رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حماية الأسرة وتأمين الزوجة ضرورة وليس ترفًا


من المؤكد أننا أمام مجلس نواب جديد يضم ١٦٤ سيدة من مختلف المجالات، ومن مختلف التخصصات والأعمار، وهى نقلة حضارية، وقفزة تاريخية لم تحدث فى تاريخ مصر، لكنها- فى تقديرى أيضًا- ليست من قبيل الترف أو استكمال المظهر الحضارى لمصر، إنما هى أيضًا تضع النائبات الجدد أمام مسئولية تاريخية بأن يسهمن فى تطوير أحوال المجتمع المصرى.
تطوير أحوال المجتمع المصرى لن يتم بالنوايا الحسنة، إنما يمكن أن يتم من خلال تطوير أحوال المرأة المصرية، عماد الأسرة، وحجر الزاوية فى رعاية الزوج والأبناء، ولا بد أن ندرك أنه على أرض الواقع ليس لدينا أى تأمين للزوجة أو الأرملة بعد انقضاء فترة طويلة فى رعاية الزوج والأبناء، ولا غطاء حماية لائقًا حتى الآن فى قانون الأحوال الشخصية.
ولقد آليت على نفسى دائمًا أن أكون نصيرة ومدافعة عن قضايا المرأة، باعتبار أنها عماد الأسرة المصرية، ونظرًا لما لمسته من قهر وظلم لها فى التنشئة وفى التعليم وفى القوانين، وكافحت وكتبت- وما زلت أطرح قضاياها- أملًا فى حصولها على المساواة التامة والعدالة والكرامة منذ صغرها وحتى وفاتها.
هناك ملايين النساء والبنات اللاتى ليس لديهن وسيلة للتعبير عن مشاكلهن، وهن فى أمس حاجة إلى طرحها للتصدى لها، ولحلها ولتحسين أحوالهن، أننا ما زلنا فى حاجة إلى درجة الوعى المجتمعى بمساواة المرأة، وبحماية حقوقها، وأيضًا بتطوير القوانين الحاليّة التى بعضها لا يتواكب مع مبدأ حمايتها، وتحسين أحوالها، ولا يتلاءم مع التداعيات الاقتصادية والاجتماعية التى حدثت فى السنوات الأخيرة، والتى تتطلب إعادة النظر فى تنظيم العلاقات بين الأفراد بداخل المجتمع.
وإذا كان الرئيس السيسى والحكومة والأحزاب قد أتاحوا للمرأة الفرصة بأن يكون نصف عدد المرشحين على القوائم من السيدات، مما سهل الدفع بهذا العدد الكبير فى البرلمان المصرى، فإنه فى المقابل عليهن أيضًا أن يدعمن مشروعات القوانين التى تدعم المرأة فى المجتمع والتى تكفل لها الحماية والرعاية اللازمة كمواطنة وناخبة قامت بدورها الوطنى وأعطت صوتها للمرشحات، ما أتاح لهن الفوز بمقاعد البرلمان.
ولهذا فإننى أطالب النائبات بأن يشكلن جبهة لإصدار قوانين جديدة لحماية المرأة وصون كرامتها، وليس فقط المساهمة فى التواجد بالبرلمان، وأقول هذا لأن لدينا عدة مبادرات ومشروعات فى اتجاه تقدم المرأة وتحسين أحوالها، فالمجلس القومى للمرأة، برئاسة مايا مرسى، قد تقدم بمشروع لتطوير قانون الأحوال الشخصية، أتمنى أن تتم مناقشته فى الدورة الحاليّة، خاصة أنه قد تمت موافقته، ومناقشته فى مجلس الوزراء، وهو يطرح عدة مواد جديدة فيما يتعلق بالنفقة للمرأة المطلقة، وهى فى تقديرى قضية مهمة فى حياة كل امرأة، لأننى قابلت كثيرًا من النساء يتخلى عنهن أزواجهن، أو يبحثون عن تغيير حياتهم فيقومون بطلاقهن، ومن ثم يجدن أنفسهن بعد رحلة كفاح طويلة معهم بلا نفقة، كما يجدن أنفسهن بلا مأوى وبلا شقة يعشن فيها، أو بلا عمل لائق أو دخل مناسب يقيهن شر السؤال والعوز، وحينذاك يصبحن فى مواجهة المجهول.
لذا فإننى هنا أتحدث عن مشكلة النفقة بعد سنوات عمر كثيرة تكون فيها الزوجة قامت برعاية وخدمة زوجها وأبنائها، ثم حينما لا تصبح فى سن الحضانة يتخلى عنها الزوج ويطلقها، أو تجد الزوجة نفسها أرملة بلا تأمين مادى يحميها من سؤال الغير.
