رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

داليا مجدى عبدالغنى تكتب: قانون الغاب

داليا مجدى عبدالغنى
داليا مجدى عبدالغنى

الظلم هو أصعب شعور قد يتعرض له الإنسان فى حياته، فهو يضع صاحبه فى حالة من اليأس والإحباط، تليها حالة من الاستسلام، وتتبعها حالة من الرفض والتمرد، والرغبة فى الثأر لنفسه، والمرحلة الأخيرة هى أصعب مرحلة، لأنها أحيانًا تجعله كالوحش الكاسر، الذى لا يرى أمامه سوى رغبته فى الانتقام، فهو يُسلط الضوء فقط على مَنْ ظلمه، وكيفية الثأر منه، ولا يرى أى شىء آخر.

وللأسف، أول خطأ يقع فيه المظلوم هو استعداده لاسترداد حقه بنفسه وبيديه، مُلقيًا كل الأصول وراء ظهره، فهو أحيانًا لا يُؤمن بأن هناك طُرقًا ووسائل شرعية لا بد أن يلجأ إليها لاستعادة حقه المسلوب واسترداده، فتلك الطرق تتمثل فى القنوات الشرعية التى أتاحتها له الحياة للوصول إلى مُبْتغاه.

وقطعًا السبب الذى يجعل المظلوم يترك تلك القنوات، ويلجأ إلى الأساليب الملتوية لاسترداد حقوقه أو لرد ظلمه، يعود لثقافته أو إلى ثقافة مجتمعه، فهو يظن أن أى وسيلة مشروعة سيلجأ إليها قد لا تشفى غليله، أو ربما سيطول الأمد حتى يتحقق مراده، أو من الجائز ألا يحصل على حقه من الأساس، وتلك الأفكار تظل تتصارع بداخله حتى يتخذ قراره بأنه الشخص الوحيد القادر على الدفاع عن حُقوقه ورد ظلمه، وهنا يلجأ إلى قانون الغاب، أى أخذ الحقوق بالقوة، وبالطرق المُلتوية.

ورغم أن الفكرة المستقرة لدى الجميع أن الإنسان هو الوحيد الذى يشعر بألمه ومشاكله، وأنه مهما وَكَّلَ وأناب عنه من يشرح آلامه نيابة عنه، ويسعى فى رد حقه المسلوب، فإن الواقع العملى يُؤكد أن المظلوم هو آخر إنسان يستطيع الفصل فى قضيته أيًا كانت، اجتماعية، أو شخصية، أو قانونية، لسبب بسيط، أن الإحساس بالظلم يضع غشاوة على العقل، ويُعْمِى البصيرة إلى حد بعيد، ويُغيب المنطق بشكل كبير، لأن الظلم يُعطل العقل عن التفكير، ويُصيب الأعصاب فى مقتل، ولا خلاف على أن العقل والأعصاب هما ميزان الفكر السوى، فكيف يتسنى لمن يفتقر للفكر السوى أن يتخذ قرارًا، حتى لو كان هذا القرار يخصه تمامًا ويُعبر عنه مائة بالمائة، لذا قرر الإنسان منذ قديم الأزل أن يكون هناك من ينوب عنه فى صد الظلم عنه ورده، لأن هذا النائب، سواء تمثل فى صرح العدالة، أو هيئة الدفاع، أو المجلس العُرفى أو العائلى، أو غيرها من الجهات الحيادية، سيكون له القُدرة على دراسة الموضوع من كل جوانبه بشكل حيادى وموضوعى، وتتجلى الحقيقة وينقشع الضباب.

علاوة على أن هناك قاعدة ثابتة وراسخة تنص على أنه لا يجوز أن يكون الشخص خصمًا وحكمًا فى آن واحد، لأن هذا يُجافى العدالة المنشودة على الأرض، فأى شخص تعرض للظلم لا يرى دوافع خصمه التى اضطرته لسلوك الظلم، بالرغم من أن المظلوم قد يكون هو الذى دفع خصمه لارتكاب تلك السلوكيات الجائرة.
وهناك أمر بالغ الأهمية يتمثل فى نظرية النسبة والتناسب، بمعنى أن أى مظلوم لو تمكن من رد ظلمه بنفسه، مما لا شك فيه أنه سيظلم خصمه، لأنه يفتقد أهم عنصر فى رد الاعتداء وهو الميزان، فإحساس الظلم والألم سيجعله دائمًا فى حالة عُنف شديد، تُجْبره على رد الظلم بظُلمٍ أكبر منه، ومن هنا سيُجْبر خصمه على التفكير بذات الطريقة، وهكذا ستتوالى حالات الظلم والرغبة فى الثأر الذاتى، وسيسود قانون الغاب الذى سيحكم وفقًا للأهواء الشخصية والقناعات غير المُمنطقة، وهذا ما يتعارض مع كل الشرائع والأديان، وما ينبذه المجتمع، وما ترفضه كل القوانين الوضعية.