رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أن نثق بما نراه.. كيف غيرت الفوتوغرافيا التاريخ؟ (الجسد)



ساهمت الفوتوغرافيا في تشكيل مفاهيمنا عن الجسد في العصر الحديث. ،فبظهور تيارات ما بعد الحداثة والحركات النسوية لم يعد الجسم موضوعًا بسيطًا يمثل بهدف البهجة البصرية واللذة المثيرة ، فقد أصبح من الواضح أن الجسد مثار جدل كبير. وتصر النظريات الجديدة على أن تمثيل الجسم في الفنون البصرية أمر أساسي لبناء المجتمع لاستكشاف العلاقات عامة .
انطلق العديد من الفوتوغرافين للاعتماد علي جسد المرأة كمحور هام في الفوتوغرافيا الفنية رغبة في إعادة إنتاج مفاهيم جديدة للأفكار السائدة عن الجنس والدين،إذ يعد جسد المرأة واحدا من العناصر الأكثر استخداما إجتماعيا وثقافيا، باعتباره قد يحمل العديد من الدلالات التي تتعلق بالهويّة والمحرم والمقدس .
بدأ دخول الجسد العاري في الفوتوغرافيا كفن ودراسة مثل الصور الإباحية الفيكتورية Victorian pornographic images التي مثلت أوضاع جنسية صريحة في مقتبل القرن الماضي ولم يكن الهدف منه التوثيق . في عام 1800 حولت جوليا مارجريت كاميرونJulia Margaret Cameronشخصية الأنثي من عارضة جامدة صامتة إلى امرأة حيوية وديناميكية، تعبر عن شخصية مستقلة .


من مجموعة المصورة Julia Margaret Cameron

وفي عام 1855 ومنذ تلك الفترة وحتى اليوم ، ظل تمثيل الجسد العاري موجودا في الفوتوغرافيا لأغراض مختلفة جدًا ، مثل دراسات الحركة لـMuybridge في عمله ( (1877




صور بهدف دراسة الحركة للمصورMuybridge
قام الفنانون الفرنسيون بتحويل التركيز الجنسي من الذكر إلى الجسد الأنثوي ، باعتباره متناقضا مع جسد الذكر المشدود والقوي مركزين علي صفاته المميزة من مرونة وأمومة وخصوبة ، العديد من هؤلاء المصورين كانوا في البداية رسامين. وكانت صورهم تستخدم كدراسات للجسد من قبل زملائهم الفنانين ،لكنها صارت جزءًا من التحول في الثقافة الفرنسية.
مارست العديد من النساء التصوير الفوتوغرافي مثل (Kasebier) كازبييه التي اعتمدت في صورها علي تمثيل المرأة داخل منزلها وتصويرها كأمهات مفصولات تماما عن الرجال وهو توجه واضح لتحقيق النظرة الإجتماعية للمرأة كربة بيت ،فقد تعمدت أن تبرز الصفات الإنجابية والأمومية وأن تخلو صورها من الإغراء الجنسي وتسعي أن تكون صورها كاللوحات الفنية .


من مجموعة المصورة Gertrude Käsebier

مع ظهور السريالية في أوروبا خلق تصور جديد عن الجسد في أعمال المصور Andre Kertesz يتضح المفهوم السريالي حيث قام بتشويه جسد النساء العاري بواسطة مرايا منحنية



