رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل يسير بايدن على خُطى أوباما؟


سأل صحفى أمريكى، الرئيس الجديد، جو بايدن، خلال مؤتمر صحفى: هل ستكون فترة رئاستك للولايات المتحدة، بمثابة ولاية ثالثة لباراك أوباما؟.. هل ستطبق نفس سياساته، بما يعنى، أن الرجل- أوباما- سيواصل حكم أمريكا من خلالك؟.. كانت إجابة بايدن نافية، وقال إن سياساته ستكون مختلفة وجديدة، «وسأنتهج سياسة أكثر تصالحية مع الحلفاء».
لكن، بالنظر إلى ما يحدث على الأرض، سنجد الواقع ينافى إجابته تمامًا.. لأن الرجل الذى كان نائبًا لأوباما، وعمل على تنفيذ سياساته، خلال فترة حكمه، وتشارك مع الرئيس فى آرائه وما اتخذه من قرارات، يمثل سياسة حزبه «الديمقراطى»، ومهما حاول أن يدعى اختلاف سياساته عما كان فى عهد أوباما، سيظل مخالفًا للحقيقة.. فرئيس الولايات المتحدة- أيًا كان اسمه- لا يمثل نفسه، إنما هو نائب حزبه فى البيت الأبيض.. لذا، لا بد أن نتيقن من أن سياسات بايدن، ستكون هى نفسها سياسات أوباما، وبالتالى، نتوقع نفس النتائج التى وصلنا إليها فى عهده.. من قبيل ما أسموه ثورات الربيع العربى، وتغيير أنظمة الحكم فى المنطقة العربية، وخارطة الشرق الأوسط الجديد، التى ترسمها الفوضى الخلاقة.
وبالنظر إلى هذه الحقبة، فلا بد أن نتوقف عند إيميلات هيلارى كلينتون، وزيرة خارجية أوباما، التى تم تسريبها فى عهد دونالد ترامب، لكشف توجهات سلفه نحو إسقاط كل القادة فى الشرق الأوسط، وجلب قادة جدد، أكثر ولاءً للبيت الأبيض، وأكثر قدرة على تفهم سياساته وتنفيذ أجندته فى المنطقة.. حتى لو أسمينا ذلك غدرًا أمريكيًا بالحلفاء، الذين نفذوا سياسات واشنطن، ومن بينهم الرئيس الراحل حسنى مبارك، الذى كان بمثابة الحليف الأقوى لباراك فى المنطقة.
السؤال هنا: ماذا تريد الإدارة الأمريكية؟.. وما المطلوب أن تقدمه الإدارة المصرية، وصولًا لسياسات منسجمة مع البيت الأبيض؟.
لم يُضع بايدن وقتًا، رغم انشغاله بعلاقات بلاده مع روسيا والاتحاد الأوروبى.. شكّل لجنة داخل الكونجرس، لمراقبة حقوق الإنسان فى مصر!.. كملف يمكن اللعب به مع القاهرة.. تتكون اللجنة من نائبين عن الحزب الديمقراطى فى الكونجرس، عملا فى وزارة الخارجية الأمريكية سابقًا، ومعهما منظمة «هيومن رايتس ووتش»، التى تتخذ مواقف مناوئة لمصر دائمًا، ومنظمة العفو الدولية.. ومنظمة تُدعى «بومبيد»، وتلك هى المسخرة، لأن مؤسسها هو محمد سلطان، نجل الإخوانى القح صلاح سلطان، الذى شارك فى اعتصام رابعة، قبل أن يتخلى عن جنسيته المصرية ويسافر إلى الولايات المتحدة، ويؤسس هذه المنظمة.. ولا تسأل هنا عن مصادر تمويله.. بل اسأل: عن أسباب هجومه الدائم على مصر، فى كل مكان وزمان، خاصة عبر قناة الجزيرة، باعتباره الضيف الدائم على شاشتها.
فهل نتوقع من أناس مثل هؤلاء، أن يقولوا قولة حق عن مصر؟.. وكيف ننتظر تقديم تقارير موضوعية عن حقوق الإنسان فى مصر للكونجرس إذا افترضنا له الحق فى ذلك وفى اللجنة من يهيل التراب على كل المنجزات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى مصر؟.. وذلك عين ما دفع البرلمان المصرى لانتقاد تصرف الكونجرس، واعتباره تدخلًا سافرًا فى الشئون الداخلية لمصر، وطالب وزارة الخارجية المصرية بالرد على تشكيل اللجنة وسعيها للتدخل فى الشأن المصرى.
