رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«أسقيانا طربا ومحبة».. راجح داود يكشف دور عمالقة التلاوة في حبه للموسيقى

الفنان راجح داود
الفنان راجح داود

الموسيقى في حياة الفنان راجح داود تشبه المدينة التى يجد بداخلها متعة للنفس وراحة للجسد وبهجة للروح، وباعتبارها الضلع الأهم فى حياته فقد تحدث عنها باستفاضة في أحد حواراته الصحفية، حيث كشف كيف بدأ اللقاء مع ذلك الفن الراقى؟ وكيف وصلت العلاقة لهذه الدرجة من الارتباط؟.. مبينا:

الارتباط بينى وبين الموسيقى سببه والدي، فهو واحد من أصحاب البصمة الكبرى التى طبعت أثرها على حياتى ومسيرتى، فرغم كونه صحفيًا فى الأساس، فإنه كان صاحب ذائقة فنية عالية الجودة مصبوغة بروح أدبية، وهذه الذائقة دفعته لتعليم أبنائه الفنون بمختلف أشكالها، لكنى ومعى شقيقى الأكبر اخترنا الغوص فى بحر الموسيقى.

لذلك أدين لأبى بفضل كبير فى ارتباطى بذلك الفن الراقى من ناحية، ومن ناحية أخرى فإننى أدين له بالكثير فى تربيتى وتنشئتى على مجموعة من القيم والمبادئ كانت السراج المنير الذى سارت عليه حياتى، فقد علمنى التحلى بالأخلاق النبيلة التى تشبه شجرة عظيمة تتدلى من فروعها ثمار الصبر والتحمل والمثابرة والإخلاص والتواضع".

وأضاف "ورغم المكاسب العديدة التى تعلمتها من والدي، لكني خالفته فى شغفه بالقراءة، فلم أشحن طاقتى بحبها مثلما كان يفعل، فعلاقتى بالكتب ظلت علاقة عشوائية أنجذب إليها حينًا وأخاصمها أحيانًا أخرى، لكنى بشكل عام أميل إلى مطالعة المؤلفات التاريخية".

وتابع "المبادئ التى علمنا أبى إياها كانت أشبه بالسلم الذى صعدت عليه خلال رحلتى، ثم جاء تعلم ودراسة الموسيقى ليمنحانى نوعًا من السكينة والهدوء والسلام النفسى، وحين احترفت عشقها كان هدفى من ذلك هو المتعة والاستمتاع، ولم أشغل بالى مطلقًا بالدخول فى منافسة أو مسابقة مع أحد".

الموسيقى فى حياتى فلسفة ذات نغمة خاصة جدًا، وحين بدأ شغفها يداعبنى ويسيطر على تكويني، وجدت نفسى أميل إلى سماع الموسيقى الغربية ولم تهوَ أذنى نظيرتها العربية، كالتى يقدمها «عبدالوهاب» وتدندنها أم كلثوم، لأنى كنت تواقًا لسماع موسيقى ذات نسيج هارمونى وليست ذات النسيج اللحنى.

لكن بعد الاقتراب والوصول لمرحلة النضج الفنى بدأت فى التفرقة بين ما يجب فعله وتقديمه وما يجوز سماعه، لذا عدت من جديد لسماع الموسيقى العربية التى خاصمتها، وحينها اكتشفت أن لدينا عباقرة أمطروا هذا الفن بسحائب من المحبة والإبداع".

وقال داوود: "ففى حالة الموسيقار على إسماعيل، تجد هذا الرجل قد أحدث طفرة وتطويرًا كبيرًا على مستوى لغة الموسيقى التقليدية، بل إنه تقريبًا- ومع الراحل العظيم بليغ حمدى- استطاعا نقلها إلى عهد جديد ومختلف، وأيضًا الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب، الذى كان أول من قدم مقطوعة موسيقية دون غناء، فى حالة كانت فريدة ونادرة فى زمانها، بينما الآن تجدها وقد أصبحت ظاهرة عادية.

وأضاف "طيلة الوقت كنت أسعى إلى ممارسة الموسيقى بصدق، لأنه عندما يصل الفنان إلى مرحلة الصدق فى الأداء ينتقل تلقائيًا إلى المرحلة التى تليها، المتمثلة فى الوصول لقمة هرم الإبداع، ووقتها يتوحد مع فنه ليصبح مرآته التى يشاهد خلالها روحه وأحلامه التى تسرى بين ضلوعه، والفن الجيد دائمًا هو نتاج لمعادلة طرفيها هما الموهبة والثقافة".

واختتم قائلا: تلك الثنائية، بعيدًا عن عالم الموسيقى تتجلى فى دولة التلاوة المصرية، ففى وقت ما كان كل قارئ مصري مدرسة قائمة بذاتها، مثل الشيخين محمد رفعت ومصطفى إسماعيل، اللذين كانا مثل الينابيع التى تسقى المستمعين طربًا وشجنًا ومحبة، لكن للأسف عندما ندرت الموهبة وشحت الثقافة اختفت هذه المدارس الملهمة ولم يعوضها أحد حتى الآن، فالقراءات الحالية التى نسمعها من المعاصرين ليست إلا «عشوائيات».