رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مُعلّم الآباء بطاركة الكنيسة القبطية «2 - 2»


كان من بين المواظبين على حضور عظات إسكندر حنا سواء فى الكاتدرائية المرقسية بالإسكندرية، أو فى جمعية النهضة الروحية بحى محرم بك بالإسكندرية- شاب فى العشرينات هو عازر يوسف عطا «فيما بعد البابا كيرلس السادس».

وفى يوم عاد الشاب عازر من عمله فى شركة «كوك شيبنج»، وصرح أمام إخوته ووالده بأنه قد استقال من عمله فى الشركة ونوى الذهاب إلى دير البراموس للرهبنة. فقامت ثائرة الكل وسخفوا فكرته، وحاولوا منعه بالحوار، والتخويف من المستقبل، والشاب عازر صامد ثابت لم يلن، وكان أشدهم ثورة هو شقيقه الأكبر حنا يوسف عطا.

فذهب الشاب عازر إلى إسكندر حنا، وأخبره بكل ما حدث، فثبته إسكندر حنا وشجعه وقال له: «إن عائلتك يا ابنى لا يعرفون عنك شيئًا، ويتكلمون بلغة الجسد». وعاد الشاب عازر إلى منزله وأخبر عائلته بما تكلم به إسكندر حنا.

فى الغد ذهب الأخ الأكبر حنا يوسف عطا إلى إسكندر حنا فى دار الجمعية وانتظر دوره حتى يستطيع أن ينفرد بـالواعظ إسكندر حنا، ولما جاء دوره بادره إسكندر حنا قائلًا: «يا حنا اترك أخاك ولا تقف فى سبيله»، واسترسل قائلًا: «إن الشاب عازر له مدة طويلة نحو خمس سنوات يحضر يوميًا بعد انتهائه من العمل ويسألنى فى كل آيات الكتاب المقدس، فإنه قد جهز كراسة وبوّبها بالألف باء، وكان يكتب كل آية لا يعرف لها تفسيرًا فى الصفحة المختصة بها، وكنت أشرحها له.. لقد قرأ الكتاب المقدس بعهديه بعمق وعرف تفسير كل آية، وملأت النعمة فهمه ومارس حياته بأمانة كاملة، اتركه يا حنا فإن له مستقبلًا مفرحًا ومنيرًا فى الحياة الروحية».

اقتنع حنا وعاد لأسرته وأخبرهم بما قاله الواعظ الكبير والأب الروحى إسكندر حنا، وسلم الجميع الأمر لله، ووثقوا فى كلام الرجل، وذهبوا مع عازر مودعينه إلى القطار الذى سيقله إلى دير البراموس.

وفى مقال للبابا شنودة الثالث البطريرك الـ١١٧ بجريدة «وطنى» بتاريخ ١١ أغسطس ١٩٩١، قال: «الأرشيذياكون إسكندر حنا، لقد عاشرناه وسمعناه، وكان أشهر واعظ فى أيامه، وذا تأثير كبير جدًا على سامعيه. كانت عظته تستغرق نحو الساعتين، فلا هو يتعب، ولا الناس يملون، وكان وعظه روحيًا يقتاد الناس إلى التوبة، وكان يتكلم بأسلوب عامى، ويُكثر من القصص والأمثال. وعظ فى الإسكندرية وفى السويس وبورسعيد، ثم جال كارزًا وواعظًا فى كثير من بلاد الوجه البحرى والصعيد، واستقر وقتًا فى أسيوط، وكنا نسمعه هناك سنة ١٩٣٤ وقام الأنبا مكاريوس، مطران أسيوط، بسيامته رئيسًا للشمامسة فى ٢٦ يونيو ١٩٣٢، وذاعت شهرته كواعظ.

وفى القاهرة كان يعظ كثيرًا فى منطقة جزيرة بدران، وساعد بوعظه على شراء وتأسيس الكنيسة «كنيسة مار جرجس بشارع جزيرة بدران بشبرا» سنة ١٩٣٦، وحينما كان يعظ كان الفناء كله يمتلئ ويقف الناس فى شارع جزيرة بدران يستمعون إليه، وكم وقفت أنا فى هذا الشارع أستمع إليه، وكانت العظة التى يُلقيها تُكتب مباشرة، وفى ثانى يوم للوعظ يشتريها الناس مطبوعة».

كان للأستاذ إسكندر حنا مسكن خاص بالإسكندرية، عبارة عن فيلا خاصة، يعيش فيها منفردًا. وكان يذهب للخدمة فى كل ربوع مصر، ثم يعود إليها للاختلاء والاطلاع والصلاة. وفى أواخر أيام حياته على الأرض، مرض ولازم الفراش، وكان ذلك فى بيت شقيق له.

ذات يوم جاءه أشقاؤه يخبرونه ببيع الفيلا التى له فى الإسكندرية «وربما كان ذلك للصرف على احتياجات إسكندر حنا فى مرضه من شراء الأدوية وعيادات الأطباء». وكان لهذا الخبر أثر محزن لإسكندر حنا!! حيث إنه أبدى حزنه وتأسفه الشديد على بيع تلك الفيلا، حزنًا أدهش الجميع، إذ إن الرجل زاهد، وليست أمور الدنيا ثمينة عنده، ذلك الذى ترك كل ما يملك، وضحى بكل ما يستطيع فى سبيل خدمة كلمة الله، ولكنه قال لهم: «لا تستغربوا لحزنى وأسفى على بيع تلك الفيلا، لقد قمت ببنائها بنفسى، وتحت إشرافى، لقد كتبت على كل قالب طوب آية من آيات الكتاب المقدس قبل وضعها فى حوائط تلك الفيلا، وكنت أتمنى أن تتحول تلك الفيلا إلى كنيسة أو جمعية لخدمة كلمة الله».

مرض إسكندر حنا، ولازم الفراش زهاء ثلاث سنوات، وفى أثنائها كان يزوره المتعطشون إلى كلام الحياة الأبدية، ولم يكن يرفض أحدًا، ولا يتعلل بمرضه أو تعبه لكى يُنهى أحد زيارته التى قد تطول.

وفى ٣٠ ديسمبر ١٩٤٤ رقد إسكندر حنا فى الرب- عن ٦٤ عامًا- وانطلق ليستوطن إلى الأبد فى مدينة الأحياء.