هنا تصبح فى حالة يرثى لها، وقد تكون أحيانا حاضنة ويقرر الزوج أن يطلقها، وأن يتزوج بأخرى، وأن يعيش هو فى شقة الزواج، وتجد الزوجة المطلقة نفسها فجأة دون نفقة لائقة أو دون شقة مناسبة تعيش فيها، لأنه قد يأخذ الأولاد معه ليعيشوا رغمًا عنهم مع زوجة أب لا يعرفونها، مما ينتج عنه شرخ نفسى للأبناء يسبب لهم مشاكل نفسيه عديدة، وتنتج عنه ممارسات سيئة فى حياتهم نتيجة إهمال رعايتهم، وخروج أمهم من البيت بلا مأوى، وبلا تأمين يكفل لها أن تعيش حياة كريمة معهم.
أعرف سيدة طلقها زوجها بعد أن أنجبت منه ٤ أبناء، وبعد حياة استمرت ٢٠ عامًا، حيث تعرف على امرأة أخرى، ولما رفضت زواجه منها، طردها من البيت بعد أن طلقها، وهى منذ شهرين تعيش على إعانات من الأقارب، وتبحث حاليًا عن أى عمل لتعيش منه، وهى غير مدربة على أى عمل، لأنها تفرغت- وفقًا لطلب الزوج- لخدمته وخدمة أبنائهما، وأنا حاليًا أبحث لها عن أى عمل شريف، يصون لها كرامتها، وهى تعيش مع أختها وزوجها ضيفة عليهما، بكثير من الحرج والحزن على ما آلت إليه أحوالها....!!
وفى مجال نفقة المطلقة بعد هذه الفترة الطويلة، أعجبتنى مؤخرًا مبادرة جديدة أيضًا أصدرتها مجموعة من الخبراء تحت عنوان «معًا لحماية الأسرة المصرية»- وفى مقدمتهم إنجى فايد، الخبيرة فى التاريخ المصرى القديم والفرعونى، والمحامى حسام لطفى- وهى تهدف إلى أن يعطى الرجل جزءًا من ثروته «١٣» إلى زوجته فى حالة طلاقها بعد أن تعيش معه لمدة طويلة أو فى حالة وفاته، وهذا الحل ليس جديدًا فى الإسلام، لأنه مستمد من الفقه الإسلامى «الفقه المالكى» حيث إن لدينا فى الفقه الإسلامى ما يسمى «فقه الكد والسعاية»، وهذا الفقه تطبقه بعض الدول الإفريقية المسلمة.
وحينما عدت إلى الوراء أيضًا، إلى تاريخ الإسلام، وجدت أن هناك فتوى مهمة لثانى الخلفاء الراشدين الفاروق عمر بن الخطاب الذى كانت فترة خلافته مثالًا للعدل والرشد والفتوحات الإسلامية، ففى عهد خلافته توفى عمر بن الحارث الذى كان زوجًا لامرأة هى حبيبة بنت زريق وكانت حبيبة نساجة وطرازة بارعة، وكان زوجها يتاجر فيما تنتجه وتصلحه حتى اكتسبا من جراء ذلك مالًا وفيرًا.. ولما مات الزوج وترك المال والعقار فإن أولياءه تسلموا مفاتيح الخزائن، إلا أن الزوجة نازعتهم فى ذلك، وحين اختصموا إلى الخليفة عمر بن الخطاب فإنه قضى لها بنصف المال وبالإرث الباقى.. هذه الواقعة تعكس عدالة الإسلام فى عهد الفاروق العادل عمر بن الخطاب.. وهى دليل ملموس لنا على أهمية تأمين الزوجة بإرث الزوج أو نصفه أو ثلثه على أقل تقدير نظرًا لكدها وسعيها معه طوال فترة زواجها منه خلال حياته..
وفى تقديرى ووفقًا لما نراه الآن، ومن تهرب الكثير من الرجال من دفع النفقة اللائقة للزوجة والتحايل على ذلك، فإنى أرى أنه من الإجحاف للمرأة المطلقة أو الأرملة التى ظلت مع زوجها لأمد طويل لأكثر من ١٥ سنة أن نتركها بلا حماية مادية تكفل لها حياة كريمة.. ومن هنا فإننى أرى أنه من الضرورى أن ننظر فى تشريعات جديدة وإضافة مواد جديدة أو تعديل بعض المواد فى قوانين الأحوال الشخصية الحالية بما يضمن تأمين وحماية المرأة المطلقة والأرملة بعد مدة طويلة، وأتمنى أن تقوم النائبات الجدد فى البرلمان الحالى بدعم تيار داخل المجلس يقف مع تعديل قوانين الأحوال الشخصية، بما يتلاءم مع التداعيات الاقتصادية والمجتمعية الحالية.. وبما يضمن حماية الأسرة والمرأة المصرية.. وصون كرامتها، وبما يضمن لها حياة لائقة وشريفة وآمنة فى حالة الطلاق أو موت الزوج.