رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تجاهل الكاتبات والشاعرات


أعلم جيدًا أن كل شىء مقلوب فى هذا العالم الشرس المتنمر الموبوء بأفكار وقيم وأحلام البشر، أكثر مما هو موبوء بالفيروسات القاتلة، والأمراض الفتاكة عديمة الرحمة.

أى رجل لديه بعض المنطق العادل لا بد أن يتمرد على هذا العالم.. وأى امرأة لديها بعض الإنسانية لا بد أن تمرض فى هذا العالم.. وأى طفل لديه بعض التلقائية لا بد أن يحتج على قهر الأب والأم.. وأى طفلة لديها بعض الذكاء لا بد أن ينغصوا حياتها بالاتهامات.

أعلم جيدًا أن كل شىء مقلوب فى هذا العالم، مهما ادّعى التحضر، والعدالة، والرقى، والإنسانية، والحرية.

الأشياء كلها تمشى معوجة، ومختلة، وضد السير المستقيم الصحى المتوازن.

داعبتنى هذه الأفكار بعد أن شاهدت بالأمس، بالصدفة البحتة، آخر مهرجانات السينما التى أقيمت فى القاهرة، على قناة اليوتيوب.

احتفال تكلف مبالغ خيالية، بالطبع هذا ليس من شأنى، لأنها ليست من مالى الخاص، ومن الأشياء المستحسنة أن يهتم أحد من الأفراد، أو من مسئولى الدولة، بنجوم الفن السابع، وأفلامه على مستوى العالم.

لكن الشىء الذى لفت انتباهى، وهو يتكرر فى جميع مهرجانات السينما، ليس فى مصر فقط ولكن على مستوى العالم، وإن كان فى مصر أكثر تضخمًا- هو طريقة ظهور نجمات السينما، حتى لو كنّ عديمات الموهبة، أو ليس لهن أى تاريخ يذكر له قيمة، أو واحدة ناشئة تبحث عن منتج أو مخرج أو «عريس»، ويستحسن أن يكون الزوج المنتظر هو المنتج أو المخرج.

تبدو نجمات السينما بشكل كأنهن فى سوق تجارية للعرض، وكاميرات الإعلام التى يديرها الرجال تهرول وراءهن، بهدف التركيز على إفشاء أسرار أزيائهن التى تكشف أجسادهن، بتسريحة الشَعر، والمكياج، وتصميم الفساتين، والمجوهرات، والإكسسوارات، ويسمونها فى لغة الإعلام «إطلالات» تتمختر على السجادة الحمراء.

يتعامل الإعلام مع نجمات السينما كأنهن «آلهة» الفن، والثقافة، أو كأنهن يمتلكن «الحقيقة المطلقة» للإبداع دون سواهن.. وحتى أكون منصفة، فإن هذا هو الموقف الإعلامى السائد، المتشابه فى كل مجتمع.. الاختلاف الوحيد هو حجم الميزانية التى تُخصص للمهرجان، والتى تصل فى بعض الدول إلى أرقام خيالية، تكفى للقضاء على الفقر، والجوع، والمرض، فى إحدى دول إفريقيا البائسة.

ونحن بالطبع جزء من هذا العالم، بمشاكله، وأزماته، واختلال مقاييسه، واعوجاج أولوياته، وتعثر العدالة، أو غيابها، والانبهار بالشكل، والمظاهر، دون الجوهر والعمق..ليس فقط فى مجال السينما، والفن، والإبداع، ولكن على جميع المستويات.

وهل تعبير أن «القاهرة هى هوليوود الشرق» إلا تأكيد أننا «نستورد» كل الأشياء.. إنه تعبير يرسخ التبعية، وينفى الأصالة، وينزع من مصر «إضافاتها الإبداعية».. لماذا لا يُقال إن أمريكا هى «قاهرة الغرب»؟.. مصر، بعراقتها التاريخية، وريادتها السينمائية، والفنية، والإبداعية، والثقافية، لا تحتاج إلى أن «تنتسب» لأى دولة.

سمعنا أن «هند رستم هى مارلين مونرو مصر».. وأن «فريد شوقى هو أنتونى كوين مصر».. وأن «فاطمة اليوسف هى سارة برنار الشرق».. وأن «فاتن حمامة»، فى طفولتها، هى «شيرلى تمبل مصر».. منتهى الإنكار وإزاحة المواهب المصرية؟

فى العالم كله نجد مكياج وفساتين «ممثلة» سينمائية ناشئة، أو ممثلة لا تضيف شيئًا بأفلامها، أهم من «كاتبة»، مخضرمة، أو شاعرة كتبت عشرات الدواوين الشِعرية، أو روائية لها عشرات الروايات.

«الكلمة» هى الأصل.. دونها لا أفلام ولا مسرحيات، ولا أغنيات، ولا فلسفة، ولا قصائد، ولا دراما.. لكن لا أحد يهتم بالأصل.

إن الكاتبات، والشاعرات، والروائيات، اللائى يأخذن الكتابة بجدية، ويؤمنَّ بأن «الكلمة» أخطر من طلقات الرصاص، وأن الثورات العظيمة كانت تراكمات، وترجمات، لكتب أديبات، وأدباء، وفلاسفة، وشاعرات، وشعراء، ليس لهن سجادة حمراء، أو سجادة من أى لون.. ولا أقول هذا لأننى أود السير على سجادة حمراء، فأنا أكره التجمعات، والزحام، والأضواء، والدوشة.. كما أننى متأكدة من أننى لن أكون من المدعوات.. فكتاباتى لا تتوافق مع الفكر التقليدى، والقيم السائدة، والأخلاق العامة، والتقاليد الموروثة، والمزاج الجماهيرى، والهوى الشعبى.. لقد قدمونى للمحاكمة بتهمة ازدراء المعلوم من الدين بالضرورة، بعد أن نشرت مقالًا فى عيد الأم، بتاريخ ١٨ مارس ٢٠٠٦، فى مجلة «روزاليوسف»، لأننى قلت إن العدالة والمنطق يقتضيان أن يأخذ الطفل، أو الطفلة، اسم الأم بجانب اسم الأب.. وكسبت القضية.. ولكن ما زال الاتهام يطاردنى، حتى إن الإعلام لم يذكر كلمة واحدة بأننى تعرضت للإدانة وذهبت للنيابة وكسبت القضية.

لو كانت واحدة ممثلة ناشئة هاجمها دور برد لامتلأت الصفحات، وأصبح مرضها العادى العابر أشهر من كتب الكاتبة والفيلسوفة الفرنسية «سيمون دى بوفوار».. وكل يوم نجد حوارًا تافهًا مع ممثلة أو راقصة لم تقرأ كتابًا واحدًا فى حياتها، ولا تعرف الفرق بين المقال والقصيدة.. لكننا لا نجد أى حوارات مع كاتبات وشاعرات عن آخر كتاباتهن، ودواوينهن الشِعرية، وكيف يأتيهن الإلهام، وما أهم المؤتمرات الأدبية التى دعين إليها.

تتعرض الكاتبات، والشاعرات، والروائيات، الملتزمات برسالة الكتابة والإبداع، فى بلادنا، إلى قضايا ازدراء الأديان، وقانون الحسبة، وقضايا التحريض على الفسق والرذيلة، وقضايا الإساءة للإسلام والذات العليا، وإهانة الرسل والأنبياء.. ويتم التعتيم عليهن، وتشويه سمعتهن الشخصية، وإدانتهن بأفظع الاتهامات.