إعادة تمثيل الجسد في صورة سريالية (Andre Kertesz)
عبر قرن ونصف ، تأثر مفهوم جسد المرأة كعنصر جمالي بالثورات الصناعية والتكنولوجية والجنسية. فقد أعطت الثورة الصناعية النساء الفرصة للانضمام إلى القوي العاملة وبالتالي تطور الجمال الطبيعي كبديل لوضع المرأة الأمومي ،مما دعي لتعريف جديد لأجسام النساء .
تلقى تحرير المرأة الدعم من أتباع فرويد ، الذين ركزوا علي التفريق بين الصفات الجنسية الذكورية والأنثوية ،ومع عشرينيات القرن الماضي اعتمد الفوتوغرافين علي عدم التلاعب والمعالجات في الصور والتركيز الحاد ووجود تونات متباينة من الأبيض والأسود في تلك الفترة كان تمثيل جسد الأنثي العاري هو السائد ، فيصور دون وجه مع التأكيد علي خصائصه المميزة وانحنائاته بصورة مباشرة خالية من التلاعب وفي أوضاع عادية لا تعبر عن دلالة بعينها بهدف تجريد الأعضاء الجنسية
يقولBill Dobbins " صور العديد من الفنانين الموهوبين الجسد الأنثوي لفترة طويلة جدًا ، لذا فإن القدرة على التوصل إلى نهج جديد لموضوع له مثل هذا التاريخ الطويل يجب اعتباره فرصة رائعة."
ساهمت الموجة النسوية الجديدة في الخروج من الهيمنة الذكورية وخلق تناول مختلف لصورة المرأة وجسدها واشتغل فنانو ومصورو ما بعد الحداثة في موضوعات محظورة وتابوهات محرمة
تعد Marina Abramovic مارينا إبراموفيتش من الشخصيات الرائدة ، التي تجسد أعمالهاهذه الموجة . في عملها الفني "البطل" (2001) ، تظهر ممتطية حصانًا أبيضًا وتحمل علمًا أبيضًا كرمز للسلام تجلس في وضع طالما صور فيه الرجال في اللوحات الكلاسيكية قديما ،وضع الجلوس هو وضع ذكوري كلاسيكي في هذا العمل تعرض قراءات بديلة للتاريخ وخلق معادل بصري للبطولية النسائية


البطل Marina Abramovic
وثقت المصورة Hellen van Meene من خلال مشروعها مقرب وشخصي صورا شخصية لأصدقائها،تعتمد المصورة في مشروعاتها علي تصوير المراهقات في أماكن مختلفة معتمدة علي اقتناص اللحظة الدقيقة في حياتهن التي يتحركن فيها بحريتهن أمام الكاميرا، والتي تتأرجح بين الطفولة والبلوغ فتظهر الشابات في الصور كما لو كن عارضات أزياء محترفات .



مشروع مقرب وشخصي للمصورة Hellen van Meene.

تمثل أماندا شارشيان ، أنواع الحب عبر التركيز الحسي على الشكل الأنثوي مع التجريد ، في الصورة يدي امرأة مكبلة بالأصفاد فوق رحمها. تمسك بيضتين صغيرتين في راحة يدها المفتوحة ، مما يؤكد الإحساس الصارخ بواجب الإنجاب المفروض على النساء.



Amanda Charchian
اشتغل بيل دوبينز علي جسد لاعبات كمال الأجسام إذ يري أنه ممتليء بالتناقضات فقد يبدو حسيًا أو غريبًا لدرجة أنه يبدو لاجنسيًا تمامًا. يقول بيل "اعتمد علي تحدي النسخة المألوفة من الجسد الأنثويمن الاستدارة الناعمة التي نتوقعها ، وأخلق شكل بواسطة العضلات ، مما ينتج مستويات وزوايا مفاجئة ، هناك أوضاع وزوايا معينة يمكن من خلالها مشاهدة الجسد ، مما يعطي بسهولة وهم الأبعاد الثلاثة"


رغم محاولة النساء المصورات هدم النظرة الذكورية لهن التي تواصلت عبر قرنين من الزمن إلا أنه وفقا للناقدة يانسن يلاحظ أن وسائل الإعلام تميل إلى وضع المرأة في سياقها الذكوري بطريقة مختزلة. تقول "الصور التي التقطتها النساء لا تحتوي علي نقطة مغايرة لرواية الذكر".
استخدم الفوتوغرافيون جسم الإنسان كموضوع أساسي أو كوسيلة لحث المشاهد على التفكير بشكل نقدي في القضايا المتعلقة بالنوع gender والقضايا السياسية والثقافية والجنسية والإجتماعية المعاصرةوهذا مرتبط إلى حد كبير بصدق الصورة الفوتوغرافية وقدرتها علي التشابه مع الواقع ، لأن هذا التشابه هو الذي يسمح للخيال الجنسي والرغبة أن يحدثا ، كما أن تمثيل الجسد أيضا هو تمثيل لقوة الرموز الاجتماعية والثقافية ، والبنى التي تشكل و تؤثر على الجنس والنوع.