متأخرة، وهو ما لم يسمح لها بالتمهل والتروي لاختيار الأعمال التي تشارك فيها من عدمه، تقول "لا امتلك رفاهية الاختيار، فما يُعرض علىّ أقدمه، لكن الحظ يحالفني بأن ما يعرض علىّ جيدًا".

عندما قدمت "عارفة" شخصية "بسيمة الخادمة" في مسلسل "لا تطفئ الشمس" عام 2017، ظهرت صورتها للمرة الأولى في حياتها على أفيش عمل فني، قالت "كنت سعيدة للغاية، خاصة وأنها المرة الأولى، لكن عندما كنت أشاهد صور الأبطال في لافتات بمفردهم، كنت أدعو يارب نفسي أشوف صوره لوحدي زي دول، ففوجئت بأنهم صنعوا لي صورة بمفردي مثلهم، فكنت في غاية الفرح".

وتؤمن أن الفنانين الشباب لديهم، فرصة لتقديم أعمال فنية جيدة، في ظل التطور التكنولوجي الحالي، وتسعى للتعلم منهم، ولا تتنازل على أن تشارك في أي عمل فني إلا بطبيعتها وعفويتها، ففي أثناء مشاركتها مع الفنان أحمد عز في مسلسل "أبو عمر المصري" 2018، واجهت حاجز نفسي خلقه "عز"، فاعترضت لأنه لن تستطيع العمل بإجادة، فكيف تجسد شخصية من المفترض أن تحنو على البطل، وتحتضنه، وبينهم هذا الحاجز أثناء التصوير، قالت "عارفة":"يبدو أن كلامي وصل لأحمد عز، ففي اليوم التالي جاءني وقبّل يدي، خاصة وأنه كان يعاملني بجفاء، نؤدي المشهد، وننصرف".

الأدوار الصعبة، تستوي الفنان عارفة عبد الرسول، رغم أنها لا تعترض على تقديم أدوار كوميدية سهله، فهي تحتفي بشخصية "حسنية" مثلية الجنس، تحب "نوسة" التي جسدتها الفنانة هنا شيحة في مسلسل "موجة حارة" 2013، فضلًا عن شخصيتها في مسلسل "أبواب الخوف" التي أدت فيها دور شخصية ممسوسة بالجن.

وتعترف أنها لا تتلكأ عن تقديم شخصية تحبها مهما كانت صعوبتها، فبعد اختيارها لمسلسل "أبواب الخوف" من خلال اسطوانات لعدد كبير من السيدات اللاتي تقدمن لأداء الدور، أبلغها المخرج أحمد خالد بصعوبة الدور ومشقته خاصة أنها ستعلق من قدميها في سقف الغرفة، لكنها تحمست لتقديم الشخصية.

وحكت "عبد الرسول" أنه أثناء تصوير بعض المشاهد التي ستعلق فيها من قدميها في سقف الغرفة، سقطت قطع الإسفنج الملفوفة حول قديمها لتقيها قوة الحبل، فصرخت "نزلوني، نزلوني، رجل هتتكسر"، فسألها المخرج "مش عارف ناخد المشهد ده ولا إيه؟"، فردت:"لا هنصوره أكيد"، وأعيد تصوير المشهد عدة مرات، لصعوبته.