رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وثيقة الأخوة الإنسانية


فعلت خيرًا دولة الإمارات العربية باستضافة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، وفضيلة الشيخ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، فى فبراير عام ٢٠١٩، حيث تم إصدار وإعلان «وثيقة الأخوة الإنسانية»، كما أحسنت الأمم المتحدة بجعل يوم ٤ فبراير من كل عام يومًا عالميًا للوحدة الإنسانية، حيث اعتمدت الوثيقة فى المقام الأول على الوحدة الإنسانية.

خلق الله الإنسان، مطلق إنسان، دون تفرقة لدين أو عقيدة أو لون أو جنس.. إلخ، وساوى الله بين الإنسان فى إطار هذه الإنسانية، حيث كانت هى الأصل مع تعدد الشكل، فى الوقت الذى سخّر فيه الله كل مخلوقاته لهذا الإنسان أيضًا دون تفرقة، فالحقوق والواجبات هى ذات الحقوق والواجبات للإنسانية كلها، فلماذا هذا الخلاف وذلك الصراع بين الإنسان وأخيه الإنسان بالرغم من وحدة هذه الإنسانية؟ بل لماذا هذا الصراع والتصارع وكل تلك المواجهات بين أصحاب الأديان؟

نعم هناك اختلاف بين البشر لحكمة إلهية.. نعم هناك تعددية دينية ولحكمة إلهية أيضًا، فلولا هذا الاختلاف وتلك التعددية ما أصبحت للحياة جدوى ولا صار للإنسان هدف ولا كان للإنسانية أمل.. فالله أراد الحرية للإنسان بكل ما تحمل هذه الحرية من معنى، حتى إن الله قد ترك للإنسان أن يؤمن به أو لا يؤمن «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، فلولا هذه الحرية فى الاختيار ما كان للحساب والثواب والعقاب وجود.. وبالرغم من ذلك نرى هذا الصراع وذلك التقاتل تصورًا للإنسان أنه هو الوحيد الذى يمتلك الحقيقة المطلقة.

بل إن هذا الإنسان يتصور أنه هو الوحيد المسئول والمدافع عن الدين الذى يؤمن به فى مواجهة أصحاب الدين الآخر، الذين يتعامل معهم كأعداء وليس كمختلفين يمارسون ذات الحق الذى أعطاهم الله إياه مثله تمامًا.. فهل أراد الله هذه التعددية الدينية حتى تكون سببًا فى الصراع بين الإنسان وأخيه الإنسان؟.. أم أراد هذه التعددية الدينية حتى تتحاور الأديان فى رسائلها وتتكامل فى مقاصدها العليا التى هى فى المقام الأول لصالح هذا الإنسان؟.. ولكن كل هذا الصراع وذلك الرفض للآخر نتيجة مباشرة لفكر دينى خاطئ هنا وهناك، فكر لم يدرك المقاصد العليا للأديان، تلك المقاصد التى أوجدت وبررت التعددية «لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين».

هنا، هل هذه الوثيقة تعتبر هى نهاية المطاف؟ بلا شك لا، فهذه هى البداية، والأهم هو التفعيل الحقيقى للوثيقة على أرض الواقع، بتصحيح الفكر الدينى الذى يقبل الاختلاف ويقبل الآخر.. بقيام المؤسسات الدينية بدور عملى ومجتمعى لتحقيق الوحدانية الإنسانية بعيدًا عن الكلام الجميل والنظرى الذى لا نجد له وجودًا على أرض الواقع بمناهج تعليمية وتربوية تربى النشء على فكرة التعددية والقبول الذى لا يتناقض مع التمسك بالعقيدة الدينية الخاصة.. بدور تنويرى وتثقيفى للإعلام يدعم ويؤكد حقوق وواجبات المواطنة لكل المصريين بلا استثناء ولا تفرقة.

كما أن هذه الوثيقة، وإن كانت قد صدرت بوجود رمزين دينيين كبيرين يمثلان السُنة فى الإطار الإسلامى والكاثوليك فى الإطار المسيحى، فهذا لا يعنى غير دمج باقى الطوائف والعقائد، بل والأديان سماوية كانت أم وضعية، فالإنسان والإنسانية تتجاوز الأديان وتتخطى الطوائف والطائفية.

الوثيقة حدث مهم ومطلوب، ولكن الواقع الإنسانى ونتيجة للصراعات الحياتية والمصالح الذاتية والصراعات المذهبية والاختلافات الأيديولوجية، جعلت الدين مجال صراع فى إطار أيديولوجى وليس إيمانيًا، وسخّرت الدينى لصالح السياسى، فلا أمل لتحويل الصراع إلى حوار والخلاف إلى اتفاق دون الإيمان بوحدة الإنسانية.