يتزامن ذلك، مع امتلاء الإعلام الأمريكى بمقالات سيئة التوجه، تهاجم مصر وتحرض عليها.. ومنها ما نشرته صحيفة «فورن بوليسى»، لكاتب إخوانى مصرى، يوم ٢٩ يناير الماضى، تحت عنوان Sisi’s Last Stand، تكشف عن مراد الإدارة الأمريكية من مصر.. وأوله، ضرورة الإفراج عن علاء عبدالفتاح وعبدالمنعم أبوالفتوح، كأهم شخصيتين لهذه الإدارة!!.. وهو ما يثير الريبة فى هدف المقال، وربما دفعك، أيها القارئ للسؤال: ولماذا هذين بالذات؟.. ودون أن نذهب بعيدًا.. فالإجابة تكمن فى احتراق كل الوجوه الإخوانية القديمة، التى لم تعد رهانًا للإدارة الأمريكة للعب بها مرة أخرى.. إنما تحتاج وجوهًا جديدة تخرج على الساحة، ربما انخدع فيها الشعب ثانية.. وإذا ما نجحت هذه الكروت الجديدة فى تحريك الشارع، بادر الإخوان بدعمها، وركوب موجتها من جديد.. وهنا يكشف المقال، دون أن يدرى كاتبه، عن سياسات بايدن حيال مصر.. تلك التى لن تعتمد وقوفه وراء ثورات جديدة بها، لكنه سيسعى لتوفير الظروف المناسبة لها.. وإذا اندلعت لا قدر الله سيفعل كما فعل أوباما.. يدعمها حتى تُسقط الحكم!.
وكأن ساكن البيت الأبيض لم يتعظ، مما حدث لدولته ونظامه، خلال أيام مراسم توليه السلطة، عندما فضح اقتحام مبنى الكابيتول، ديمقراطيتهم، بموت خمسة من المقتحمين، والحكم بالسجن عشرين عامًا، على شخص من بينهم، تجرأ وجلس على كرسى نانسى بيلوسى، رئيسة الكونجرس.
هذه حقوق الإنسان عندهم، وتلك ديمقراطيتهم، التى لم تستطع دول أوروبا التعليق على تجاوزها واختراقها، والتنديد على الحكم بالسجن، على رجل جلس على مقعد مسئول، وهم الذين صدعوا رءوسنا بحقوق الإنسان.. صحيح، أن الإدارة الأمريكية تدرك أهمية مصر، وأنها دولة تحارب الإرهاب وتكافح الهجرة غير الشرعية، وتُحسن الإدارة المصرية التعامل فى العديد من الملفات المتعلقة بالمنطقة، لكنها اللعبة التى يود بايدن أن يلعبها مع مصر، لأنها أصبحت قوة إقليمية كبيرة، تصعد فى اتجاه المستقبل، حتى أصبحت قاب قوسين أو أدنى، من الصعود، قوة اقتصادية مُعتبرة فى العالم، إلى جانب قوتها العسكرية، التى لا يستهان بها.
وهنا لا بد من الإشارة إلى تعقيب الرئيس عبدالفتاح السيسى، على من يتحدثون عن حقوق الإنسان، وكأننا لا نعرفها ولا نقدرها حق قدرها.. قال الرئيس «زى ما بتتكلم عن حقوق الإنسان، ما هى إجابتك عن حقوق الشهداء وأسرهم، والمصابين وأسرهم فى مصر.. الناس اللى بتفقد الاستقرار.. ماذا عن حقوق الإنسان بالنسبة لثلاثة ملايين بيعملوا فى السياحة، وتضرروا نتيجة الإرهاب والتطرف فى مصر.. مين يعيّش الناس دى.. إنت بتتكلم عن بلد فيها ١٠٠ مليون، عاوزين يعيشوا ويستقروا.. تحقق ده إزاى؟».
المقال الذى أشرت إليه، ليس موجهًا للمواطن المصرى، ولكنه يستهدف الأمريكان، بغية تحريضهم على مصر، مبررًا للإدارة الأمريكية، لاستعادة نفس سياسات أوباما، سعيًا للوصول إلى نفس الأهداف، التى كان يود تحقيقها فى مصر، قبل أن يُخيّب الشعب المصرى مسعاه، ويُسقط خطته، ومعه قبيله من جماعة إخوان الشر.
لذا.. أيها المصرى، كن مطمئنًا.. فنفس هذا المشوار الصعب مع الإدارة الأمريكة، سبق لمصر أن سارت فيه، فتعلمت تفاصيله ومراميه، شريطة إيقاظ الوعى لدى المواطن، بأن هناك من يتربص بنا، ويود لو ألقى بنا فى غياهب الجب.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.