رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حتى لا ننسى.. قصة الإخوان مع القضاء «2 - 2»


كان هناك قضاة أطلقوا على أنفسهم «تيار الاستقلال» وقد كان هؤلاء المنتسبون للقضاء يتحدثون عن استقلال القضاء فى زمن نظام مبارك، وكان الحديث بلغة نفهمها وبلكنة نعرفها، ولكنك لم تكن تستشعر فيها الحياة!
كنت ألوم نفسى على أننى لم أشعر بهم وهم يتحدثون، فكنت إذا غابت المعانى عنى ورأيت أن كلامهم يشبه الكلام، وأن معانيهم تشبه المعانى، ولكنها عرائس بلا روح، فكنت أنظر إلى وجوه المتحدثين لعلى أشعر فى ملامحهم وانفعالاتهم بالصدق، ولكن بصرى كان يرتد لى وهو حسير، إذ لم يستطع أن يصل إلى مكامن النفوس، ولكنّ شيئًا ما فى صدرى كان يقول إننا على مسرح، وهؤلاء شخوص فى مسرحية لم يتقن مخرجها تحريكهم، ولم يستطع المؤلف أن يضع الكلمات على أفواههم.
كان الواحد منهم ينفعل انفعالًا مسرحيًا مبالغًا فيه حتى يستطيع أن يحصل على أكبر كم من التصفيق من جمهور القاعة، كان هذا هو الشعور السائد فى نفسى، ولكننى رأيت ناسًا من الناس، يصدقونهم ويهتفون لهم، فقلت لنفسى: ما أكذب علم الفراسة، لقد خاب هذا العلم فى هؤلاء، ولكن بعد أن وصل الإخوان للحكم عاد لى إيمانى بعلم الفراسة، فقد كانت رموز تلك المجموعة التى أطلقت على نفسها «تيار الاستقلال» تقف مع الإخوان ومحمد مرسى رئيس الدولة فى القضاء على استقلال القضاء، بل إن منهم من أسهم فى صياغة الإعلان الدستورى، وحتى لو لم يكن أحدهم قد ساعد مرسى فى كتابة هذا الإعلان الدستورى الفاسد، فإنهم وقفوا بجانب مرسى فى شأنه ودافعوا عن هذا الإعلان وبحثوا عن آلاف التبريرات له، حقًا ما أصدق علم الفراسة.
ثم أرادوا السيطرة على النيابة العامة، فلم يكن أمامهم إلا أن يخرجوا سهمهم الآخر الذى كان مدخرًا فى جعبتهم، فلعل هذا السهم ينطلق فيصيب القضاء فى مقتل، فأصدر مرسى إعلانًا دستوريًا مكملًا بعزل النائب العام عبدالمجيد محمود، واستقدموا للمنصب من الخليج مستشارًا من تابعيهم هو طلعت عبدالله، ولقد كان تعيينه فضيحة بكل المقاييس، ولكن موقف رجال النيابة كان هو الأول فى تاريخ القضاء المصرى، ولقد كان احتجاجهم على هذا العبث بالدستور والقانون لا مثيل له، كانت غضبة عبّر عنها كل رجال النيابة العامة من أصغر وكيل للنائب العام إلى أعلى واحد فيهم منصبًا، اشترك فيها المحامون العموم والنواب العموم المساعدون فى كل محافظات مصر، واستقال بسببها عدد كبير من رموز النيابة العامة احتجاجًا على عزل النائب العام، وبعد ذلك رتّب الإخوان ما كشفه مهدى عاكف فى فلتة من فلتات لسانه بأنهم ينوون تعديل قانون السلطة القضائية للإطاحة بأكثر من ثلاثة آلاف من القضاة وتعيين غيرهم من الإخوان الذين يعملون فى المحاماة.
تلك كانت أمانيهم، وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا، وفى يوم الثلاثين من يونيو عام ٢٠١٣ خرج القضاة إلى الشارع فى سابقة تاريخية لينضموا إلى الحشود الضخمة من شعب مصر فى ميدان التحرير وعند قصر الاتحادية وفى ميدان مصطفى محمود، كان هذا هو اليوم الذى أصدر فيه القضاء حكمًا واجب النفاذ بإنهاء حكم الإخوان، وكان هذا الحكم لا يقبل نقضًا ولا طعنًا، فقد صدر باسم الشعب.